الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس في التواضع

رمضان متولي

2008 / 7 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أحاول حاليا أن أقرأ تاريخ مصر المعاصر، وتحديدا تاريخ مصر خلال الفترة السابقة على حركة الضباط في يوليو 1952، وحتى الآن أنجزت جزءا كبيرا من كتاب المستشار الجليل طارق البشري عن الحركة السياسية في مصر خلال هذه الفترة، وكان أهم ما لاحظته في هذا الكتاب هو التشابه الشديد في مطالب الحركة السياسية قبل 1952 وفي الوقت الحالي.

وكأن التاريخ يعيد نفسه، كانت مطالب الحركة السياسية تتركز في ثلاثة محاور: الحرية وتحديد سلطات الملك، الاستقلال الوطني أو ما سماه المستشار البشري بالقضية الوطنية، ومعالجة التفاوت الطبقي الشديد أو كما يصفه الكتاب بالقضية الاجتماعية.

النظام الذي كان سائدا في مصر قبل 1952 كان نظاما ملكيا دستوريا، ويحلو للبعض أن يصور ذلك النظام بأنه كان أفضل كثيرا من الوضع الحالي، غير أنني – وفقا للصورة التي دبجها البشري في كتابه الرائع – وجدت تشابها قد يصل إلى حد التطابق من حيث الجوهر بين نظام ما قبل 1952 والوضع الراهن، من حيث استبداد الملك وتجاوزه حتى على الدستور، وفساد المؤسسة البرلمانية حتى في ظل حكومة الوفد، التي سعت في نهاية الأربعينيات وأوائل الخمسينيات إلى استرضاء الملك وتجنب المناوشات معه حتى لا يقوم بإقالتها وتعيين حكومة أخرى من أحزاب الأقلية كعادته، وانتشار القمع والتعذيب ضد المعارضين، مع فساد الطبقة المسيطرة على الثروة في مجتمع تعاني غالبيته العظمى من تدهور الأوضاع المعيشية.

وإذا كان تكرار التاريخ نفسه يعني أنه في المرة الأولى مأساة وفي المرة الثانية مهزلة، فإننا نستطيع أن نصف ما يحدث في مصر حاليا بالمهزلة.

كانت المأساة ألا تستطيع الحركة السياسية المصرية في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات على تنوعها وزخمها أن تنجز المهام التاريخية التي ألقيت على عاتقها، وأن يحدث ما جرى من تبديد للطاقة النضالية للمصريين – الذين يتهمهم البعض حاليا بالبلادة! – حتى صعود الضباط إلى السلطة مترددين ومتأرجحين بين العودة إلى الثكنات وبين المناورة مع مختلف القوى السياسية آنذاك من أجل السيطرة على السلطة حتى نبلغ ذروة المأساة في أزمة مارس 1954، حين يرفض من ناضلوا من أجل الديمقراطية شبهة الديمقراطية ويطالبون بحكم العسكر.

أما المهزلة الحالية فتتمثل في ضعف وتشتت القوى السياسية حاليا وعدم قدرتها على التماس مع الجمهور أو قيادته أو تنظيمه أو حتى إقناعه، ثم نجد مطالب مشبوبة بالانتفاض والثورة – وكأنهم على أهبة الاستعداد لها – بل ونجد من بين النخب الثقافية أو السياسية من يجرؤ على إدانة الشعب المصري واتهامه بالخنوع والبلادة والرضوخ للسلطان لأن هذا الشعب لا ينساق وراء مقالاته أو أحلامه العنترية، والجوفاء رغم ذلك.

ورغم أنني لا أكف عن الحلم بالتغيير وأن تتمكن جماهير الفقراء في مصر من فرض إرادتها وصناعة تاريخها بنفسها وأن تتقدم هذه الجماهير لتحتل مكانها في الصفوف الأمامية لإعادة صياغة مجتمعها وامتلاك مستقبلها، تظل المسافة واسعة بين الحلم وبين الواقع، ولا يستطيع اجتيازها مثقف طائش مهما بلغت عنتريته "الحنجورية"، ولا سياسي أخرق مهما ادعى من بطولة. ويظل الأمر كله مرهونا بتحرك هذه الجماهير التي تتحكم فيها عوامل شتى ولا يستطيع أحد أن يتوقعها، ولكن لا يحق لأحد أن يزايد عليها. لقد كتب المؤرخ ثاقب النظر أليكسي دي توكويفيل حول الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر: "لا شيء أفضل من تاريخ الثورة الفرنسية يعطي درسا في التواضع للفلاسفة ورجال الدولة، فلم يحدث أن شهد التاريخ حدثا أكثر أهمية من هذه الثورة واستغرق تلك الفترة الطويلة حتى ينضج وبلغ الإعداد له حد الكمال، ورغم ذلك كان أقل الأحداث توقعا في التاريخ."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة