الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيير قانون الأحوال الشخصية أسقطت ورقة التوت من عورة مجلس الحكم

جليل شهباز

2004 / 1 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


 إن ما يجري في العراق يعتبر أمرا" طبيعيا" إذا أخذنا بنظر الاعتبار واقع الاحتلال الامريكي للعراق والأعمال الإجرامية والإرهابية لما يسمى بالمقاومة، حيث أن الحزب الشيوعي العمالي العراقي قد أكد، قبل سقوط النظام البعثي الفاشي وقبل الاحتلال الامريكي للعراق بمدة طويلة، على ان امريكا تسعى جاهدة" لرسم سيناريو أسود بغية فرضها على جماهير العراق.. وها! أن فصول ذلك السيناريو يتحقق في العراق واحدة" بعد الاخرى وإن الفردوس الذي وعد امريكا بتحقيقها لجماهير العراق بعد سقوط النظام البعثي ما هي في الحقيقة إلا جحيما" لا يطاق حيث أنه بالإضافة إلى انعدام الأمن والاستقراروالعمليات التخريبة والإرهابية التي تروع المواطنين فإن البؤس الاقتصادي مازال على حاله دون تغيير وإن معدلات البطالة في تزايد مستمر كما وأن الحرمان حتى من أبسط الخدمات الإنسانية قد أصبح أمرا" مألوفا" للعراقيين.. أما الحقوق والحريات فإن ما تحقق منها فهي ليست بفضل مجلس الحكم بل إن التحولات السياسية الجارية في العراق وموازين القوى داخل المجتمع التي لاتميل لصالح مجلس الحكم هي التي فرضتها على ذلك المجلس والإدارة المدنية الامريكية سوية"، في حين أن الممارسة السياسية الفعلية لمجلس الحكم وطريقتها في الحكم يتجهان نحو انتزاع حتى أبسط الحريات والحقوق من الجماهير ولا يوجد شيء يسمى بالحريات والحقوق في دستور عملهم لأن جل مايهمهم يتمثل بكيفية وسيل الأحتفاظ بكراسي حكمهم المهزوزة والمحمية بالحراب الامريكية.. إلا أن الأخطر من كل هذا وذاك هو أن كل الذين لمتهم امريكا في الحضيرة القذرة التي تسمى بمجلس الحكم متفقين على إبعاد الجماهير من المشاركة في الحياة السياسية للمجتمع وبالتالي عن المشاركة في تحديد شكل السلطة التي يريدونها.
وعلى هذا الأساس ولما كانت التوجهات السياسية لمجلس الحكم هي على عكس التوجهات الجماهيرية فإن مساعي مجلس الحكم لجعل أساطير وخرافات الإسلام أساسا" لقوانين الدولة وخصوصا" مايتعلق منها بالحقوق المدنية والشخصية للمواطنين، ليس أمرا" غريبا"، ولكن ما يثير الاهتمام هذه المرة فإن إلغاء قانون الأحوال الشخصية لتحل محلها الشريعة الإسلامية الرجعية قد كشفت كل التلاوين السياسية لمختلف القوى المتجمعة في مجلس الحكم على حقيقتها واسقطت ورقة التوت لتكشف عورة جميع تلك القوى.. لقد قلنا مرارا" بأن تركيبة سياسية مؤلفة من عجينة ذات توجهات قومية وإسلامية لايمكن أن يكون، منهجها في إدارة المجتمع واسلوبها في قيادة السلطة، على عكس ذلك، ولكن ماهو مخجل ومخزي هذه المرة وكما أشارت إليه جريدة الزمان استنادا" إلى مصادرها الموثوقة فإن إلغاء قانون الأحوال الشخصية وإصدار القانون 137 لتحل محلها قد تمت داخل مجلس الحكم وخلف ظهر الجماهير بموجب صفقة سياسية حقيرة وفي غاية الوضاعة بين المجموعة الكردية التي تراهن على الفدرالية القومية وتستعد لتقديم كل التنازلات ومهما كان الثمن، ومجموعة القوى الإسلامية العميلة لإيران التي تسعى لفرض الخرافات والهلوسة والهذيان الإسلامي على المجتمع، وإذا كانت المسألة بهذه الصورة فماهي الدلالات السياسية لذلك التغيير؟ في الحقيقة إن دلالاتها السياسية الرئيسية واضحة ولايحتاج إلى اي تحليل وهي بكل بساطة كما يلي:
أولا"/ بما أن القوى السياسية القومية والدينية يشكلون القوى الأساسية داخل مجلس الحكم فامر طبيعي أن بناء دولة وتشكيل حكومة على الأسس العرقية والدينية ستشكل افضل بيئة سياسية واجتماعية لاستمرار وبقاء مثل تلك القوى في السلطة وإن إصدار قانون 137 يصب في هذا القناة.
ثانيا"/ لما أن تلك القوى قد جاءت للحكم على عكس إرادة الجماهير فإن الطابع الديني والقومي للدولة والحكومة يساعدان على بقاء الجماهير في حالة التراجع المادي والمعنوي وبالتالي يضمن عدم مشاركة الجماهير في الحياة السياسية وتحديد شكل السلطة التي تجسد إرادتها.
ثالثا"/ كما وإن ممارسة السلطة السياسية وفق المنهجين الديني والقومي يعطي دوما" المبررات والذرائع القوية للحكام مثل ترهات الدفاع عن الوطن والخطورة على الأمن القومي أو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والحفاظ على العاداة والتقاليد الإسلامية، وذلك لتساعدهم على التهرب من المطالب الجماهيرية وسلب حقوقهم وانتهاك حرياتهم وبالتالي تمرير سياساتهم القمعية واللاإنسانية.
يبدو أن القوميين والإسلاميين داخل مجلس الحكم يظنون بأن ماعانته جماهير العراق عموما" والنساء خصوصا" على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من قهر وجور على يد جلاوزة النظام البعثي الفاشي ليس كافيا" ولا يشفي غليلهم، وبما أنهم ورثة شرعيون للحكم الدموي البعثي، فيرون أنه من حقهم أن يستمرون على نفس الأصالة البعثية في القمع والاستبداد وفرض أشد السياسات رجعية ولاإنسانية على المجتمع.. أو ربما أنهم يظنون بأن وجود بعض الشذرات المدنية والعلمانية في القانون المدني العراقي يشكل خطرا" على التوجه الإسلامي والقومي لتلك القوى وبالتالي تساعد على توسع وتقوية الحركة الداعية للمساواة والحرية داخل المجتمع العراقي وبما أنهم أعداء للحرية والمساواة وإن وجودهم السياسي مرهون بحرمان الجماهير من الحريات والحقوق فمن الطبيعي أنهم سيجاهدون لنسف كل ما له صلة بالمدنية والعلمانية والحداثة في القوانين العراقية ليحل محلها الشريعة الإسلامية واحكام القرآن والسنة الكفيلة بتكريس عبودية المرأة وتشديد الرجعية السياسية على المجتمع والحفاظ بشكل اقوى على المكانة الدونية للمرأة العراقية التي فرضتها النظام البعثي البربري من خلال الحملات الإيمانية والسيف البتار واعواد المشانق.. مما لاشك فيه أن جعل الشريعة الإسلامية أساسا" للنظام القضائي والتشريعات القانونية للسلطة السياسية في العراق سيثبت الركائز السياسية والاجتماعية لمختلف القوى السياسية الإسلامية والقومية في العراق وكردستان، ولكن ياأعزائي في مجلس الحكم " إن الرياح تجري بمالا تشتهي السفن " فإذا كنتم تتوقعون ترويض المجتمع بسهولة ليرضخ لواقع سياساتكم الرجعية واللاإنسانية فأنكم متوهمون حيث أن جماهير العراق الذي ذاق الأمرين على يد جلاوزة النظام البعثي ودفع بحارا" من الدماء وجبالا" من الجماجم ثمنا" للسياسات الإرهابية والقمعية لذلك النظام، سوف لن يرضخ لإرادتكم المشلولة‍! وإن الجماهير الذي أقصم الحصار الاقتصدي ظهره وحرمه من الغذاء الدواء والعيش الذي يليق بالبشر زهاء أكثر من عقد من الزمن وكلفه أكثر من مليون ضحية سوف لن يرضخ لهذيانكم وهلوستكم، ولذلك فقد جاء الرد سريعا" وحاسما" حيث أن الجماهير النسوية الغاضبة ومعهم كل دعاة الحرية والمساواة وكل مناصري الحداثة والتمدن داخل العراق وخارجه وفي طليعتهم الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومنظمة حرية المرأة قد وقفوا بجسارة وحزم بوجه تلك المحاولة العقيمة للقوميين والإسلاميين داخل مجلس الحكم وقد عبروا عن رفضهم وسخطهم بمختلف الأشكال ويمطرونهم باللعنات يوميا" من كل حدب وصوب، ولكن على الرغم من أهمية كل تلك النضالات والاعتراضات الجماهيرية في الوقت الراهن يجب أن نعلم  إن مايضمن على الأقل المساواة القانونية للمرأة مع الرجل ويحترم حرمة الإنسان وحقوقه الأساسية أسوة" بكل الدول المتحضرة لايمكن أن يتم في ظل حكومة أو أي شكل للسلطة الخاضعة للاحتلال وعليه فيجب ان يستمر نضال تلك الأطراف والقوى السياسية حتى يتم زوال حالة الاحتلال وتشكيل حكومة علمانية ومدنية يضمن المشاركة الجماهيرية الحرة في الحياة السياسية وتحديد شكل السلطة التي تتناسب مع تطلعاتها الإنسانية والتحررية.
23يناير2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يحذر من تداعيات اقتحام إسرائيل لمدينة رفح


.. أمريكا تفتح تحقيقا مع شركة بوينغ بعد اتهامها بالتزوير




.. النشيد الوطني الفلسطيني مع إقامة أول صف تعليمي منذ بدء الحرب


.. بوتين يؤدي اليمين الدستورية ويؤكد أن الحوار مع الغرب ممكن في




.. لماذا| ما الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد نتنياهو تحقيق