الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الثالث في الرواية التونسية المعاصرة: نور الدين العلوي أنموذجاً..

حكمت الحاج

2008 / 7 / 13
الادب والفن



منذ روايته الاولى بعنوان (ريح الأيام العادية) الصادرة بتونس عام 1998 يحاول الروائي وعالم الاجتماع التونسي د. نور الدين العلوي جاهدا أن يتفادى تلك الهوة السحيقة التي سيجد كل كاتب تونسي نفسه مرمياً فيها وذلك بقوة الإرث الكتابي والتاريخ الثقافي والواقع السياسي الذي يشكل معالم تونس المعاصرة.
كانت بدايات العلوي روائية، وهذا بالتحديد يستلفت النظر مما يعني انه لم يبدأ بالقصة القصيرة ليعرج الى الرواية شأن الكثيرين من كتابنا. ومن تخوم تلك البدايات حسم العلوي أمره بوضوح، فلا كتابة إلا باللغة العربية، وليكن للفرانكوفونيين التونسيين مجالهم الخصب فهو لن يذهب اليه معهم. لكن هذا الاختيار المنهجي الواعي لن ينجي الكاتب الروائي (العربوفوني) التونسي من فكي الكماشة التي تنتظره في الهوة السحيقة. فهو بحتم تاريخي نصوصي، اما ان يكتب على شاكلة محمود المسعدي وخاصة في عمله الفذ (حدث ابو هريرة قال) واما ان يجنح الى خيمة علي الدوعاجي وخاصة في عمله (جولة بين حانات البحر المتوسط) الذي اقتبس منه أحد السينمائيين شريطا سينمائيا كوميديا، ولا مهرب من أحد هذين القطبين اللامعين في سماء النثر التونسي المعاصر، بالنسبة لأي ناثر تونسي، فهو اما ان يعود الى المرجع الذهني والتاريخ التدويني وهذا يمثله المسعدي، واما ان ينهل من المرجع الحياتي والمعيش بكل تفاصيله الحية، وهذا طبعا يمثله الدوعاجي خير تمثيل ومن بعده البشير خريف.
ومما تقدم ذكره من معطيات، تنبع أهمية روايات نور الدين العلوي. فهو من بين القلة النادرة ان لم نقل هو الوحيد الذي استطاع ان ينأى بنفسه عن هذا الالتحاق الالزامي بقطبي السرد التونسي المعاصر كما ذكرنا آنفاً، وأن يختط لنفسه طريقا ثالثاً في الحكي القصصي ان صح التعبير، وقد تأتى له ذلك عن سبيلين يتلخصان في انتهاجه تكنيكا بل تكتيكا ماكرا، وفي تبنيه لأبٍ مرجعي من خارج الفضاء التونسي.
كيف ذلك؟
الأمر بسيط مثل صباح تونسي مشرق على شفة البحر. حيلة بسيطة ومعروفة لكل كاتب ألا وهي الاخلاص لحياتك وحكيها كما حدثت وتحدث لك لا لغيرك.
ذاك هو التكتيك بلغة أهل السياسة أبعدكم الله عنها وعافاكم وبراكم. أما المنهج الأساس فكان ما يمكن أن نسميه بالتبني والتبني المضاد ما بين نور الدين العلوي وعبد الرحمن منيف. نعم منيف لا غير هو من استبدل به العلوي آباءه التوانسة في فن القص. وعقد التبني بين الطرفين كان رواية (الأشجار واغتيال مرزوق) تلك الرائعة البكر التي صدرت عام 1973 التي لا تدانيها باقي أعمال منيف في قوتها وسردها العنيف الحيوي المتحرك مثل تفاصيل عيش نبي مشرقي غريب في قومه.
في رواية (ريح الايام العادية) كان نور الدين العلوي يرسم مشهدا لحياته المضببة القاتمة لكن ايضا المغلفة بحب الشباب وتلوثات المراهقة وبدايات اكتشاف مساوئ هذا العالم الذي لا تنتصر فيه العدالة دائما.
في روايته التالية (مخلاة السراب) التي صدرت ببيروت والدار البيضاء عام 2005 يؤكد العلوي التمشي نفسه في كتابته، وسيعطي تأثيرا أكبر لسطوة اللغة وجمالها مما يجعلنا نكتشف شجرة أنسابه التي ستلحقه بمدرسة عبد الرحمن منيف الروائية حيث التاريخ والواقع العربيان يتصارعان في معترك البطل العادي.
حاول المؤلف في روايته هذه أن يبكي نفسه عبر استحضار مأساة جده، الرجل الذي خرج من الصحراء بعد صمت جنائزي دام لأيام طوال، والذين فطنوا إلى جثته وصلوا بعد النمل والذباب الأزرق والكلاب السائبة، وفي لقطة دالة من هذه الرواية نقرأ ما يلي: "... أهلي ثم أنا شهود على هذا الرجل في بزته العسكرية وفي تبانه السياحي الشفاف، شهود على رحلته الخائبة إلى أرض السراب حيث لا ماء ولا حياة. وأنا بعد ذلك شاهد على أن أهلي لم يفعلوا شيئاً ليفهموا البزتين، وكيفما حضر الرجل الأبيض فهم له حاضنون. أما أنا فأمضغ بطالتي وأقرأ الكتب لأرى عيوب أهلي وأشهد أنهم لا يتقدمون ولا أرى نفسي أراوح في مكاني فقد رأيت العالم يتقدم في دماغي حتى صدّقت أنه يتقدم في واقعي".
في روايته الجديدة التي ستصدر عن قريب وعنوانها (تفاصيل صغيرة) يذهب الكاتب بعيدا في تشريح المعيش اليومي وعلاقة ذلك بانعدام الأمل في عالم عربي ينهض من كبوة ليل مدلهم كي يلج كبوة أخرى فيما الليل البهيم يطول وما من صباح.
أما في روايـــة ( المستلبس ) للدكتور نـور الديـن العلـوي الصادرة عن دار الجنوب للنشر بتونس سنة 2005 بعنوان فرعي هو { اللهم الطف بنا فيما جرت بـه التقــارير}، فأن كلمة المستلبس تعني بالعامية التونسية (الممسوس) او الذي مسه رجس من عمل الشيطان او الذي سكنه قرين من الجن فهو مقسوم ومفصوم بين عالمي الباطن والظاهر. هذا الاستلباس ليس منظورا سيكولوجيا فجاً كما في بعض الروايات الهزيلة التي يكتبها بعض العرب زاعمين انها راويات نفسية او فلسفية، بل هو استلباس واقعي تماماً يلعب فيه الأب والمعلم والشرطي والفقيه والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، الدور المهيمن في القاء القبض على الروح الشفافة للانسان العادي وزجها في المتاهة وفقدان المصير.
إذن، ففي كل أعماله، حتى تلك الرواية المخطوطة التي عنوانها الأولي هو (الوحام) أو ربما (الوحم) يحفر نور الدين العلوي أسلوبه الروائي في تناول العالم عبر قالب أدبي صنعه لنفسه من بعض مخلفات قصيدة النثر والشعر العامي والقصص الشعبي والفن الشفاهي لتشكل ما يمكن أن نطلق عليه وبلا أدنى تردد الرواية الشعرية بامتياز.
ولد نور الدين العلوي في مدينة قابس بالجنوب التونسي في 3 شباط عام 1964. حاز شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة التونسية سنة 2004 تحت إشراف الدكتور محمود الذوادي، ويعمل الآن أستاذا في كلية الآداب في الجامعة نفسها، وقد صدر له من الكتب لحد الآن:
- ريح الأيام العادية: سيراس التونسية للنشر سنة 1998 .
- مخلاة السراب: المركز الثقافي العربي (بيروت الدار البيضاء 1991) وقد حصلت على جائزة الكومار الذهبي للنص البكر.
- المستلبس: درا الجنوب للنشر تونس 2005 .
- ترجمة كتاب جان جاك روسو أصل التفاوت بين الناس سنة 2005 عن دار المعرفة للنشر بتونس .
____________________________
* هذا المقال ينشر بالاتفاق مع موقع (الروائي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -شد طلوع-... لوحة راقصة تعيدنا إلى الزمن الجميل والذكريات مع


.. بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر تنظم مهرجانا دوليا للموسيقى ت




.. الكاتب في التاريخ نايف الجعويني يوضح أسباب اختلاف الروايات ا


.. محامية ومحبة للثقافة والدين.. زوجة ستارمر تخرج للضوء بعد انت




.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة