الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حي على الصلاة... !!!

يوسف هريمة

2008 / 7 / 13
الادب والفن


كان غارقا في غيابات جُبٍّ قد أرخى سدوله على حياته، فحوَّلها إلى ليل من الطلاسم المميتة. يضرب ذات اليمين بحثا عن روحه فلا يكاد يراها، ويتقلب ذات الشمال بحثا عن ذاته فيجد الحقيقة عندها لتوفيه حسابه. كتب بمداد جرح عميق أسئلة الفراغ الروحي، حين تسقط الأقنعة عن وجوه الاستبداد والظلم. ولم يشأ أن يركن إلى ظلام دامس، قد تستهويه فيه أغنية طالما رددها بصدى ذلك الجب وهو يقول:" يا وِيلْ مَنْ طَاحْ في بير وصْعَاْب عَنُّو طْلُوعُو رَفْرَفْ ما صَابْ جَنْحِين وبْكَى ونَشْفُو دْمُوعُو ".
هاجر الجب بعد جهاد مع سيوف الظلام وأقنعة البؤس، وانتصر في ساحة وغى لا زال ينتظر نحبه بين أحضانها، وهو موقن بأن النصر آت آت إن شاء الله. لم يعد يطيق الصراع مع الوهم، فولَّى وجهه شطر المسجد الحرام، مسجدٌ على أرض مقدسة بسياج من الرهبة. لفت انتباهه لوحة ذهبية قد قسمت على شطرين، وإذا بالمنادي ينادي:" حي على الصلاة حي على الصلاة...". خلع نعل كبريائه ودخل المسجد، ظنا منه أنها صلاة ذات ركوع وسجود وإمام ومأموم. فإذا به وسط ركام من الساحات. هذه لنهضة مفقودة والأخرى تصالح بين إنسان ودين. وتلك تعلو سمو أدب وفن. والباقيات الصالحات لعلوم قدَّمَت غربا وأخرَّت شرقا.
ظل ينتظر صلاة ترسخت بفعل الزمن، لعل الإمام يخرج من بين تلك الساحات. ثم أذن مؤذن " أشهد أن لا صوت إلا صوت الحق ". صلاة لا تنتهي بالتفاتة على اليمين ولا على الشمال، صلاة إلى الأمام في حركة دؤوبة نحو المطلق. صلاة لا انحناء فيها يستعين بها الناس في بناء حاضرهم ومستقبلهم.
وبينا هو في مشهد الذهول من ذلك المسجد الفريد. إذا بمصلين يخرجون عن النسق الصلاتي. فليس ثمة صفوف كما التصق بذهنية النسك. لغطٌ كثير وضجيجٌ لا يسمح له حتى بالتقاط أنفاسه أو سماع صدى ذلك الأزيز. فواحد قد استهوته نيران غرب أشعلت شموعا على جنبات الطرق، وأظلمت دموعها خواءً لا يكاد يبين. والثاني حمل سيف الرهبة والرقابة وأعلن الويل لمن خالف أو من حام حول الشبهات. والآخر قد استلقى على أريكته وأدار ظهره لحروف " د ي ن "، ظنا أن الشعلة لن تنطفئ باسم حرية تدوس على أقدام الناس ووجوههم.
أمام هذا الكم الجماهيري، والناس تدخل في المسجد أفواجا لحج ساحاته، نقض الوضوء وأخذ يبحث عن مراحيض ربما قد سترتها الجموع، ليملأ فراغا بين الأسطر تركته ثقافة الاستنجاء والاستجمار. فإذا بميثاق كبير كُتِب على بابه ماء السلام. الوضوء من نبعه يزيل قذارة الكبرياء. والغسل من طهره يخلع قناع كل متسلط قد تسلل بين المصلين وبين قلاع تلك الساحات.
ما الذي حوَّل القبلة إلى قبلة حقيقة الإنسان؟
ما الذي طمس الحركات وجعلها في خبر كان؟
ما الذي غَيَّر النداء من صلاة إلى صلاة الرمز والعرفان؟
ترك الجب الأول وانغمس في آخر كالذي استهوته الشياطين وهو حيران. رحلة في خصوصيات المساجد. ومغامرة بألوان النداء تهفو وترنو إليها نفس، قد أثقلها ظلام الجب الأول، وحيَّرَتها أصوات العاشقين لمسجد حرام. وسفرٌ بقطار المدامع إلى أرض ربما تجيبه صلاتها ذات يوم عن سؤال الهوية والخصوصية، بالرغم من تشرذم أصوات المصلين على حين غفلة منهم. وما دام النداء فيهم قائما: " حي على الصلاة حي على الصلاة... ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا