الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الكريم قاسم .. من ماهيات السيرة الذاتية

كاظم غيلان

2008 / 7 / 14
سيرة ذاتية


كثيرة هي الكتب التي تناولت شخصية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، الا ان الباحث الدكتور عقيل الناصري يقف في مقدمتهم من حيث الأهمية ، ففي كتابه- عبد الكريم قاسم من ماهيات السيرة الذاتية- تتوفر القيمة البحثية والمعرفية التي افتقرت لها العديد من الدراسات التي تناولت هذه الشخصية الوطنية العملاقة والتي امتازت بعفة اليد المطلقة والزهد والنبل والشجاعة. الكتاب صادر عن دار الحصاد في دمشق وبواقع(572) صفحة من القطع المتوسط تضمن خمسة فصول بحثت محاورها العديد من المحطات المهمة. يشير الباحث في مدخل كتابه الى ان شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في تاريخ العراق المعاصر، اذ اثير حولها ولايزال، كثير من الجدل والمساجلة ، من المناظرة والمناقشة، بين مختلف القوى الاجتماعية والتيارات السياسية في العراق والمنطقة العربية. كما في الوقت نفسه، كان من أكثر الشخصيات التي شوهت تاريخيتها.
الفرد والتاريخ
بحث الفصل الأول دور الفرد في التاريخ، عبد الكريم قاسم نموذجاً، مشيراً بالقول الى ان القادة العظام في التاريخ لايظهرون عفوياً، بل طبقاُ للضرورة التاريخية ذاتها وعندما تنضج الظروف الموضوعية والذاتية الملائمة، أي في مراحل الانعطاف الجذري، وضمن كون موهبتهم وسمات سجاياهم الشخصية، هي ضرورة للتاريخ وكلما كانت هذه السجايا الشخصية ، هي ضرورة للتاريخ وكلما كانت هذه السجايا الشخصية تستجيب للضرورة، كان دورهم في التاريخ أكبر شأناً وبروزاً خاصة اذا كانوا ، بل بالضرورة ان يكونوا ، مدركين للمجرى الموضوعي للتاريخ، وتستنبط قوة شخصية القائد من قوة الحركة الاجتماعية التي يعبر عنها ويتولى تحقيقها عملياً. لذا نرى ان سجاياهم الذاتية والفكرية ليست قليلة الاهمية بالنسبة لمضمون التغيير ذاته. وكاستنتاج موضوعي لقراءة الدكتور الناصري لشخصية قاسم يؤكد بأن" عبد الكريم قاسم وماتمتع به من شخصية وموهبة وقدرة على اتخاذ القرار المتوائم مع الضرورة التاريخية للتغيير في حدودها الزمكانية، تضعه في مصاف أحد أهم قادة العراق المعاصر، ومن أكثر الذين عملوا على تغيير البيئة الاجتماعية للعراق وهيؤوا ظروف التغيير الضرورية للتطور.
عراق مطلع القرن
يبحث الفصل الثاني من الكتاب في الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لعراق مطلع القرن العشرين مشيراً للارهاصات الفكرية اللبرالية والمساواتية الحديثة في العراق المعاصر الى جانب بحثه في البيئة الاجتماعية لبغداد ومحلاتها الشعبية في تكوينة قاسم حيث" بذرت المحلة ، بدورها في نفسيته الكثير من قيمها الايجابية ، ولذا نراه لايتماثل مع القيم العشائرية المفتخرة بالانساب، رغم انتمائه لعشيرة تنحدر من قبيلة قحطانية ، خاصة اذا علمنا آنذاك كان لأصالة أو قدسية النسب أهمية كبرى بالنسبة لأهل المدن العربية بصورة خاصة، ومن هنا توق الكثير من عائلاتهم الكبيرة لربط نفسها أما ببيت الرسول أو بقائد بارز من قادة الفتوحات العربية، مثل خالد بن الوليد أو بواحد من الاولياء المعروفين أو بقبيلة مهيبة أو عريقة" مستشهداً في نهاية فصله هذا بمقولة المفكر الراحل هادي العلوي والتي جاء في نصها" ان الطائفية باقية في العراق ومحتدمة وللسلطة دور فيها مارسته
في جميع مفاصل تاريخ العراق الحديث عدا سلطة عبد الكريم قاسم الذي لم يكن شيعياً ولا سنياً، وقد تجاوز هذا
الارتباط الجزئي وتمرد على انتمائه الطائفي بحكم شخصيته الاخلاقية وانسانيته الشفافة التي جاءته من تربيته العائلية.
العائلة الفاضلة
بحث الفصل الثالث من الكتاب موضوعة ماهيات السيرة(الولادة والنشأة) مؤكداً ما اشارت اليه العديد من المصادر التي تناولت شخصية قاسم اذ ينتمي من حيث الأب (قاسم محمد البكر الزبيدي) الى عائلة سنية المذهب، قحطانية النسب، قدمت من الجزيرة العربية واستقرت في البدء في الاراضي الزراعية الممنوحة لها من قبل أحد السلاطين العثمانيين التي استقطعتها الى جدها السادس عبد الله، في المنطقة المحصورة بين مدينتي الصويرة الواقعة على نهر دجلة وكربلاء على نهر الحسينية المتفرع من نهر الفرات، وذلك لاشرافه على أعمال شق النهر الأخير لايصال المياه الى مدينة كربلاء.
لقد تركت مزايا والد الشهيد بصماتها على الأبن كما هو واضح اذ يذكر المؤلف" لقد اورث الأب كثيراً من هذه الصفات الى الأبن الأصغر الذي عاشره منذ الطفولة، في ورشة العمل حيث كان يواظب الحضور فيها بعد انتهاء الدراسة اليومية واثناء العطل المدرسية. وبقي الأب يسكن في محلة قنبر علي الفقيرة، منذ قدومه من الصويرة العام 1926 ولغاية 1948، حتى استأجر ابنه المقدم الركن عبد الكريم قاسم داراً للعائلة في كرادة مريم في محلة العباسية، وبقي فيها لحين وفاته في العام 1956 حيث دفن في مقبرة الشيخ معروف في كرخ بغداد، وعلى خلاف مذهب الوالد كان مذهب الوالدة الشيعية الا ان ذلك لم يحدث شرخاً في طبيعة العائلة كما يشير لذلك المفكر العلوي:
" .. خلفيته العائلية ، فقد ولد لأب سني وأم شيعية. وكان كلا الابوين فاضلاً ومحموداً في محيطه.. فعبد الكريم، نشأ في عائلة متوازنة طائفياً وهي عائلة فاضلة أيضاً واتيحت لعبد الكريم
تربية مستقيمة، هي التي تقف
وراء شخصيته الاجتماعية
المتكاملة.
وبالرغم من ان العديد من الكتابات حاولت اشاعة الشكوك في مكونات شخصية الزعيم الا ان شهادات اساتذته أكدت العكس من ذلك حيث تتلمذ على يد اساتذة عديدين في الثانوية المركزية، عراقيين وعرب وأجانب منهم: محمد بهجت الأثري، طالب مشتاق، شيت نعمان، صديق الخوجه، علي مظلوم ومحمود الملاح وغيرهم. وقد تبوأ بعضهم مناصب مهمة بعد 14 تموز، فمثلاً أسند الزعيم قاسم منصب مدير عام مديرية الاوقاف الى الأول ومنصب سفير العراق في تركيا الى الثاني، وهذا مايؤكد صفة الوفاء التربوي التي افتقر لها كل الذين ناصبوه العداء.
ويحدثنا الباحث عن الفترة التي عمل فيها قاسم في سلك التعليم وتحديداً في مدرسة الشامية الابتدائية الرسميةللبنين في مركز قضاء الشامية التابع للديوانية وقد بلغ من العمر آنذاك 17 عاماً وأصبح معلما لمادة اللغة الانكليزية فكان خلافاً لزملائه المعلمين يرفض الجلوس في مضايف الشيوخ لأجل قتل وقت الفراغ بعد انتهاء الدوام الرسمي اذ غالباً ماكان يخرج بصحبة كتبه في اغلب الاوقات، الى عمق الريف مستطلعاً الحياة اليومية الواقعية ومحاوراً ذاته عن المحيط الاجتماعي ومظاهره ،عن الوضع البائس الذي يلفه بكل ابعاد كينونته الحية.
قاسم العسكري
كرس الباحث الفصل الرابع من كتابه لقاسم في عوالم الحياة العسكرية مبينا في المحور الأول من الفصل ملامح المؤسسة العسكرية العراقية وتأسيسها والمراحل التاريخية التي مرت بها ، وفي تناوله لقرار الشهيد قاسم بالالتحاق الى الكلية العسكرية يشير بالقول الى انه كان من عائلة شبه عسكرية، فقد كان عمه علي محمد البكر ضابطاً في الجيش العثماني وزوج بنت عمته جواد جعفر الربيعي كان ايضاً ضابطا في ذلك الجيش وولده محمد علي ومن ثم اخوه عبد الجبار، وانتسب ابن خالته فاضل عباس المهداوي الى
الكلية العسكرية، كذلك اخوه عبد اللطيف قاسم قد تطوع في القوة
الجوية.
وفي سياق كشف المؤلف عن دوافع قاسم لاختياره العسكري بعامل تأثره بابن بنت عمته محمدعلي جواد وحده لايكفي لشرح ذلك كما يشير المؤلف ، ربما يمكن تفسرها حسب قراءة المؤلف أيضاً بمجموعة من هذه العوامل المذكورة ويقف على رأسها اربعة عوامل رئيسية هي:
1- العامل النفسي وما تخلقه المؤسسة العسكرية من شعور بالتفوق باعتبارهم جماعة متميزة في طريقة تفكيرها ونمط حياتها وموقعها وملاءمتها للقيم الاجتماعية السائدة.
2- العامل الاقتصادي اذ ان سلم الرواتب والفوائد التي تدرها مهنة الضباط عالية مقارنة بالمهن الاخرى.
3- عامل الحراك الاجتماعي الذي توفره الخدمة في سلك الضباط
وكمدخل لعالم الصفوة الحاكمة، وكما يحدث دائماً لأرباب اية مهنة
كانت.
4- قدرة الضابط على التغيير، اي امكانية وقدرة المؤسسة العسكرية على تحقيق التغييرات والتأثير في مجريات الحياة، كما كان يعتقد قاسم وجيل الشباب في حينه، وهذا مادلل عليه تاريخ تطور الجيش.
بدلا من الخاتمة
تجاوزت في عرضي هذا الفصل الخامس من الكتاب والذي بحث قضية قاسم وحركة الضباط الاحرار لما فيه من إطالة، الا ان الباحث الناصري كتب وتحت هذا العنوان مختتما كتابه القيم وبشكل موجز:
" ومن عرضنا لمكونات شخصية قاسم ومدى تأثره بالقيم الاجتماعية ببعدها الانساني، وفكرتها المنطلقة من المساواتية النسبية بالتوافق مع واقع عراق تلك المرحلة وتركيبته الاجتماعية/ الأثنية/ الدينية.. كلها دوافع تدحض المنطلقات الفئوية الضيقة التي تلحف بها مناهضوه" مستشهداً بما كتبه المفكر د. سيار الجميل "
سيبتعدون حتماً عن اطلاق الاحكام السريعة عنه وسيكفون عن ترديد ماقاله صديق شنشل أو غيره بحق عبد الكريم قاسم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج