الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكتبة.... خزانة الألم والمعرفة

وديع شامخ

2008 / 7 / 14
الادب والفن


لم انسّ الأيام التي كنت أحمل فيها " دينارا عراقيا أزرق باشطا" في منتصف سبعينيات القرن العشرين ، وانا في طريقي الى مكتبة الجمهورية العامة ‘ في محافظة البصرة ،لأستعير كتابا ولمدة ثلاثة أيام ....
تلك عادة ألقى مرساتها ،أخي المثقف المبدع الشيوعي الشهيد صبري شامخ ،في بحر طيشي وحبي وولعي للقراءة.
كان بيتنا يتوافر على مكتبة تعجّ بروائع كتب السياسية والادب والدين والفلسفة والعلوم الاجتماعية والصرفة. تلك المكتبة التي إنتفخت وانتفخت ، الى أن تحولت بعد المد البعثي الهمجي، الى " كواني " كأنها جثث نُهّربها من بيت الى بيت خوفا من مداهمة السلطة لبيتنا بعد إعتقال اخي "أبو فراس" في عام 1981 ، راحت المكتبة وأعدم صاحبها ومؤسسها وجثم الألم على الصدور ، ولكن جذوة المعرفة لم تمت .. فبقيتُ أٌرمّم ما أستطيع لجمعها ومعي أخوتي ، وَنمَت مكتبتنا ثانية .. حتى جاء زمن العجاف ، فنزل الكتاب الى السوق، بضاعة رخيصة ومخيفة في آن واحد ، وإذ كان الخجل من مهنة الوقوف على الرصيف ماثلا على وجهي في حينها ، فكنت أجمع ما أستطيع حمله يوميا وأعطيه الى صديق شاعر، كنسَ الزمن الرديء دفاعاته النفسية في الخجل قبلي، في سوق البصرة القديمة حيث " يبسط" في الكتب، وأنا أنتظره عند غروب الشمس وهو يأتي بحنفة من الدنانير تتناسب مع كمية ونوعية ما أكسره يوميا من أضلاع مكتبتنا البيتية!
كان الصديق يشفق عليّ عندما يراني أطير بالدنانير فرحا، بعد أن كنت في وفرة يحسدني عليها آخرون .
نعم.. الكتب مقابل الطماطة، والعرق ، والأصدقاء ، وأسباب البقاء على قيد الحياة الابداعية.. ومضت الأيام وتبخرت المكتبة بعد ان كانت " الكواني" تصل الى السيد " عبد البطاط" صاحب مكتبة ماجد ، ليشتريها بثمن بخس، وتورم الألم في صدري وأنا أرى بعضهم يشتري كتبي والتي تحمل إمضائي واسمي ، ويتندر من حاجتنا !!
كلّ محنة تمر بنّا لا بد ان يتحمل وزرها الكتاب ، وكأنه داؤنا العضال ، الذي لا فكاك منه ..
كتبي التي قال عنها يوما " عادل مردان : بعها فقد انطبعت في رأسك " ، نعم إنطبعت في رأسي وصارت مداد قلمي ونتاجي ، أشعر بعافية لتلك الأيام التي تعلمنا منها وبها كيف نقرأ الكتاب استعارة قبل الشراء، أتذكر بحب شارع المتنبي وانا أفترش بسطتي فيه عندما أضطرتني الظروف لمغادرة البصرة الى بغداد..
أتذكر بحب كل كاتب ومؤلف عظيم علمني الأرتشاف من بريق الكلمة وضوء فكرها ، أشكر كل من إشترى كتابا مني وخفف عني حاجاتي اللامتناهية .
كيف أنسى أصحابي وهم يعرضون كتبهم في بسطتي ، ومنهم لؤي حمزة عباس وأنا أحمل مكتبته من البصرة الى بغداد ولم أعطه فلسا واحدا مقدما .
كيف أنسى خالد عبد الزهرة وهو يشاطرني محنتي في خزن الكتب في غرفة رطبة مظلمة في حواري منطقة الفضل.
كنت بائعا فاشلا ، لم أحفل بجمع رأس المال .. أُعيّر وأهدي من " بسطتي" وكانت محطة صغيرة لأصدقائي الذين يتوافدون يوم" الجمعة العظيمة " الى شارع المتنبي من البصرة وبغداد وكافة المحافظات. أتذكر أصدقائي اليوم وكتبي .. أتذكر سر صناعة العقل من رحم الألم والمعرفة .. أنها المكتبات البيتية وأكسيرها العجيب..
رحلة من الألم .. ولكنها رحلة المعرفة والمغامرة أيضا.. المعرفة التي صقلت موهبتي وقوّمت إعوجاج قامتي في حقل الإبداع المليء بالالغام ، والمغامرة التي قذفت بيّ الى أقصى مدينة في غرب استراليا .. نعم لولا الكتاب وسره العجيب لكنت تاجرا متورما بعافية الآخرين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية