الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرارخارج السياق

فاطمه قاسم

2008 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


وهكذا ,فان جامعة الدول العربية , والاتحاد الأفريقي الذي أنهى قمته الأخيرة في شرم الشيخ قبل أيام قليلة , يجدان نفسيهما في معركة كبرى فرضت عليهما , وأمام تحد لم يكونا يعتقدان انه سيتطور على هذا النحو الدراماتيكي

الموضوع بوضوح :

أن المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية والذي كان مكلفا بمتابعة الأوضاع في دارفور , قرر إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة هي عضو رئيسي في جامعة الدول العربية , وعضو رئيسي في الاتحاد الأفريقي , وهي جمهورية السودان , ورئيسها الفريق عمر البشير , ومذكرة التوقيف مقصود بها المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية , التي لم توقع السودان على ميثاق روما الذي أنشاها قبل سنوات ولكن هذا الميثاق نفسه بنص بصراحة على انه ليس شرطا تطبيق أحكام هذه المحكمة فقط على الموقعين على ميثاقها , وبالتالي فان السودان ممثلا برأس نظامه السياسي , ورأس شرعيته الدستورية , وهو الرئيس عمر البشير , يواجه هذا التحدي الخطير , ومعه الجامعة العربية , والاتحاد الأفريقي , والكثير من الدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء التي لا يمكن لها أن تعجب أو أن تقبل سلوك المدعي العام في الأمم المتحدة , ولا سلوك محكمة الجنايات الدولية .

ولكن الغريب بالأمر:
أن هذا القرار الدراماتيكي بتوجيه مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير يأتي خارج السياق الذي يتطور منذ شهور في السودان وحول قضية دارفور , بل إن هذا القرار يصب في الاتجاه المعاكس تماما , وربما ينسف كل الجهود الإقليمية والدولية التي تسعى إلى حل يرضي جميع الفرقاء في دار فور .
فما هو السياق الذي كان قائما قبل هذا القرار المفاجئ ؟
أولا : أنجز السودان قانونا جديدا للانتخابات , يجعل إمكانية واسعة لحل كافة النزاعات على قاعدة الديمقراطية , ابتداء من المشكلة في دارفور أو المشاكل مع جنوب السودان , والتفاعلات التي تتواصل من جراء هذه المشاكل .
ثانيا : إن وزير الخارجية البريطاني كان قد وجه دعوة إلى كافة الفرقاء في مشكلة دارفور إلى مؤتمر تستضيفه وترعاه في لندن , للبحث في حلول لهذه المشكلة , وان الاستجابة لهذه الدعوة كانت واسعة وكبيرة جدا , قبل أن يأتي قرار التوقيف فشعل المنطقة وكأنه متعمد كمن يصب الزيت على النار بدون مبرر .
ثالثا : إن مسئولي الأمم المتحدة , ومسئولي عمليات الإغاثة , وحقوق الإنسان العاملين في السودان والذين يتابعون الأوضاع في دارفور اقروا فعلا بسوء الأوضاع هناك لكنهم حملوا المسئولية عن ذلك لجميع الأطراف بما فيها الحركات الثورية في دارفور سواء التي وقعت في ابوجا أو التي لم توقع على الاتفاق .
رابعا : سبق للجان تحقيق وتقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة أن وجهت اتهامات لجهات رسمية في السودان مثل الوزير محمد هارون وأشخاص قياديين بارزين في مليشيا الجنجويد التي يقال أنها مدعومة من الحكومة السودانية , وكان ذلك أعلى درجة اتهام توجه إلى الحكومة السودانية وكان ذلك الاتهام محل انتقاد واسع من الكثير من الجهات الإقليمية والدولية , على اعتبار أن الحل سيكون دائما مع الحكومة , وإذا حدث استفزاز واسع للحكومة السودانية فمع من سيكون الحل ؟ وإذا بالقرار الأخير يقفز إلى هذه الخطوة الخطيرة جدا, ويستهدف الرئيس السوداني نفسه, بما يمثله من رمزية وشرعية ودستورية في السودان, وهذا ولا شك اتجاه تصعيدي خطير قد يدفع المنطقة كلها لان تلتهب.
خامسا : وغير بعيد عن السودان , وفي القارة الأفريقية نفسها , فان القرار الأمريكي البريطاني الذي قدم إلى مجلس الأمن بخصوص الطعن في شرعية انتخاب الرئيس روبرت موغاني , بدعوى انه خاض الانتخابات دون منافس , وانه ارهب زعيم المعارضة شانغراي ودفعه إلى الانسحاب ,وانه مارس ضد القرار الأمريكي البريطاني لمجلس الأمن , الذي اعتمد على هذه القاعدة من الاتهامات , قد سقط سقوطا مدويا ,أولا بسبب الفيتو الروسي الصيني الذي فاجأ أصحاب القرار وهما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة .
وثانيا لان قرار توجيه مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير أمام محكمة الجنايات الدولية , سيفتح معركة حامية الوطيس , وسيطرح أسئلة صعبة , وسيدفع الجميع إلى أن يتجسسوا رؤوسهم , ويجعل الجميع يعيدون حساباتهم والتي تقول بان الضعفاء يجنون ثمن ضعفهم من خلال هكذا قرارات مليئة بازدواجية المعايير , والتناقض , وطغيان وعربدة المصالح والقوة .
لذا فانه يتوجب على الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي أن ينجحان في مواجهة هذا التحدي , فكيف سيكون العرب ذوي شان إذا كان احد رؤسائهم , وهو الرئيس ياسر عرفات قد حوصر حتى الموت , والأخر وهو الرئيس صدام حسين حاكمه وأعدمه ضعفاء الأمة الذين سيدركون كم خانوا أنفسهم لحظة اتخاذ القرار وبهذه الطريقة , التابعة بالمطلق للإرادة الأمريكية , وها هو الرئيس عمر البشير وها هو الرئيس عمر البشير يضاف إلى القائمة , فأي معنى يظل للنظام الإقليمي العربي ؟ وأي معنى يظل للاتحاد الأفريقي الذي ينوي في القمة القادمة, ربما لتشكيل حكومته الموحدة لتشكيل بموجبه الولايات المتحدة الأفريقية ؟

أيها الضعفاء اتحدوا
أيها الضعفاء ثوروا على ضعفكم, وعلى أنفسكم, فها انتم ترون أن التسليم بالضعف معناه التسليم بالموت حتما وبلا مقابل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ