الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للفقر مصداقية باكية .......... ج / 7

حسن جميل الحريس

2008 / 7 / 15
حقوق الانسان


نيام .... ح / 3 - وفاء : لا تجزع يا هيثم ... روحي فداك ... سأوافيك بالمال غداً لتعطيه لذاك الأفّاق ... هيا بنا لنعد للبيت سوياً ... فلا يليق بمقامك مكانك هذا .
وبعدما أخذ منها زوجها مالها دفعه عربوناً لقطعة أرض اشتراها خفية عنها ، وبات كل فترة يخدعها بمكر جديد حتى استوفى منها شراء أرضه كلها وصارت ملكه ، ثم سعى بعدها لسرقة إرثها فباعت من أجله حليّها كلها ولم يبقى من تركة أبيها سوى منزلها ، فقد استحال عليه بيعه لأنه لا زال بظل قضية حصر الإرث المتداولة بدار القضاء ... وتقول لي يا فرحان أن الفقراء أبرياء !!!
أجابه فرحان ساخراً من هيثم :
- فرحان : ذاك زهرة بين ملايين الأشواك ... استطاع أن يلصق طابعه الخاص به على أوراق حياة وفاء ... وهو ليس من الفقراء بشيء ... إنما هو محتال ونصاب ليس إلا .
- أنور : لم تخبرني بقصتك !!! لماذ ارتكبت جريمتك ذاتها لمرات عدة ؟
- فرحان : بعدما مات والدي حاولت متابعة تعليمي ولكنني فشلت ... فكيف لي أن أرسم حرفاً طيباً ورطباً على أوراق ناعمة بينما الحياة تدقني بمسمارها القاسي كنعش على لوائح صحراء الفقراء ... كنت أخرج من منزلي راجياً لقمة العيش ولم أعثر عليها ... وكان الناس من حولي يقذفونني وكأنني كرة مهملات ... وقبل أن تغرب شمس يومي كنت أقف حائراً حزيناً على نفسي إلى أين أذهب ؟؟!! معدتي خاوة حتى من الخشاش !! وليس في بيتنا شيء يواسي ألمها سوى صنبور ماء تكلّس فصدأت جوانبه منذ عهد التتار ... كنت أتفقد جيبي كل لحظة كي لا تنساني فتقول عني أنني فاشل وخسران ... وكانت هواجسي تمزقني وتسألني هل ستنتهي حاتك على هذه الحال ؟؟؟ ظننت بذاك الرجل الذي دعاني أنه سيمنحني الحياة إذ قال لي :
- مابك يا بني تبكي ؟... ولماذا ركنت نفسك تحت زاوية الآثار ؟!!
فأجبته بمرارة شاكياً له أمري :
- لقد اغتالتني الحياة مذ كنت برحم أمي ... وعجبي أنني ما زلت محسوباً على بشر أحياء !!
- الرجل : لا تبكِ يا بني لا تبكِ ... فالحياة تفرز البشر كما تشاء ... ورحمة ربك واسعة فلا تقنط ... تعال معي لتعمل بائع خرداوات عندي .
ومرت أربعة أيام بالرضا والحسنى ... وقبل صلاة العشاء بدقائق عدة وعندما كنت أرتب حانوت الرجل الذي ينتظرني عند الباب ... هوى الرجل بمكانه على الأرض وأخذ رتجف كسمكة خرجت من الماء ... هرعت إليه فلاحظت على وجهه مدافئ احتفان داكنة فصحت عالياً :
- أرجوكم أيها الناس ... اتصلوا بالإسعاف أرجوكم .
سكبت الماء على وجهه فزاد لهيب احتقانه وكأنني صببت الماء على قاحلة ظمآن ، ثم وضعت فمي على فمه أزفره فشعرت به وكأنه يستنشق مني زهر الحياة ... كان يحاول بلسانه المقيد أن يمسك بلساني ولو بحلقة واحدة من سلاسل الحياة ... فقال لي أحد المارة :
- دعه يا بني ... دعه يذهب لربه ... لقد استسلم لأمره ... وهو الآن يستعد ليدخل خزائن الأرواح مطمئنّاً .
هوى كياني كله وتقوضت أركاني فأسندت رأسه على فخذي أتأمله ، إذ كانت خلجاته في بادئ الأمر أقوى وأسرع تواتراً ثم ما لبثت أن سكنت تدريجياً حتى أصبحت جامدة في جثة هامدة ، لقد انتهى خلال لحظات فقط !!! لحظات فقط !!! خسرت فيها حياتي وخسر هو روحه الطيبة الطاهرة ، يا لقدري الملوث على حواف اليابسة ، يابسة الفقراء المظلمة ، أعادني لظلمتي وكأنني لم أهجرها !!! كنت أكتفي برغيف خبز أستجديه من الواقفين عند الأفران ، وكان النوم بالنسبة لي رفيقي الذي هجرني وسكن بالغرب وأنا بالشرق وليس باستطاعتي أن ألقاه يومياً ، حتى صديقي حذاء طفولتي هجرني هو الآخر ، إذ بعته لأداوي به أمعائي الثائرة على جسدي دائماً ، بعدما قيضت ثمنه تخيّلت أنه قال لي (( لا تحزن يا فرحان ... أكل الطفران حشو مصران )) .
فقطع الضابط أنور حديث فرحان وأخذ يواسيه قائلا ً :
- وأنا أقول لك لا تبكِ يا فرحان ... هل تريد أن تأكل ثانية ؟
فأجابه فرحان مبتهجاً :
- آكل ثانية !!! طعام !!! هل تسمح لي يا سيدي أن أسأل معدتي عن رغباتها الطموحة العامرة ؟؟؟
ضحك أنور وأمره قائلاً :
- إسألها ماتشاء ... فهي صاحبة القرار بهذه المنزلة !
تابع فرحان تنفيذ أمر مولاه وسأل معدته قائلاً :
- يا معدتي ... يا بيت الداء والدواء ... فتحوا عليك نوافذ الفرج وخصصوا لك كرسياً على موائد الحكومات ... فاطلبي ما تشائين من نهمهم شريطة أن تنحني لهم بطاعة واحترام !!! إنما احذرك أن تتجرئي على لوائح لحومهم الطازجة دائماً ... إذ يكفيك من الشاة جلدها وشعرها ... ولا بأس عليك أن تتنعمي عندما تلعقين حوافرها ... وإن أردتِ مشورتي فإنني أنصحك أن تعرفي مكانتك بالحياة ... فمكانتك تمنحك الكرش والأمعاء فقط لأن فيهما بقايا خيرات البلاد كلها ... إنما ليس باستطاعتك تناولها قبل تنظيفها ولا أظنك قادرة على ذلك !!! سيما وأن قساوتها تحتاج منك أن تصبري عليها لتنضج بعد سنوات عدة ... فرأس الشاة بابلية واهمة وأغلب أحفادها اليوم دواب احتلال حاكمة .
علت ضحكات الضابط أنور أجواء مكتبه وعاد لفرحان يسأله :
- شاة !!! وحكومات !!! ما بالك ؟؟ ثم ما شأن سؤالك على إطعامك ؟!!!
- فرحان : الشاة تتنعم بحظائر الفقراء يا سيدي ... ومنذ أيام فقط أخبرني صديقي المشرّد مثلي عن حظه العاثر بأنه حضر وليمة فاخرة جداً على شرف فقراء الأمة ليلعقوا حوافر شاة ... ولكنهم انصرفوا عنها باكراً ... إذ تبين لهم أن حوافر الشاة تنعمت بنفط خلفاء عصرنا ... فهل لي بلفافة بيض ثانية لو تكرمت وجدت عليّ ؟
وبعدما أمر الضابط حاجبه استطرد فرحان اعترافه قائلاً :
- لقد عدت للظلمة بعدما بحثت عن عمل دون جدوى ... وكنت أعود لبيتي لأتفقد إخوتي فقط ولم ألبث فيه ليلة واحدة ... كان بيتنا كئيباً جداً وكأنه أطلال نفايات متراكمة ... أذكر عندما كنت في سن الخامسة أن جدرانه كانت بيضاء ثم مالبثت وتحولت لصفراء ثم سمراء وبعدها رماديو حتى أضحت سوداء داكنة ... والمفارقة العجيبة أن لقب والدي رحمه الله كان أبو سعيد !!! ولذلك كانوا يلقبّون بيتنا ببيت السعادة !!! أية سعادة وصفوا بها بيتنا ؟؟؟ سعادة الأرملة السوداء القاتلة !!! كنت أعرج على مسجد لأصلي فيه وأرتاح قليلاً من عناء إرتحالي الدائم ... حتى نهرني غير مرة مؤذن المسجد يؤنبني قائلاً :
- هذا بيت الله ... وهو للعبادة والصلاة فقط وليس فندقاً لزوّاره ولا يسمح فيه بالنوم لأحد .
فأجبته بلطف ولين متوسلاً :
- الحق معك ... إنما أليس من العبادات أن يأوي عابر سبيل مثلي ... لقد قصدت بيت الله الأكرم ولست مشركاً به أحد ... وحتى إن كنت مشركاً فإن الله سبحانه سيكرم ضيفه ؟
علا صوته أكثر وآمن بموقفه فقلت له :
- ألم تسمع قوله تعالى بسورة التوبة حينما أمر نبيه محمداً ( ص ) قائلاً (( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ** وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأَجِره حتى يسمع كلام الله ثم أبلِغهُ مأمَنَهُ ** ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون ** )) ... فهلا أجرتني في بيت الله ؟؟؟ فماذا فعل بي الحانق ؟!! استشاط غضبه عليّ وطلب الشرطة ... وبعدما اعتقلوني قلت لهم :
- هل المسجد ملكه ؟؟؟ أم أنه هو الوحيد الذي يحق له الإقامة فيه هو وعائلته وأقاربه ورفاقه ليتمتعوا فيه كما يحلو لهم ؟؟؟ ففي كل مسجد عشرين غرفة !!! وكلها تحت تصرف إمامه ومؤّذنه وليس منها غرفة واحدة للفقراء أو عابري السبيل !!! فهل هذا هو عماد الدين الذي ينادون به علينا ؟؟؟ حتى بيت الله صار بحاجة للواسطة والمحسوبية والرشوة !!! إن لم أنم في بيت الله ساعة واحدة فأين سأنام إذاً ؟؟؟ أطلقتني الشرطة فآويت نفسي بمحطات سفر علني أجد مأوى أنام فيه لساعات عدة ... ولكن مصيري ذاته تكرر ثانية على أيد الشرطة فلجأت إلى الحدائق أستجدها المأوى فمنحتني رجائي لفترة قصيرة ليس إلا حتى نهرني حارس الحديقة ووبخني مؤنباً أن ذلك لا يليق بسياحة أهل العز والصفوة ... وحتى مكبّات النفايات عليها حراس الوساطات والرشوة ... فأين أنام ؟!! أين أنام ؟!! تمنيت لو أن ذرة الهواء وسّعت رحابها لتحملني على أرضها وتطير بي لأنام وأشفى ... ولكن هيهات هيهات أن يتحقق أملي ؟؟؟ حتى ذرات الهواء علقت على أبوابها لافتات جدارية مكتوب عليها (( يمنع منعاً باتاً دخول الفقراء والدواب )) !!! فماذ أفعل ؟ ماذا أفعل ؟ ذهبت إلى المقابر عسى أن أجد فيها مأوى فخرج عليّ القائم على رعايتها وقال لي :
- للأموات حرمات وكرامات ومقامات محفوظة ... وليس لك عندنا مأوى .
- لقد نطق الحانوتي بالحقيقة كاملة ... للأموات حرمات محفوظة !!! للأموات كرامات ومقامات مكرّمة ولا يستطيع أحد تجاوزها ... فأين كرامات الأحياء وأين حرماتهم المقهورة وأين مقاماتهم المفقودة المستخدمة !!! كرامات الأحياء ممزقة وبالية وفي معظم الأوقات يداس عليها بأحبار أقلام محترمة ... وحينها فقط ؟؟؟ قررت أن أرتكب جريمتي الأولى فذهبت إلى حديقة بحي الأغنياء ووقفت على أعلى تلة فيها ... وأنزلت بنطالي وأمسكت بذكورتي ألوّح فيها بصوت عالٍ قائلاً :
- إنني أشتهيكم أيها السادة وأحسدكم ... وكما ترون ذكورتي فأنا لست أنثى ... وقد أتيتكم ببضاعة النسل وفاء لمجتمعاتكم الغنية العليا ... لم تتركوا للفقراء شيئاً ... فالفقراء لا يملكون سوى بضاعتهم السفلى ... وأنتم تملكون كل شيء حتى أوراق التوت التي نستر بها عوراتنا ... أنبئكم بأن أوراق توتنا صارت صلدة كالرمال والحصى ... وهي تدق بأعناقنا قبل أن تأكل أحشائنا فنهترأ بها ... مثلما اهترأ تاريخنا على أيديكم العفنة ... فهلا شاركتموني لياليكم العامرة بمسرّاتكم المثلى ؟؟؟
- فوثب حارس الحديقة عليّ مستعيناً بأمثاله وقبل أن يصلني خلعت بنطالي كله وأخذت أركض بين جنبات الحديقة ابتسم بوجه تلك وذاك ... والغريب أن النساء بقين متسمّرات لا يبالين بي وكـأنهن يشاهدن جنازة عمري تمر بهن كأغنية راقصة لفنانة عارية حبلى ... وأخيراً وقعت بين أيديهم فألقوا بي في السجن شهور عدة ... تنعمّت فيها وأكلت حتى الشبع ... ولكن قمة سعادتي كانت عندما حصلت منها على مأوى أنام فيه وأرتاح ... هذه جريمة نومي يا سيدي .
دمعت عينا الضابط أنور على ما سمعه ثم هز رأسه تعجباً قائلاً :
- الآن فهمت جريمتك !!! جريمتك تؤمّن لك الطعام والمأوى !!!
- فرحان : بلى سيدي ... آمل منك أن تتخيل ولو لبرهة واحدة أن طعامي ومأواي من فعل ذكورتي السفلى !!! أليس ذلك غريباً ؟؟؟ لماذا لم يتأمّن لي ذلك من عملي أو من كرامتي أو من وجودي كإنسان يريد أن يحيا !!! ثم ماذا لو أخذوا مني بضاعتي هي الأخرى ؟؟؟ لن يبقى لي سوى الماء أو الموت !!! والماء كما تعلم هو رمز الحياة ... والموت نقيض الحياة !!! من الأجدر بي أن أقول حينها أنهم منحوني فرصة الإختيار بين الموت أو الحياة المدفونة سلفاً !!! على أية حال أنا ؟!! ألا أمرت لي بلفافة البيض وكأس ماء معها .
- أنور : أراك اخترت الحياة ... لا بأس عليك ... أين ذهب الحاجب ؟؟؟
لم يلبث الحاجب أن دخل على مولاه وأعطى فرحان سؤله ، فنظر الضابط أنور لحاجبه يأمره قائلا ً :
- أنور : ...........................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال


.. الاحتجاجات تتصاعد.. الاعتقالات في أميركا تتجاوز ألفي طالب




.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على