الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبا مازن متى تغضب؟!

عماد صلاح الدين

2008 / 7 / 15
القضية الفلسطينية


ُقتل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، حين رفض الشروط الأمريكية والإسرائيلية التي لا تحقق الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين ، تحديدا في جانب الدولة المستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 67 . اصطدم الراحل عرفات بالحقيقة المرة في كامب ديفيد الثانية، عندما تبين له أن المشروع الصهيوني هو نفسه لم يتغير ، وان مجمل مفاوضات السلام كانت تكتيكا أمريكيا وإسرائيليا قذرا ، للمضي قدما في السيطرة الاستيطانية والاحلالية التهويدية على ما تبقى من فلسطين التاريخية .

ظنّ الناس والمراقبون أن جماعة التفاوض الرسمية الفلسطينية ستعتبر من هذه التجربة المريرة ، التي جلبت على الفلسطينيين مزيد قتل ودمار وألم وحصار وتجويع وغيرها الكثير . لكن جماعة أوسلو فاجأت الجميع بإصرارها على منهج الفشل والتخريب التفاوضي ، وطورت النظرة إليه باعتباره خيارا استراتيجيا وتاريخيا وحيدا لا بديل عنه ولا رجعة ، بل وخادعت من اجله فصائل وقوى فلسطينية في المقدم منها حركة المقاومة الإسلامية حماس؛ فتارة طلبت منها التهدئة وعدم إزعاج الاحتلال بالمقاومة المشروعة ، رغم مضي واستمرار الاحتلال في جرائمه ، وتارة أوهمت تلك القوى بضرورة إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ، وتارة ثالثة جرّت تلك الفصائل والقوى إلى انتخابات تشريعية ، ظنت تلك الفصائل والقوى ومن بينها حماس بأنها ستكون إعادة صياغة لبنية برنامجية سياسية فلسطينية حقيقية ، تخدم فكرة التوحد والاتفاق على الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين في الدولة كاملة السيادة والاستقلال ، وضمان حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين .

لكن كل ذلك كان خدمة لمشروع تسوية بالمقاس الأمريكي والإسرائيلي ، مشروع تسويه يعمل على تكريس الاحتلال في الأراضي المحتلة ويمهد إلى ترانسفير صهيوني آخر للفلسطينيين، إلى حيث فكرة الوطن البديل في الأردن، وما تيسر انتشارا وتشتيتا في ديار العرب القريبة والأوروبيين البعيدة .

هذا يتضح جليا من خلال الموقف من فوز حركة حماس في انتخابات كانون الثاني يناير 2006 ، حين أعلنوا المقاطعة للشراكة والوحدة ، ورفضوا كل مشاريع للوحدة " وثيقة الوفاق الوطني " و " اتفاق مكة " وغيرها لاحقا ، بعدما وصلت الأمور إلى الحسم العسكري في 14 حزيران 2007 ، تجنبا لحرب أهلية حقيقية ودموية كانت ستستمر حتى لحظة كتابة هذه السطور، من الأجل القضاء على القوى المقاومة لإسرائيل ومشروعها الصهيوني التوسعي .

ُيثير سلوك المفاوض الرسمي الفلسطيني وعلى رأسه الرئيس محمود عباس حفيظة المراقب العادي وصاحب الاختصاص ، فبينما يعلن الرجل عن فشل المفاوضات في إحراز أي تقدم في أكثر من مرة ومناسبة ، إلا انه يعود ليؤكد أننا سنستمر في التفاوض ، وانه لابد من انتهاز كل فرصة ، وكأن هذه فرصة لم تجرب بالمرة .

الاستيطان وتوسعاته لم يبق للفلسطينيين أمل لا في دولة ولا حتى حدا ادني من حياة تليق ببني البشر ، الجدار العازل صادر أراضيهم وجعلهم يعيشون في تجمعات ومعازل ، القدس المحتلة بكاملها باتت معزولة عن محيطها في الضفة الغربية المحتلة حتى ذلك الجزء الشرقي منها الذي يقولون عنه بأنه عاصمة للدولة المستقلة الموعودة .

أهل غزة يعيشون في حصار ظالم وخانق ، المعابر مغلقة بما فيها معبر رفح ، الدواء والكهرباء والحاجيات الإنسانية الضرورية شبه مفقودة. وكل ذلك استحقاقا لضريبة التفاوض ، وادعاء الشرعية المسلوبة من قبل حماس صاحبة الأكثرية النيابية في المجلس التشريعي الفلسطيني . ومع ذلك لا يغضب الرئيس لما لحق ويلحق الشعب والأرض من قتل واغتيال واعتقال ودمار واستيطان وحصار وتجويع .

الرئيس يبشرنا بالحل النهائي في نهاية عام 2008 ، وبوش يؤكد على يهودية الدولة ، وإسرائيل تضاعف من وتيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس المحتلة . والمسجد الأقصى وحرمه القدسي الشريف تتحدث الأخبار والتقارير والشهود على أن عملية تهويده باتت كاملة فوق الساحات وتحتها . والرئيس لا زال يؤكد على ضرورة استمرار المفاوضات ، مع إشعارنا بان الاستيطان لا شك عائق أمام السلام ، وليس جريمة حرب دولية .

منذ انابوليس وحتى اليوم نتحدث عن آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في القدس المحتلة وتحديدا في الجزء الشرقي منها ، ففي حزيران الماضي من هذا العام ، أعلنت وزارة الإسكان الإسرائيلية عن مخطط لبناء 40 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية ، وبالأمس الأربعاء 9-7- 2008 أعلنت بلدية القدس المحتلة الإسرائيلية عن موافقة لجنة التخطيط المدني الإسرائيلية على بناء 920 وحدة سكنية في جبل أبو غنيم " هارحوما" من القدس الشرقية . وفي المجمل صادقت بلدية القدس المحتلة في التاريخ المذكور سابقا على بناء 1883 وحدة سكنية استيطانية جديدة. ومع ذلك لا نرى الرئيس الفلسطيني يغضب ولو من باب تعليق المفاوضات مع إسرائيل .

إسرائيل تقوم بتدمير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية الخدمية للفلسطينيين في الضفة الغربية خصوصا في مدينة نابلس مؤخرا ، حيث تم دهم وتدمير وإغلاق العديد من المؤسسات المالية والمصرفية والصحية والخدمية والاقتصادية ، وهي تشكل ركيزة أساسية في بقاء وصمود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة . ومع ذلك فان الرئيس محمود عباس يحدثنا عن المفاوضات ومسار السلام الذي يريده إلى الأمام ، وتريده إسرائيل تراجعا لحياة الفلسطينيين في كل شيء.

الغريب أن استهداف هذه البنية الاجتماعية والخدمية المساندة لحياة الفلسطينيين ، قد تكون من فلسطينيين أنفسهم ، لأسباب وخلافات سياسية ، وهنا الكارثة .

ولكن الكارثة الكبرى ، أن الرئيس عباس بصفته رئيسا للفلسطينيين ومؤتمنا على حقوقهم ومصيرهم ، نجده لا يغضب كثيرا من العدو الذي يدمر حياة الفلسطينيين بالكامل ، بل وُيصر على استمرار مفاوضتهم دون مرجعيات قانونية دولية ودون ضمانات ، بينما هو يتشدد في سياق الذهاب إلى مصالحة فلسطينية فلسطينية ، فهو يطلق دعوة للحوار ، لكنه يطمئن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بأنه لا زال على العهد بالنسبة لشروط الرباعية . وفي الضفة الغربية المحتلة لا زالت قوات الأمن الفلسطينية تلاحق الناس وتعذبهم وتعرضهم للاهانة بحجة الانتماء لحماس .

بشّرونا بزيارة الرئيس للعاصمة السورية دمشق ، وعن لقاءاته مع الفصائل ، إلا انه يرفض الالتقاء مع الشخص الذي تمثل حركته نصف الشعب الفلسطيني السيد خالد مشعل . ومن هناك في القاهرة بعد الجولة الدمشقية ، يتحدث الرئيس بلهجة اقرب إلى المذهبية بادعاء أن رئيس المكتب السياسي لحماس يمارس دور ووظيفة الولي الفقيه .
فمتى يا سيادة الرئيس أبا مازن تغضب في وجه الاحتلال الغضبة التي يستحقها على جرائمه الفظيعة بحق أبناء شعبك ، ومتى بالمقابل تكون أكثر لينا وتسامحا وتعاونا مع شركائك في الدم والمصير المشترك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ