الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق وتركيا: تعاون إقليمي يغير وجه المنطقة

حسين سنجاري

2008 / 7 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


كانت أخر زيارة لرئيس وزراء تركي لبلادنا في 1990. وبعد 18 عاماً، يأتي رئيس وزراء من نمط آخر، إسلامي لكنه علماني عصري منفتح يعتبر النصوص الدينية عبادية ـ ثقافية ـ روحية لاترتبط بالستراتيج والإقتصاد وإدارة الدولة. كما ولايتدخل حزبه بطرق عيش الناس وأساليبهم في الحياة وخياراتهم الدينية ويؤمن بإحترام الإختلاف والحريات الفردية للنساء والرجال.
حسناً فعلت حكومة بلادنا بتنظيم الإستقبال اللائق لرئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، هذا الإستقبال الذي لم تشهده بغداد من قبل.
جاء الإتفاق على إنشاء "المجلس الأعلى للتعاون الستراتيجي العراقي ـ التركي" ثمرة مباشرة لهذه الزيارة التأريخية بحق، الذي سيعقد ثلاث مرات في السنة، ويرأسه رئيس وزراء البلدين ويشمل التعاون في حقول مفصلية مثل الطاقة، الصناعات العسكرية، الأمن والسياسة.
يجب أن ندرك بأن هذه الزيارة التأريخية جاءت بجهود مشتركة لرئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي بعد النجاح الجيد الذي حققته عمليات صولة الفرسان وتحسن الوضع الأمني في مناطق كانت تعبث فيها عصابات الإرهاب إستهتاراً وفساداً وجريمة.
كان من غير المتوقع حدوث هذه الزيارة بدون هذا النجاح الأمني. يشهد كاتب هذه السطور، هذا التحسن الكبير من خلال تجولات عديدة في بغداد، نهاراً وليلاً، كانت واحدة منها مساء يوم الجمعة الماضي ولأكثر من ساعتين في أبو نؤاس، الشارع البغدادي الشهير على ضفة دجلة والذي تقوم شركة Sandi Group بحراسته. هكذا جولات نهارية او ليلية، كانت مستحيلة قبل سنة بل حتى قبل مجرد بضعة أشهر.
تركيا، الدولة شبه الاوربية، بحكومتها المنتخبة ديمقراطياً، وبرلمانها الحيوي، وصحافتها الحرة والجريئة، ومنظمات المجتمع المدني المستقلة والمؤثرة والنشطة، وتقدمها المشهود في مجالات الزراعة، الصناعة، العلوم والسياحة والخدمات، كل ذلك سيساهم في خلق تعاون إقليمي لانظير له بين تركيا وبلدنا الذي يملك أول إحتياطي نفطي في العالم لكنه، وبسبب نظام شمولي كان يحكمه لعقود طويلة ويصرف أموال السكان على الحروب وأكاذيب (تحرير القدس) والإعلام المدائحي والسفاهات، أصبح بلداً منهاراً بحاجة الى إستثمارات هائلة لإعادة بنائه في كافة المجالات.

الوجود الكُردي:
يمكن أن يشكل الوجود الكُردي على حدود البلدين الجارين، عاملاً ايجابياً بناءً كجسر بين بلادنا وتركيا. لكن إستمرار المظالم وإهدار الحقوق يجب أن يصبح شيئاً من الماضي ويحل محله الإحترام والاعتراف بالحقوق والإهتمام بحاجات السكان، الامور التي يجب أن تعتبر ملزمة لأية حكومة تريد الإندماج مع الثقافة السياسية لهذا العالم المعولم.
كما يجب أن يرمي المقاتلون الأكراد في تركيا، أسلحتهم ويبادروا بسلوك أساليب لاعنفية، حضارية ومدنية في المطالبة بحقوقهم والتعبير عن مظالمهم وطموحاتهم وحاجاتهم المشروعة.
في نفس الوقت فأن الوجود التركماني في بلادنا والوجود العربي في تركيا يشكلان ايضاً عاملاً إيجابياً آخر في إزدهار العلاقات التجارية وخلق الإستثمارات والتبادل السياحي الترفيهي والديني والعلاقات الإجتماعية بين السكان في بلادنا وتركيا.
هناك تطلعات مشتركة عديدة تجمع بين بلادنا وإيران أيضاً. لكن يبدو أن تحقيق هذه الطموحات هي بعيدة المنال مادامت جارتنا الشرقية ماتزال تتحكم الشعارات والأيديولوجيا بنظرتها إلى العالم، بدلاً من المصالح والأرقام ولغة القانون الدولي والحرص على السلام والإستقرار للمنطقة والعالم.

سكة حديد البصرة ـ اسطنبول:
ولغرض ترجمة الإتفاق الستراتيجي عملياً بين بلدنا وتركيا، إقترح على حكومتنا وحكومة جارتنا الشمالية، بناء خط سكة حديد البصرة ـ اسطنبول. ووضع هذا المشروع الستراتيجي على رأس أولويات التعاون والتكامل بين بلدينا. ليتم بناؤه حسب آخر التطورات التكنولوجية والعلمية والبيئية.
وبموازاته ان يتم بناء خط سريع (أوتوستراد ـ أوتوبان) للشاحنات والسيارات ليكون مكملاً لسكة الحديد. (ولكن من دون تدخل الحكومتين في تنفيذه الامر الذي يجب أن تقوم به كبريات الشركات!
هذان المشروعان، سوف يصبحان مفخرة للتعاون الأقليمي الحقيقي وقاعدة لبناء تحتي إستراتيجي. وسوف يجلب شركات استثمارية كبرى لإنجازه. في طريق إنجاز هذين المشروعين العملاقين، سوف يتم إستيعاب هائل للأيادي العاملة وما ينجم عنه من إزدهار حياة السكان في بلدينا، وخلق فرص عمل للمستثمرين الصغار أيضاً في المبادرة على إنشاء مشاريع من مطاعم ومحلات تجارية وخدمية بل ومصانع محلية على طول جانبي سكة الحديد والاوتوبان نظراً لما يحتاجه المشروعان من منتوجات لا حصر لها.
كل هذا سوف يؤدي إلى ازدهار سريع للقرى وللمدن في المنطقة لا حدود له من البصرة الى اسطنبول. عن طريق سكة الحديد والأتوبان البصرة ـ اسطنبول، سوف ترتبط بلادنا بأوربا عبر إسطنبول، كما وسوف ترتبط تركيا بالخليج عبر البصرة.
لا يحتاج المرء إلا التأمل للحظة، ليتوقع المنافع اللامحدودة التي يمكن لهذين المشروعين الرائدين جلبها للبلدين والشعبين بل، وأبعد من ذلك للدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي والدول الاعضاء في الإتحاد الاوربي.
ما يحتاجه عالم اليوم المعولم هو الدبلوماسية التسامحية Tolerancy Diplomacy والتي تعني الإستعداد على التفاوض والمساومة والتوصل إلى اتفاقيات مشتركة بين الاطراف جميعها، عن طريق الإعتراف بمصالح بعضها بعضاً، بعيداً عن الايديولوجيا القومية والدينية المدمرة لطموحات الشعوب في الأمن والإستقرار والإزدهار وليس الحروب والتوسع والإكراه ونفي الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا