الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فؤاد شهاب يعظكم

عاصم بدرالدين

2008 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أدمنا اليأس. صار دماً رديفاً يجري في أجسادنا. نحن اللبنانيون احترفنا فن التشاؤم، ما عاد هنالك أي شيء يدفع فسحة من الأمل في وجوهنا. مع ذلك لا ننفك عن المطالبة والتأمل، بحل سحري يأتي من تحت فجوات المآزق اللواتي وضعنا داخلها نفوسنا. كان فراغاً رئيساً، وسد برئيس ركب موجة التوازنات بدقة، ودخل في اختبارات لا تحصى ولا تعد، كللت في النهاية بنجاح باهر، حضره العالم كله من شرقه إلى غربه، كذا لم تنعدم النتائج من وجود الكثير من الضحايا القتلى. انتقل الفراغ لاحقاً إلى السلطة التنفيذية، وبعد مخاض عسير ولدت حكومة مشوهة واضحة شقوق الفشل في عينيها. وهذا أمر جلي، وكما توقعنا فشل الرئيس وعدم قدرته على إدارة الصراعات وحلها، نيقن تماماً عجز هذه الحكومة عن إنجاز، كحد أدنى من الطموح، تسويات تجعل الاحتراب المسلح بعيداً.

مع ذلك سنطلب منها، ونحن نعرف أنها حكومة انتخابات فقط، وبعدها سترحل. لكن حتى ذلك الوقت هناك سنة كاملة. على هذه الحكومة الخارجة من دائرة الصراع الدموي بين أطرافها، أن تسعى جاهدة إلى إنجاز شيء ما. هي أصغر من أن تحل مشكلة سلاح حزب الله، والإدعاء السخيف والمقرف لمريديه، لأن هذا الملف كبير بما يكفي ليتدخل العالم كله، أشقاء أم أعداء كانوا، لحله. كذلك لن نطلب من هذه الحكومة التعيسة أن تعمل على إلغاء الطائفية السياسية وموبقاتها، شعارنا الباهت، لأنها أصلاً مكونة من أكثر الملل تعصباً، وأعضاؤها يكنون لبعضهم البعض حقداً لا يوازيه آخر. ولن ندرج الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد الإداري في مطالبنا، فالمخرب يستحيل أن يصير مصلحاً، وهذه سنة الحياة.

ماذا سنطلب إذاً؟
نحن عاجزون عن الطلب، بل سنتمنى. ولن أبتدع أفكاراً، بل سأكررها. يقال أن رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب كان يردد دوماً هذه المقولة:"إن بناء الجيش يكلف الكثير، لكن عدم بنائه سيكلف أكثر". أحسب أن هذه الجملة واضحة بما يكفي لأستنكف عن الشرح، واستهلاك الكلام والجمل التفسيرية. إن ما نراه اليوم من الجيش اللبناني هو أشبه بفضيحة، العار بذات نفسه متجسماً أمامنا. الخزي لا يتأتى من الإجرام الذي تظهره المواجهات الأخيرة بين الميليشيات اللبنانية، وهو عار أقل وطأة، إنما من حالتي الصمت والركود اللتين يعيش فيهما الجيش اللبناني وكافة القوى الأمنية المولجة حماية الاستقرار وتأمين الطمأنينة لأفراد هذا الشعب. حقاً إنه لعار أن ترى مسلحاً عبثياً فوضوياً مخرباً يمر بسلام وراحة بال أمام آلية جند تابعة للجيش يتمركز عليها جنديين من البواسل. الخزي هو أن يستحيل الجيش إلى فرقة جوالة تأتمر بأوامر الميليشيات فتقتحم ما يشاؤون!

إن الأمن، ووجود قوى أمنية فاعلة، من الركائز الأساسية لقيام أي دولة ناجعة. وطن بلا استقرار وأمن وطمأنينة، هو كناية عن منفى محلي. لقد استهلكنا المنافي بما فيه الكفاية. صارت بيوتنا مناف لنا، لأننا خرجنا عن الطاعة التي تفرضها علينا الطقوس والأعراف والحالات الانتمائية السائدة، وتدرجنا في سلسلة منمطة من المنافي من الأحياء والشوارع إلى أمكان الاجتماع والعمل أو الدراسة فالوطن ككل. كنا نقف في وجه الجميع لنقول أننا مع الشرعية، وأنها وحدها تحمينا من أي خطر يحيق بنا. فإذ بنا نكتشف، مصدومين، نفاقنا. كنا نكذب على ذواتنا كما على الناس. رأينا بأم العين أن الشرعية هذه، التي تغنينا بها حتى سَكِرنا، عاجزة مبدئياً عن حماية نفسها، وهي معرضة دائمة لتصير مئات الشرعيات المشتتة التائهة. لنغرق نحن، جميعاً معها، في بحيرة الدم الوطني.

الناظر في تاريخ الجيش اللبناني وتدخلاته في الصراع الداخلي، يرى دائماً أن هذا الجيش مشتت وعاجز وفاشل عن القيام بأي دور فعال، وما هو إلا فرعاً لأحد الأطراف، هذا ما كان عليه الجيش تحديداً عند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية بحيث كان جيشاً "مسيحياً". بعد الطائف تغير الجيش، نقر بهذا. تغير وصار وطنياً، هكذا قالوا، لأنه ضم في صفوفه جنوداً من كل الطوائف وكأن هذا يكفي! إذذاك فإن الجيش، من خلال هذه المعادلة وتتابعاً، ما عاد مجرد فرقة مسلحة تابعة لطرف واحد بعينه، بل أصبح فرقاً مسلحة تابعة لعدة أطراف، وهذه الأخيرة ما هي إلا المذاهب المتناحرة.

يقع الجيش في مشكلتين: الأولى هي النقص الكبير في العتاد والأسلحة. والثانية عدم قدرته على توحيد صفوفه، وجعل الانتماء إليه انتماءً خالصاً منقى من كل الانتماءات الأولية الأخرى ذات المنحى السلبي. لم يستطع الجيش، كمؤسسة اجتماعية، أن يولد في صفوف مريديه نظاماًً قيمياً جامعاً يوحدهم، وهذه مشكلة تتحملها السلطات اللبنانية سياسة كانت أم عسكرية، المنقسمة بذاتها حول مفهوم الهوية الوطنية اللبنانية. والحقيقة أن حل هاتين المشكلتين ليس سهلاً، وحتى الساعة لا نملك أي فكرة مساعدة ومفيدة، مع ذلك، إن كان هناك أي فعل جدي ورغبة أكيدة لتمكين سلطة الجيش وتقويته، فأعتقد أن اللبنانيين لا يفتقرون أبداً لمخيلات قادرة على استنباط الحلول. ولنتعظ من الفكرة الفائقة الامتياز والذكاء للجنرال الراحل فؤاد شهاب، القائد الأول للجيش اللبناني.

إن بقاء الجيش في الحال التي هو عليها، يخيف المدنيين الباقين خارج جوقة الطوائف فيعتمدون حلاً من اثنين، إما التسلح الشخصي، تأميناً لما يسمى بالأمن الذاتي. أو اللحاق بركب الطوائف. وهذا ما نخشاه. لكننا حقاً، نقف إزاء هذين الخيارين حيارى، رافضين تارة، مقبلين على الأخذ بأحدهما طوراً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية: حماس أبدت مرونة عالية من أجل التوصل لاتفاق ينهي العدوا


.. هنية: الحل سيتحقق من خلال مفاوضات تفضي إلى اتفاق متكامل | #ع




.. حجاج بيت الله الحرام يواصلون رمي جمرة العقبة الكبرى في أول أ


.. في أول أيام العيد.. هتافات في مدينة تعز تنديدا بمجازر الاحتل




.. حجاج بيت الله الحرام يبدأون رمي جمرة العقبة في أول أيام عيد