الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على وشك الأنفجار

مايكل نبيل سند

2008 / 7 / 17
الادب والفن


لم يأتيها نوما تلك الليلة .... ساعتان مضتا منذ أطفئت أنوار غرفتها و أوت إلى سريرها راغبة فى النوم ، و مع ذلك فالنوم أبى أن يتعطف عليها و يريحها من عذابها .... كان عقلها ثائرا كعهدة كل ليلة ، و لكن ثورة اليوم كانت أدمى من كل مرة
لم تكن تدرى ماذا تفعل ؟ ... كانت تتمنى لو تستطيع أن تفتح نافذة غرفتها و تصرخ مخاطبة كل الناس و تقول " كلكم حمقى ، كلكم سادة متسلطون ، كلكم أرهابيون ، كلكم أصنام يجب تحطيمها " .... هذا كان من الممكن أن يحدث لو كان لديها الجراءة و الشجاعة ، و لكنها كانت تعلم أن ثمن شجاعتها سيكون غاليا .... هى لم تطالب بشئ يمنعة عنها القانون ... بالعكس كل رغباتها أنسانية و مشروعة .... ألا أن أرهاب الرأى العام أقسى و أدمى من كل قانون
كانت قد فاض بها الكيل من الذهاب لسريرها بمفردها ... لم تكن الفتاة ذات العشرون ربيعا تتقبل حقيقة أن ثلث فترة خصوبتها الجنسية قد أنتهت دون أن تستخدمها ... كانت تتعجب من سادية المجتمع الذى يتلذذ بتعذيبها بحرمانها من تلبية رغباتها الطبيعية ... تفكر فى هذا و تصرخ داخل عقلها : نعم هم ساديون .... لو منع أب أبنة من دخول دورة المياة ... لو منعت أم أبنتها من أن تتدفأ تحت أغطيتها فى شتاء يناير ... ألا تكون هذة سادية ؟ ... ألا أحتاج أنا للجنس كما أحتاج للغذاء و الدفء ؟ ... ما الذى يستفيدونة من قهرهم أياى ؟ .... تابوهاتهم و نظرياتهم الحمقاء جعلونى فأر تجارب يطبقونها على ... مثالياتهم الأفلاطونية التى لا يطبقونها ، و أنما فرضوها على الضعاف من أمثالى
ظل السؤال يلح على ذهنها رغم أنها كانت تعلم أجابتة ... ما الضرر الذى سيقع عليهم أذا تركونى بحريتى ؟ ... من الذى سيتضرر أن أحببت شابا و مارست معة الحب ؟ ... ما الذى يضايقهم فى ذلك رغم أننا لا نؤذى أحدا ؟ ... ألم يملوا من صناعة و تفريخ المجاهدين و الخيام و الخصيان ؟ ... ألا يستطيعوا أن يتخلوا عن سلطتهم الفاشية و يتركونا نعيش كما نحب طالما أن حريتنا لا تتعدى أنوفنا
و كانت فى وسط ثورتها فى غاية الخوف .... و لكن هذة المرة لم يكن خوفا منهم ولا من أرهابهم و قمعهم و دمويتهم .... و لكنة كان خوفا على نفسها من الأنفجار .... كانت تشعر أنها تفقد أنوثتها تدريجيا .... تشعر أنها بدأت تفقد أنجذابها ناحية الذكور ... لم تكن تستغرب ذلك .... فالحواجز الأجتماعية الحديدية جعلتها لا ترى ولا تتعامل ألا مع الفتيات .... أذا فكرت فى الرجل ترى كائنا وهميا تعرفة معرفة سطحية من خلال رؤيتة هائما فى شوارع سجن ضخم كلنا فية عبيد ألا و هو وطننا ... كان جسدها يرتعش خوفا من المشاعر الغربية التى بدأت تتسلل لجسدها
لم تكن هى الأولى .... فكثير من صديقاتها سبقهنها إلى ذلك بكثير .... هى لم تلومهن ... أذا كانت الفتاة لا ترى ألا الفتيات ، و لا تتعامل ألا مع الفتيات ، ولا تحتك ألا بالفتيات ، فالطبيعى جدا أن تعجب و تحب بل و تمارس الجنس مع أحدى الفتيات ... و لم يكن هذا صعبا ، فمجتمعنا الأخرق يفرض رقابتة المخابراتية على أى تجمع يتواجد فية رجل و أمرأة معا ، بينما يتناعس عن تجمع أفراد نفس الجنس معا و كأن ما يحدث بين رجل و أمرأة لا يمكن أن يحدث بين رجلين أو بين أمرأتين
لكنها لم تكن راغبة فى ذلك ... كانت ترى صديقاتها تنجذبن واحدة تلو الأخرى إلى ذلك المخرج الذى ظهر لهن من حيث لا يدرين ليريحهن من آلام الكبت و الوحدة و فوران الدماء الثائرة فى الشرايين بلا مجيب ... كثيرا ما شعرت بالميل نحو أحدى صديقاتها ... كثيرا ما شعرت بحنين فى داخلها للأستسلام لدعوات رفيقاتها و الأشتراك معهن فى ممارساتهن السحاقية ... و فى كل مرة كانت ترفض و تقاوم ... لم تكن تدرى إن كان رفضها هذا سليما أم لا ... لم يكن رفضها هذا من وازع أخلاقى ، فهى كانت واثقة فى داخلها أنها طالما لم تؤذى أحدا فهى لم تخطئ ... و لكنها كانت ترفض لانها كانت تخشى على أنوثتها ... نعم ، كانت تخشى أن أعتادت على معاشرة الفتيات أن تفقد قابليتها لمعاشرة الرجال ... كانت تخاف أن يأتى يومها مع عريس الغفلة الذى سيزوجها والدها أياة دون رأيها ، و تجد نفسها عاجزة عن التواصل معة ... كانت تخشى أن تعتاد على نعومة العلاقات الأنثوية ، فتشعر أن زوجها وحشا أو غولا خشنا عنيفا قاهرا
ألا أن ميلها نحو صديقاتها لم يكن هو نقطة الضعف الوحيدة فى قنبلة رغباتها المكبوتة ، و التى تخشى من أزدياد الضغط عليها لئلا ينفجر كل شئ معها ... كانت هناك نقاط ضعف أقسى و أمرّ ... فوالدها المزواج ذو الثلاثة زوجات الذى ملأ لها البيت بأحدى عشر أخ و سبعة بنات حول لها حياتها جحيما دون أن يدرى ... كل مرة تراة يدخل على أحدى زوجاتة و يغلق الباب خلفة بالترباس ، كانت تثور الدماء فى شرايينها .... أخيها الأكبر المتزوج و الذى يسكن فى الحجرة المجاورة لحجرتها كان كمن يصب ماء النار على جسدها .... فكل ليلة قبل أن تنام تظل أصوات ضحكاتة و أنات زوجتة تخترق أذنيها بلا رحمة ... تضع المخدة فوق رأسها و تحاول ألا تسمع ، و لكن لا فائدة ... تظل تحترق و تتلوى على سريرها حتى ينتهى أخيها من واجبة اليومى و ينام و يهدأ الجو سامحا لعقلها بقليلا من الصفاء و الهدوء
ألا أن هناك بلاء كان أقسى من كل مما مضى .... أخوتها الصبيان غير الأشقاء .... لم يكونوا هم أيضا أحرارا من ذلك الأطار الكبتى الذى أخضع رقاب الكل تحت قدمية ... و لكن الفارق أن المجتمع الذكورى و خصوصا فى الريف يسمح للذكور ببعض الخروج عن الخطوط الثابتة و المحددة مسبقا ... ربما لأن المجتمع كان يرى فى خطأ الولد أمر أهون بكثير من خطأ الفتاة ، و لهذا سمح للصبيان بالخروج عن ذلك الأطار الكبتى
و فى المنزل الضيق و مع كثرة عدد أفراد الأسرة يصبح الفصل التام بين الأخوة مستحيلا ، و هنا المصيبة ... لم تكن تستطع أن تمنع نفسها عن سماع صيحاتهم و تعبيراتهم الجنسية و هم جالسون أمام التليفزيون يراقبون أثداء و أفخاذ ممثلاتة و مزيعاتة ... تجولهم فى المنزل بملابس خفيفة تظهر ما يشعل النار فى جسدها .... تحرشات بعضهم بها ، و التى لو أستسلمت لها لأضحت مثل أختها الكبيرة التى أعتادوا جميعا على معاشرتها إلى أن تزوجت و أكتشف زوجها أنة ليس أول من يفتحها فتحا مبينا ، فذبحها كالنعجة و أدعى أن أحد أعمدة البيت سقط عليها
و لم تكن المضايقات و المهيجات محصورة فى البيت فقط ... كانت تكرة الخروج من المنزل .... و أكرة الأماكن عندها كان بيت خالتها ، لأنة يقع على شاطئ الترعة ... و فى كل مرة تذهب إلى خالتها كانت تتعذب بمنظر شبان القرية يستحمون عراة فى الترعة مع مواشيهم ... فى كل مكان فى القرية لا تتوقف التحرشات ، فالكل مكبوت يتظاهر بالطهارة و العفة بينما فى السر يفعلون العجب العجاب .... و كم من متظاهرون بالتقوى سمعت عنهم أخبث الأفعال فى أحاديث فتيات القرية حينما تقابلهم فى الأفراح و المناسبات بل و حتى فى الجنازات
كل هذا و هى ترفض .... لا ترغب أن يكون مصيرها كمصير أختها الكبيرة ... كانت تدرى أن ذلك الشخص المستعد لإشعال أصابعة العشرة شموعا لينال رضاها ، هو ذاتة نفس الشخص سيكون أول من يذبحها بيدية ليدعى أمام أهل القرية السذج أنة أكثر شخص يهتم بالشرف و بسمعة القرية
فكرت كثيرا فى كل هذا ... و لكن النوم لم يأتيها كما فى كل ليلة ... بدأت تسمع أصوات الديكة من بعيد ... أدركت أن الليل معظمة أنتهى و أنها لن تحظى بنوم كافى حتى الصباح ... كان عليها أن تطفئ ثورة جسدها حتى تستطيع أن تحظى بقسط كافى من الراحة قبل أن تبدأ واجبات عبودية اليوم التالى ... لم يكن أمامها ألا حلا واحدا ... غطت فمها كى لا يسمعها أحد ... و أنزلت أصابعها تحت الغطاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07