الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنها المرأة

حنان كوتاري

2008 / 7 / 20
الادب والفن



لم يكن يحب أن يراها مريضة و تتألم .. كان مرضها يمنعه من تعذيبها و يضطره إلى الانتظار حتى تسترجع شيئا من قواها ليعاود تعذيبها..
كان طويل القامة.. ضخم الجسد.. غليظ الرأس.. ذا وجه قاس الملامح . و كنت إذا نظرت إليه للوهلة الأولى حسبته وحشا من تلك الوحوش التي وصلتنا أخبارها عبر بريد الجدات ، فتخاف أن تمد يدك لتسلم عليه..
أما هي فقد كان جسدها نحيفا ، يخيل إليك من شدة نحافته أن الهواء الخفيف قد يسقطه ، فتشعر بقلبك يخفق من الخوف كلما مر بجانبك ، و تجد يدك تمتد بدون شعور منك إليه لتحميه من السقوط ..
كان وجهها هادئا تسكنه الطيبوبة و الحنان، أخذت الأحزان من نظارته الكثير، فأضحى أشبه بشجرة جفت عروقها و تساقطت أوراقها و هي لا تزال في بدايات النمو.
كانا نقيضين جمع بينهما تحت سقف واحد مع ما جمعت الحياة بين ثناياها من المتناقضات، و لله في كل ما يقضي به حكم قد تغيب عنا.
لم يكتب الله لهما الإنجاب ، و شاءت حكمته أن يكون هو بهيئته العظيمة السبب في هذا الجذب.
لم يصدق الطبيب عندما أخبره بذلك، فأخذ يضحك بصوته الغليظ حتى ارتعش الكرسي من تحته ، ثم قال باستهزاء و هو يمسح دمعة سقطت على خده من شدة الضحك :
كذب المنجمون و لو صدقوا.
نظر الطبيب إليه من وراء نظاراته السميكة باستغراب ، ثم قال بهدوء و هو يعبث ببعض الأوراق المبعثرة أمامه :
أحيانا يكون من الصعب علينا تصديق الحقيقة ، لكن في جميع الأحوال تبقى الحقيقة هي الحقيقة.
خيل إليه أن الطبيب يسخر من غروره و رجولته و كبريائه، و أنه قبل التفوه بهذه الكلمات نظر إليه مقارنا بينه و بين زوجته ، ثم همس إلى نفسه ساخرا : مسكين .
فحدثته نفسه بالانقضاض عليه و تحطيم رأسه .. لكنه لم يفعل .. و غادر الغرفة غاضبا غير آبه بندائه ، و دون أن يأخذ أوراقه الطبية ، ! و بعد أن تجاوز الشارع الذي تقع فيه العيادة ، سار في اتجاه غير الاتجاه المؤدي إلى البيت.
لم يكن يدري إلى أين يذهب؟
ظل يلف في شوارع البلدة على غير هدى إلى أن أنهكه التعب ، ثم جلس بإحدى المقاهي الصغيرة ، من تلك التي تكون كراسيها المنتشرة في الخارج أكثر من الموجودة بالداخل.
جلس يراقب الناس ... و يلتهم الوجوه ... عله يقرأ بين سطور ملامحها ما يطمئن قلبه، و يخبره بأنه ليس الوحيد المبتلى في هذا العالم.
كانت مشكلته ... كيف يخبر زوجته بالأمر؟ لطالما سخر منها و عيرها بضعفها و تباهى أمامها بقوته... لكنهما الليلة سوف يتبادلان الأدوار .
حاول أن يتخيل رد فعلها ، فرآها تستغرق في الضحك ثم تقول و هي تضرب كفا بكف : مسكين .... مد يديه في الهواء ليمسك بجسدها النحيف و يدق عظامه بينهما ، فأسقط كوب الشاي الموضوع أمامه فوق المائدة .
جاء النادل و أخذ يصرخ في وجهه و يلومه على تحطيم الكوب و طالبه بدفع ثمنه ، نظر إليه بغضب ثم انقض عليه و انهال عليه ضربا، كان كمن ظل لساعات طويلة يبحث عن شيء فقده، و بعد أن يئس من العثور عليه و انصرف عن البحث عنه، وجده فجأة أمامه....
اجتمع الناس و تدخل بعضهم لحسم الشجار.
***
عاد إلى البيت فوجدها في انتظاره ، استقبلته بعيون متسائلة، تجاهل الأمر و سأل عن العشاء، فلم تجد مناصا من مبادرته بالسؤال : ماذا قال الطبيب ؟ كيف كانت النتيجة؟
لم ينبس بكلمة .... ظل واقفا أمامها صامتا . جامدا و هو ينظر إلى الأرض.... لم يقوى على الاعتراف لها بضعفه و بحاجته إليها.
و كانت المفاجأة عندما تناهى إلى سمعه صوتها مرتعشا و هي تقول : لم أنت صامت ؟ أتشفق علي من إخباري بحقيقة عقمي ، لقد كنت أتوقع ذلك ، إنها مشيئة الله ... اعلم أنني لن أعترض أو ألومك .. كيفما كان قرارك ، ثم تركته و دخلت إلى غرفة النوم.
حاول أن يلحق بها و يخبرها الحقيقة ، لكنه لم يستطع .... شعر بارتياح غريب ، و أحس بغروره يرقص فرحا....
و مضت الأيام دون أن يطلقها ، و دون أن يطلعها على حقيقة الأمر، و أصبح كلما رأى في عينيها نظرة شكر و امتنان ، شعر بضآلته و حقارته فعذبها عذابا صامتا خفيا لا يستشعر ألمه سواها.... عسى النظرة تتحول إلى نظرة حقد و كراهية.
لكن النظرة لم تتغير... و ظلت هي دائما شاكرة .. و ظل هو دائما جبانا .... و لم يكن يدري أنها علمت الحقيقة من الطبيب ، و اختارت أن تظل معه ... و لم تشأ التخلي عنه .
فكانت رغم نحافتها إنسانا عظيما ، و كان رغم ضخامته قزما حقيرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي