الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المأزق الإسرائيلي

محمد الفخاري

2008 / 7 / 18
القضية الفلسطينية


يبدو أنه كلما شارفت الأزمة على الانفراج في سماء القضية الفلسطينية إلا ولاحت في الأفق بوادر أزمة جديدة تعكر صفو ما بدأته السلطة الفلسطينية بعد مفاوضات ماراطونية مع الجانب الإسرائيلي حول الحصار الخانق المفروض على غزة منذ أشهر والتي لم تخرج بعد بنتائج ملموسة لكلى الطرفين. لقد شكل التحقيق مع أولمرت بشأن اتهامه بالفساد أزمة سياسية حقيقية داخل إسرائيل بدأ التكهن قبل نتائجه المنتظرة بحل الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وفيما تتداعى الأزمة في الشارع الإسرائيلي، أبدت السلطة الفلسطينية تخوفها المعتاد من عرقلة المساعي الرامية إلى إيجاد حل للحصار الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية غداة استدعاء الشرطة لرئيس الحكومة لأجل التحقيق معه في النازلة التي يواجه فيها تهما بتلق رشاوى من رجل أعمال أمريكي.
ما هي القراءات الممكن القيام بها للأوضاع الراهنة في إسرائيل إبان احتفالها بالذكرى 60 لنشأتها والتي تصادف نفس الذكرى التي تعرف بالنكبة بالنسبة للعرب عامة والفلسطينيين خاصة؟
إن المتأمل في المشهد السياسي الإسرائيلي ليستشف عمق الأزمة التي تمر بها الدولة العبرية خصوصا وأنها أضحت عرضة للانتقادات الدولية على إثر ما تقوم به من حملات تطهيرية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وتنهج سياسة العقاب الجماعي تحت ذريعة محاربة الجماعات الإرهابية التي تمثلها حركة حماس
وهو ما تعتبره إسرائيل مشروعا قوميا يشكل الأولوية في ضمان أمنها واستمرارها.
لقد مثلت زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل أكثر من احتفال بالذكرى حيث أنه صرح من داخل الكنيست أن أمن إسرائيل من أمن أميركا وأن كل دولة تهددها – في إشارة إلى إيران التي تدعو إلى محوها من الخريطة – إنها تهدد الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر نفسها سيدة العالم والرقيب عليه في كل صغيرة وكبيرة. الرئيس الأمريكي الذي بقي على انتهاء ولايته بضع أشهر فقط يحاول يائسا رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي بعد أن أدرك استحالة الحصول على تفويض من الكونغرس لتوجيه ضربة استباقية لمفاعلات إيران النووية في الوقت الذي ما تزال الدولة الفارسية ماضية في الدفاع عن مشروعها النووي على اعتبار أنه حق من حقوقها الإستراتيجية.
وبما أن إسرائيل تعيش على وقع الهزائم التي تتعاقب عليها بعد حربها على لبنان وتمريغ حزب الله لأنفها في التراب وهي الدولة التي كانت تتبجح بكونها لا تقهر، فإنها أضحت تهرول نحو الحوار غير المباشر واللامشروط مع حزب الله وتفتح معه قنوات للتفاوض حول صفقات تبادل الأسرى خصوصا الصفقة الأخيرة المبرمة والتي سلمت بموجبها خمسة أسرى لبنانيين من بينهم عميد الأسرى سمير القنطار ورفات أكثر من مائتين وعشرة شهداء فلسطينيين ولبنانيين وعرب سقطوا في ساحة العزة والكبرياء وأبرزهم الشهيدة دلال المغربي. هذا التحول المفاجئ في السياسة الإسرائيلية لم ينبع من فراغ أو من رغبة طوعية لدى الحكومة الإسرائيلية في التوصل إلى صيغ تمكنها من العيش بسلام مع العرب وإنما هو نتاج للضغوط التي تمارس عليها من قبل حركات المقاومة الممثلة في حزب الله وحركة حماس. هناك مثل يقول: "ما يأخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة" ذلك ما شاهدناه عندما سلمت إسرائيل الأسرى اللبنانيين مقابل رفات جنديين فقط. كيف يعقل أن دولة بحجم إسرائيل مدعومة من طرف أعتى دولة في العالم تقبل بمقايضة رفات جنديين فقط بخمسة أسرى وعدد كبير من الشهداء؟ هل هو حب في استرجاع رفات جنديين قتلا أم هناك دوافع أخرى وراء هذه الصفقة؟ لأول مرة منذ توليه مقاليد الحكم في إسرائيل يضطر أولمرت إلى الرضوخ لقرارات حزب الله مقدمة بذلك تنازلات عدة كلفتها وما تزال ثمنا باهضا وقد تكون بادرة أمام الموافقة على المزيد من الصفقات سواء مع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية التي تأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط.
ما يجب إدراكه في المنعطف الحالي للسياسة الإسرائيلية ليس تبني الديمقراطية والحوار كمفهومين للتفاوض مع العرب النابع من فلسفة الانفتاح على الآخر واحترام سيادته على أرضه، وإنما واقع جديد فرض عليها ولم تجد بديلا آخر سوى الانخراط في مسلسل التعامل مع قضاياها تجاه العرب بقليل من العنجهية والتكبر. فمن كانت حركات إرهابية فيما مضى أصبحت الآن عنصرا تتبادل إسرائيل صفقات معها مرغمة نظرا لإحساسها بالخطر المتزايد من كل الاتجاهات.
بات أولمرت إذن يوقن أنه في طريقه نحو العزل إذا لم يقدم استقالته على خلفية قضية الفساد التي تطارده وكأنها كابوس لا يستطيع الاستيقاظ منه، لكنه ومع ذلك ما زال يتمتع بروح الدعابة وبهامش من المناورة يمكنه من عرض قضايا ذات بعد استراتيجي على حكومته دافعا إياها إلى قبول ما كان مستحيلا في الماضي. ولعل ما يبرز قدرته على المناورة هو قناعته الراسخة بأن أيامه معدودة في السلطة ولا خيار له سوى الجانب الإنساني المتمثل في إعادة جنوده أحياء أو أموات إلى عائلاتهم كي يتأتى لها الاطمئنان عليهم أو دفنهم بطريقة تليق بهم من جهة وتحفظ له ماء الوجه من جهة أخرى.
من جهة أخرى وبعد التهديدات التي وجهها وزير الدفاع الإسرائيلي لإيران والتي تبرز نيته توجيه ضربة عسكرية لها قصد ثنيها عن برنامجها النووي، فإن المعطيات تدل على أن هذا الخيار ليس سوى ضربا من الخيال إذ إن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها المبادرة بإشعال فتيل الحرب إلا إذا تأكدت تأكيدا راسخا أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة ومستعدة للدخول في حرب جديدة مع إيران قصد تشكيل حلف استراتيجي يزكي مرتبة إسرائيل في المنطقة بعد هزائمها المتكررة. لكن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش على صدى الحملة الانتخابية الرئاسية لم تبد إلى حد الآن نيتها في الدخول في صراع عسكري مباشر مع إيران وذلك راجع أساسا إلى تقوقعها الأخير عقب الأزمات الكبيرة التي تواجها سواء في أفغانستان والعراق. بمعنى آخر، لا تستطيع الدولة العبرية أن تبادر إلى شن هجوم على إيران لأن ذلك سيكون انتحارا لن تقوى على تحمل نتائجه. كيف لها أن تدخل حربا ضروسا مع أقوى بلد في الشرق الأوسط إذا لم تستطع القضاء على حزب الله الذي يشكل فقط قطرة ماء في بحر بالمقارنة مع إيران؟
ما يمكن قوله أخيرا هو أن إسرائيل تعيش حالة من التشرذم مؤخرا بسبب تباعد آراء ساستها تجاه الكثير من القضايا ذات البعدين الداخلي والخارجي ولعل ما يأمله هؤلاء الساسة هو انفراج أزمة أولمرت ووضوح الرؤيا بخصوص قضية الفساد التي تطارده كي يستطيعون لم شمل الأحزاب المؤثرة في القرار الإسرائيلي والخروج بصيغة ما للتعامل مع القضايا الجوهرية سواء من خلال طرح بديل لأولمرت (أبرز المرشحين لخلافته على حزب كاديما وزيرة خارجيته تسبي ليفني) أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة تتمخض عنها حكومة جديدة تلغي جميع قرارات الحكومة السابقة وتفرض واقعا جديدا كما عودونا على ذلك في كل مناسبة مماثلة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا