الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تصبح أجهزة الحاسوب مصدرا للموت والمرض!

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 27
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


هل سألت نفسك يوما ما هو مصير جهاز الحاسوب هذا الذي تستخدمه للوصول إلى موقع الحوار المتمدن، ولتحقيق عدد هائل من "الغايات" العلمية والثقافية والاتصالية وكيف يمكن التخلص من هذا الجهاز بعد أن تتمكن من اقتناء جهاز أحدث وأكثر فعالية، ربما مرة كل ثلاث سنوات؟ الجواب أن هذه الأجهزة أصبحت تمثل أكبر مصدر حديث للتلوث في العالم، وأن الفقراء في الكثير من دول العالم يصابون بأمراض وتأثيرات بيئية وصحية هائلة وهم يعملون على تفكيك هذه الأجهزة.

لقد أصبحت النفايات الإلكترونية هي الأسرع نموا بين كل النفايات في الدول الصناعية حاليا، كما أن هذه الإلكترونيات مسؤولة عن 70% من المعادن الثقيلة الموجودة في مكاب النفايات الأميركية بما في ذلك 40% من الرصاص مما يجعل التعامل مع هذه النفايات الخطرة أولوية بيئية.
إن أنبوب الأشعة المهبطية "الكاثود" الزجاجي الموجود في شاشة التلفزيون والحاسوب التي تنظر من خلالها الآن يحتوي على 1,8 كغم أو أكثر من الرصاص. وإذا ضربنا هذا الرقم في 315 مليون جهاز حاسوب يتوقع أن تصبح مهملة في الولايات المتحدة لوحدها عام 2004 تكون النتيجة أكثر من نصف بليون كغم من الرصاص. كما تحتوي الشاشات الملونة في غالبية أجهزة الحاسوب على أنابيب تخالف معايير السمية للرصاص وتصنف بأنها نفايات خطرة، بالإضافة إلى أن لوحات الدوائر والبطاريات ممتلئة أيضا بالرصاص وكميات أقل من الزئبق والكروم.
ويزن البلاستيك المستخدم في صنع جهاز حاسوب عادي نحو 6 كغم، 25% منه يتكون من "بوليفينيل كلورايد" الذي ينتج مركبات الديوكسين السام عند الاحتراق. وتحتوي أجزاء بلاستيكية أخرى وبعض لوحات الدوائر على معوقات لهب معالجة بالبروم يشتبه في أن بعضها يعطل عمل الغدد الصماء ويتجمع في أنسجة الحيوانات والأسماك مما يشكل خطرا على صحة المستهلكين.
ويعتقد الخبراء أن إدراك الأثر البيئي للنفايات الإلكترونية لا يزال في بداية الطريق الطويل، فقدرة أجهزة الحاسوب على معالجة المعلومات قد تتضاعف كل 18 شهرا ولهذا يعمد المستهلكون إلى تحديث أجهزتهم بشكل متواصل ومتتالي والتخلص من الأجهزة القديمة. كما أن هذا النمو في الإلكترونيات يندرج ايضا على الأجهزة الإلكترونية الأخرى المخصصة للترفيه والاستخدام المنزلي أو لدى الشركات.
وهناك غموض كبير في مصير النفايات الإلكترونية، ويفترض العلماء أن الغالبية تطمر أو تحرق أو يتم تصديرها أو تترك قابعة في المخازن. وأظهرت دراسة أجراها المجلس الوطني الأميركي للسلامة أن 31 مليون جهاز حاسوب شخصي في البلاد تم التخلص منها عام 2001 ويرجح أن الكثير منها ذهب إلى تجار يتولون تصديرها إلى الخارج. وقدرت الدراسة عدد أجهزة الحاسوب التي ستصبح مهملة عام 2004 بحوالي 315 مليون جهاز ليصل العدد إلى 500 مليون عام 2007 كما قدرت النفايات الإلكترونية بحوالي 5-7 ملايين طن سنويا.


لائحة سموم طويلة:
وتحتوي  الإلكترونيات على أكثر من 1000 مادة مختلفة، منها مواد سامة تسب تلوثا خطيرا عند التخلص منها بطرق غير سليمة. فالرصاص والزئبق من السموم الفتاكة المتلفة للجهاز العصبي خاصة عند الأطفال. ويقال أن 22% من الاستهلاك العالمي للزئبق يستخدم في صنع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية ويكون تأثيره اشد ما يمن على الجنين في حال تعرض الأم له.
والكادميوم مادة سامة في لوحات الدوائر وقد صنف كسبب محتمل للسرطان عند الإنسان، كما أنه يحدث تلفا رئويا عند حرقة واستنشاقه، وكذلك فإن الكروم المستخدم أيضا في لوحات الدوائر يسبب أوراما في الرئتين والجيوب الأنفية لدى استنشاقه.
 وإضافة إلى المعادن الموجودة في الأجهزة الإلكترونية تنطوي معوقات اللهب المعالجة بالبروم في الأجزاء البلاستيكية على أخطار صحية فهي من مجموعة المواد الكيميائية الضارة لمعروفة بالملوثات العضوية دائمة الأثر POPs  التي تجوب العالم وتتجمع في أنسجة الكائنات الحية وله تأثيرات على وظائف الغدد. وتشكل خرطوشة الحبر البلاستيكية في طابعة الحاسوب إحدى مصادر النفايات الخطرة، فالمكون الرئيسي للحبر الأسود صباغ يعرف بإسم الكربون الأسود واستنشاقه يسبب تهيج مجرى التنفس وقد صنفته الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بأنه مادة مسرطنة كما تشير بعض الدراسات إلى أن الأحبار الأزرق والأحمر والأصفر تحتوي على معادن ثقيلة. ويستخدم الفوسفور طلاء للجزء الداخلي من اللوحة الأمامية لأنبوب الأشعة المهبطية وهو عنصر مساعد على سطوع الصور المعروضة على الشاشة ويحتوى طلاء الفوسوفور على معادن ثقيلة سامة.

لقد ثبت مؤخرا أن وادي السيليكون في سان فرانسيسكو، مهد صناعة البرمجيات والتقنيات الحديثة في الولايات المتحدة قد أصبح بقعة ملوثة بيئيا بسبب التكنولوجيا المتقدمة. تضم مقاطعة سانتا كلارا المعروفة بوادي السليكون 29 موقعا صناعيا ضخما شديد التلوث وهي تخضع حاليا لمشروع تنظيف بيئي مكثف بإشراف وكالة حماية البيئة الأميركية. وقد تم اكتشاف أكثر من 100 مادة ملوثة في المياه الجوفية في منطقة الوادي ومن أكثرها انتشارا الإيثيلين الثلاثي الكلور وهو مسبب للسرطان والإيثان ثلاثي الكلور الذي يشل الجهاز المناعي ويسبب انهيار الجهاز العصبي المركزي.
أن إنتاج رقاقة سليكون واحدة بطول 20 سم يعني ما معدله 17 ألف لتر من المياه العادمة و12 كغم من المواد الكيميائية و 0.82 متر مكعب من الغازات الخطرة و 4 كغم من النفايات الخطرة. وتشمل هذه المواد الكيميائية والغازات إيثر الغليكول الذي صنفته وكالة حماية البيئة الأميركية بأنه "سم خطير" للجهاز التناسلي، وغاز الأرسين الزرنيخي شديد السمية الذي إذا ما تسرب من إسطوانة واحدة يمكن أن يقتل كل العاملين في وحدة إنتاج شبه الموصلات في المصنع. وإذا أخذنا بعين الاعتبار إنتاج 220 بليون رقاقة في السنة فإن صناعة الإلكترونيات تبدو صناعة خطرة جدا.
وقد كشف تقرير صدر حديثا أن نفايات الولايات المتحدة الأمريكية من أجهزة الكمبيوتر المستعملة عادة ما ينتهي بها الحال إلى الصين أو الهند أو باكستان حيث تقوم مجموعة من العمال الفقراء بحرق, وتحطيم, والتقاط الأجزاء الإليكترونية للاستفادة من الأجزاء المعدنية الموجودة فيها معرضين أنفسهم والبيئة المحيطة للسموم.
ويذكر التقرير الذي أعده عدد من جماعات البيئة أن هناك مجوعة من القرى في جنوب شرق الصين تتخصص في فصل أجزاء أجهزة الكمبيوتر المستعملة بينما يتم إلقاء المتبقي منها على امتداد الحقول والأنهار.

وقد شاهد أعضاء جماعات حماية البيئة الذين زاروا منطقة جويو في الصين في شهر ديسمبر 2001  الرجال والنساء والأطفال وهم ينزعون الأسلاك من أجهزة الكمبيوتر ثم يقومون بحرقها الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث غازات مسببة للسرطان.
ويبلغ متوسط أجر العاملين في ذلك المجال دولار ونصف يوميا بينما لا توجد أي إجراءات لحمايتهم, ويقوم بعضهم كذلك بحرق البلاستيك وألواح الدوائر, أو يقومون بصب أنواع من الأحماض وتشير نتائج عينات مياه نهر ليانجيانج الذي يمر بتلك المنطقة أنها تحتوي على مواد ملوثة تزيد 109 مرة عن المستويات التي سمحت بها منظمة الصحة العالمية.
ويصف جيم باكيت أحد الذين شاركوا في كتابة التقرير أن ما وجدوه كان أشبه بكابوس عصر الفضاء, وأضاف أن الصينيين يطلقون على تلك العملية أعاده تدوير إلا أنها عملية دفن نفايات في الحقيقة.
وتجدر الإشارة إلى أن المعاهدة التي تمخضت عن إعلان بازل الذي وضعته الأمم المتحدة في عام 1989 تنص على حظر تصدير المواد السامة إلا أن الولايات المتحدة لم توقع عليها, وهي تواصل بذلك تصدير مثل تلك المواد إلى دول مثل الصين.

وحظرت ولايتا كاليفورنيا وماساشوستس حرق ودفن الشاشات التي تعمل بأنابيب أشعة الكاثود. وقد وضع عدد قليل من شركات إنتاج أجهزة الكمبيوتر الشخصي, وكبار تجار التجزئة برامج لاعادة التدوير, إلا انهم يقترحون أن يتحمل المستهلكون 30 دولارا لإجراء هذه العملية, وأن يتولى المستهلك بنفسه عملية شحن الأجهزة.
ولكن مع غياب نظام لاعادة تدوير الإليكترونيات كما في اليابان وبعض الدول الأوروبية, تقوم مجموعة من التجار الذين يصعب تتبع نشاطهم بالتخلص من تلك النفايات. ويشير التقرير إلى أنه يتم نقل ما بين 50 إلى 80 % من نفايات الولايات المتحدة من الإليكترونيات – والتي من المفترض أن تمر بعملية إعادة تدوير- إلى خارج البلاد.
وعادة ما يتم التخلص منها في جويو او نيودلهي بالهند او كراتشي في باكستان حيث أن الأيدي العاملة هناك رخيصة للغاية . ويشير التقرير إلى تقديرات وكالة حماية البيئة من أن شحن شاشات الكمبيوتر إلى الصين أرخص من إعادة تدويرها في الولايات المتحدة بعشرة أمثال.
وهكذا فإن جشع التجار الرأسماليين وانتهاك كرامة الإنسان في الدول النامية قد جعل من أجهزة الحاسوب مصادر للمرض والأذى كما تكون ايضا مصادر للعلم والمعرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-