الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرود ابدي

رضوان ايار

2008 / 7 / 21
الادب والفن



توقفت الحافلة المهترئة في محطتها كالعادة متأخرة بنصف ساعة أو أكثر، لازال أمامي ربع ساعة أخرى من المشي أو الجري حسب ما تقتضيه الظروف،تأبطت حقيبتي و انطلقت أسابق الدراجات و سيارات الأجرة.وصلت متأخرا ولم تكن طبعا المرة الأولى فقد اعتاد الجميع على هوية آخر من يلتحق ، ليس من عادة مدير المؤسسة أن يمطرني توبيخا لكن فقط عيناه كانت توحي بذلك دوما. صعدت إلى قاعتي في الطابق العلوي وهناك لم أجد سوى تلميذة واحدة... انزوت وحدها في ركن القاعة، ووكأنها في حديقة عمومية شرعت في الغناء بصوت مسموع .كنت متعبا من كثرة المسير مع ذلك لم أشأ أن أزعج هدوءها فتسمرت قرب الباب دون حراك علي استمتع بالمشهد أكثر.استمرت في الغناء،مسكينة كانت تعتقد أنها وحيدة فعلا، بين يديها على ما يبدو البوم صور تقلب صفحاته على مهل و في كل مرة كانت تطلق تنهيدة طويلة جدا وتعود بعدها للغناء من جديد، في لحظة طائشة رق قلبي لحالها ولحالي فتنهدت أنا أيضا .

-سمح لي ا أستاذ ما شفتكش

-ما شي مشكل

جلست التقط أنفاسي. تشتت تفكيري، فمرة أفكر في ما يمكن ان يكون استهلالا لدرس اليوم و مرة أفكر في طريقة تمكنني من توفير ثمن السيارة التي ستزيح عني احراجات "الاوطوسطوب" وتراكل الفلاحين صبيحة كل سوق أسبوعي.....

دخل التلاميذ فرادى و جماعات، جلهم تأخروا. صراحة لا أعرف ماذا أصاب هذا الجيل إحساس بالغربة يجسدها هندامه ،فوران عاطفي وطاقة ليبيدية عصية على الفهم بالأحرى التحكم، بعضهم يسوق دراجات نارية ضخمة على عجلة واحدة ، وبعضهم يرقص على رأسه في جو من التصفيق و الحشيش والموسيقى الصاخبة، إدمان وسب للرب و أشياء أخرى...أتذكر يوم قال "جاك شيراك" أن ليس هناك أصعب من خروج المراهق إلى الشارع للاحتجاج ، عجيب ،مراهقينا يحتجون كل يوم و في كل مكان إذن بلا مبالاتهم و بقيمهم المستوردة ولا أحد يفهم الرسائل...كلفت أحدهم بمسح السبورة وكتابة التاريخ و عنوان الدرس و بالصدفة اكتشفت لماذا كان أساتذتنا يصرون كل صباح على أن يتقدم احدنا إلى السبورة لتسجيل تاريخ اليوم. كنت اعتقد أيام "المدرسة المركزية"و "أسي بنسالم" أن الأمر لا يتجاوز كونه رغبة من المدرس في إشراكنا في بناء الدرس. لكن يبدو أن الأمر غير ذلك مطلقا، ربما قد يتعلق الأمر فعلا بنسيان دائم و متواصل للتاريخ، ورغبة لبقة في التذكر. ما جعلني ابلغ هذا الاستنتاج أني هذا الصباح وقفت مشدوها حينما كتب احد تلامذتي تاريخا لم أكن أتوقعه.استغربت كل تلك الفطنة التي حباه الله بها، كما استغربت كل هذا الشرود والتيه الذي حباني الله به أيضا. أترى الشرود نتيجة لتعب "لانافيت" أم انه خلل فطري و موروث؟ صراحة لا اتفق مع التفسير الأخير فوالدي بشهادة "العدو والصديق" يتميز بذكاء مثير للدهشة فهو غير متعلم ومع ذلك يمتهن إصلاح الأجهزة الالكترونية العادية و "تركاب البارابولات" و أحيانا حتى إصلاح الحواسيب . و له قدرة خارقة على حفظ الكلمات التي يستعين بها في عمله سواء باللغة الفرنسية أوالانجليزية...لم اشأ ان يسرقني السهو من جديد فلملمت عظامي و قمت إلى السبورة..و بعد تهدئة القوم بدأ درس الفلسفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين