الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أما الشعوب المأزومة ...

سامر خير احمد

2004 / 1 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


يفاجأ المرء احيانا بأن السياسيين ومنظّري السياسة العرب يعالجون ازمات البلاد بتبسيط لا يتناسب ومنطق الاشياء، وحين يبحث المرء في سبب ذلك يكتشف انه يعود لبرجوازية التفكير لديهم، فهم لا يرون الا انفسهم والطبقة السياسية العليا المتحكمة في الحياة السياسية (الميتة) سواء في السلطة او في المعارضة التقليدية خاصة تلك التي يتولاها من يسمون «الاسلاميين» (وكأن الاسلام ملك لهم).
اما «المجتمع»، أي الناس المهمشين، فلا وجود لهم في تفكيرهم وخططهم، هذا رغم انهم يكثرون التغني بـ «الشعب الطيب»! فهذا الشعب الطيب وظيفته السمع والطاعة والتصفيق والتطبيل لا غير، وليس من حقه التفكير او حتى المشاركة في التفكير بغية اخذ ظروفه بعين الاعتبار، فهذه وظائف ليست من سمات الشعب الطيب المحترم!.
سنأخذ مثالا عمليا حيا على ذلك، حتى لا يكون تنظيرنا في الهواء نحن ايضا: فقد عقد في عمان مؤخرا مؤتمر بعنوان «الديمقراطية في البلاد المسلمة» خصصت جلسته الاخيرة لتقديم توصيات لكيفية تحقيق الديمقراطية في العالم العربي والاسلامي، وهكذا انطلق السياسيون الكرام - واكثرهم ينتمي للحياة السياسية التي كانت دائرة قبل عقد من الزمان، لا لهذه الراهنة - يطالبون اما بوضع قانون انتخاب ديمقراطي، او تعديل تشريعات اخرى معينة، او تنظيم التداول على السلطة، وما الى ذلك مما يتعلق بالحياة السياسية المجردة مباشرة.
لا نقول ان هذه الطلبات غير هامة، فهي ضرورية ولا شك، لكن ماذا عن البيئة التي ستطبق فيها هذه الطلبات، أي ماذا عن الشعوب التي هي المحرك الطبيعي للحياة السياسية؟ لا أحد - منهم - يهتم، ولا أحد يلاحظ ان الشعوب العربية مأزومة في ثقافتها، أي في قيمها وسلوكياتها، فالثقافة السائدة بينها هي ثقافة العصبيات التي «تنص» على ان الفرد العربي مطلوب منه الانضباط في قبيلة بعثته الاقدار ليكون واحدا من افرادها، وان القبيلة مطلوب منها التحالف مع مجموعة من القبائل الاخرى تحت راية واحدة، وهكذا فإن معظم "الشعب الطيب" يعيش مع حياة ما قبل المدينة، فهل يمكن في بيئة كهذه تحقيق الديمقراطية حتى لو اعيدت صياغة القوانين كلها؟!
لا يمكن تحقيق الديمقراطية الا في بيئة مدنية، فالمدينة شرط لازم ليس للديمقراطية فحسب، بل ايضا لتكريس قيمة الدولة وما تتضمنه من واجبات وحقوق المواطنة، التي هي الارضية التي تقوم عليها الحياة السياسية الديمقراطية، وهكذا فان الحديث عن الديمقراطية دون الاخذ بالاعتبار واقع قيمة الدولة عند الناس، وماهية الثقافة التي تتحكم بسلوكهم وقيمهم، انما هو حديث في الهواء، وهذا ليس غريبا، فالبعض يريد قوانين ديمقراطية من اجل خدمة اهدافه وفي سياق تنافسه مع «سياسيين» آخرين، اما «الشعب الطيب» فالديمقراطية ليست له اصلا، فلماذا يراعون ظروفه ويبحثون امكانية تقبله للديمقراطية وعدم تحويلها الى اداة لفزعة العصبيات؟!
لا قيمة - عندهم - لأزمة الشعوب المأزومة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأحزاب الانفصالية في كتالونيا تخسر الأغلبية في الانتخابات ا


.. بلينكن: الاجتياح الواسع لرفح سيزرع الفوضى ولن يؤدي إلى القضا




.. ترقب في إسرائيل لأمر جديد من محكمة العدل الدولية في قضية الإ


.. طائرتان مسيرتان عبرتا من لبنان إلى إسرائيل وانفجرتا في منطقة




.. الإعلام العبري يرصد التوتر المتصاعد بين إسرائيل والولايات ال