الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تحجبوا أكسجين الوعي!

نذير الماجد

2008 / 7 / 19
الصحافة والاعلام


لا شيء أشد مرارة عند المتصفح لشبكة الإنترنت من أن يجد الموقع المفضل لديه موصدا بأقفال الحجب، وأسوأ ما يعترضه في تجواله على هذه الشبكة المثقوبة والمرقعة بفعل مقصات الرقيب هي عبارة "عفوا الموقع المطلوب غير متاح". إنها الرقابة وسياسة الحجب التي عُرفت بها دولنا العربية فاحتلت الصدارة بين الدول المعروفة بمعاداتها لحرية التعبير، وهذا ليس مستغربا لأن السلطة في قاموسنا نحن العرب تستدعي القمع تلقائيا، حتى باتت لغتنا المحببة هي الصمت، لكن بوسع هذا القمع وتوابعه أن يقدم أجل الخدمات للفكر، ليس لأن الممنوع مرغوب بل لأن ارتفاع جدر المنع والرقابة وتلويث هواء الحرية بميكروبات التجهيل وسموم التلقين كفيل بأن يجعل المحاصر أكثر عناد وإصرار على معانقة الهواء الطلق واستنشاق نسيم الحرية!

لقد تواصل مسلسل الحجب رغم إقبال الإنسان العربي بشغف على هذه التقنية الحديثة التي تمثل له مصدرا نزيها للمعلومة والخبر وتعوضه عن حالة النقص التي تعتري وسائل الاتصال التقليدية التابعة للدولة، دول الخليج عموما ومنذ العام 1999م حين وفرت لأول مرة خدمة الإنترنت لمواطنيها لم تشهد تحسنا ملحوظا للحد من سياسة الرقابة والحجب، وإن كانت متفاوتة فيما بينها إلا أن المقص هو ذاته والمنتصر للحرية ينتصر لها في كل مكان، غير أن الصورة تكاد تكون أشد قتامة في السعودية، فبحسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" تحتل السعودية المرتبة الثامنة ضمن اللائحة السوداء، وهي اللائحة التي تضم أشد الدول عداوة لشبكة الإنترنت، ولأنها في عداد هذه اللائحة فهذا يعني وبكل بساطة أنها ليست على وفاق مع حرية الرأي! في هذا الجو الخانق والمعتم ولدت شبكة راصد الإخبارية كضوء يخترق العتمة والحصار وهي التي لم تسلم من الملاحقة والحجب منذ انطلاقتها في العام 2002م.

المصداقية العالية والنزاهة في متابعة ونقل الخبر والمواكبة المستمرة للمتغيرات أولا بأول والحرص الشديد على إنتاج الوعي وتثقيف المتلقي وتحفيزه على القراءة النقدية للواقع ، كل هذه الأمور شكلت عوامل كانت على الأرجح وراء هذا الطوق من الحصار المفروض على الموقع، هذه السمات استثارت "زبانية الإنترنت" فأحكموا الحصار وسعوا جاهدين لإفشال أي خطوة يائسة لاختراقه، فكلما عثر المتلقي على منفذ أو قناة للشبكة سارع هؤلاء الزبانية إلى حجبه بغطاء فولاذي صلب مختوم بعبارة "الموقع محجوب"!!

أما آن أن ترحمونا أيها السادة؟! فراصد بالنسبة لنا هو المتنفس الذي نتنشق منه أكسجين الحرية بعدما أعيانا الاختناق. إنها تبدو لنا تجربة يتيمة لم تتأصل بعد بين محيط متلاطم من القمع وتعطيل القابلية الإنسانية على التفكير، وكلامي هذا ليس ضربا من التمجيد أو التبجيل، فراصد لا تحتاج إلى شهادة مني أو من غيري، لأنها –وأظنكم تتفقون معي- ليست حكرا على توجه أو تيار دون آخر، بل تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتفتح ذراعيها لكل الأطراف وتتحرى مصداقية الخبر بمهنية عالية وروح منفتحة على كل المشارب والاتجاهات على مستوى الوطن كله، حتى يكاد لا يوجد توجه أو تيار أو حتى فكرة متمردة إلا ولها صدى وترحيب في راصد، حتى "المشاغبين" في أطروحاتهم والمغضوب عليهم لمعاكستهم التيار وعزفهم خارج السرب بات لهم موقع ومكان لافت على صفحاتها، لهذا أجد أن أهم ميزة من مزايا هذه الشبكة هو توفيرها لمناخ من الحريات لم نعتده من قبل، فكان جديدا بكل المقاييس.

ولو قمنا بتصنيف المقالات التي تنشر على صفحاتها تبعا لتوجهاتها الفكرية المتنوعة التي تشكل فسيفساء مجتمعنا لوجدنا الكفاءة العالية في التماهي مع التنوع الفكري والسياسي، فحضور الإسلاميين بتياراتهم المتعددة يوازيه حضور لافت للتوجهات اللييرالية والإصلاحية التي أخذت تتبلور وتعلن عن نفسها كظاهرة حديثة في وسط يتسم بالنزعة المحافظة، ولعل شبكة راصد كانت الأسبق في إبراز ودفع هذه الظاهرة لتصبح أمرا واقعا ضمن سجال وحراك فكري يدفع بعجلة المجتمع إلى الأمام، لكن هذا لم يحدث دون موجة اعتراضات وتذمر. وهكذا كانت راصد محل إعجاب وتذمر في نفس الوقت، وأحسب أن الساخطين الذين يصوبون عليها سهام حنقهم ويرشقونها باتهامات رخيصة كالانحياز أو إثارة الضوضاء والصخب والفتنة لم يعجبهم النهج الوسطي والمعتدل الذي التزمت به راصد، فحسب تصورهم، لا يجوز بأي حال تحريك المياه الراكدة أو إثارة الضجيج رفقا بالكسالى ورعاية لحالة الشخير العام، أما في حالة توفير ولو جرعة من الحرية لصعاليك الارتداد فإنها ستصبح هي الفتنة بعينها وجميعكم يعرف بأن الفتنة أشد من القتل! فلتتضافر الجهود الخيرة إذاً مع جهود خفافيش الحجب لتحقيق هدف مشترك هو تنظيف الشبكة من كل المواقع المخلة بالسكينة!

لكن المفارقة الجميلة أن مثل هؤلاء المتذمرين أنفسهم هم الأكثر متابعةً للشبكة، فلم يخب حضورهم قط، يكتبون المقالات ويناقشونها ومع هذا نجدهم لا يتورعون عن مهاجمة راصد واتهامها بالانحياز وتسويق الفتنة! وأيا يكن فهذه المزاعم والتي تحوم حول ثقافة محنطة تنزع لشنق الكلمة وتحنيطها وتكبيل حرية الرأي ونفي كل ما هو مختلف ومغاير إلى سلة المهملات، لا يمكن –كما أعتقد وأطمح- أن تغير شيئا من سياسة الشبكة التي اقترن اسمها بالتنوع و تقبل الاختلاف. لهذا ينتابني ذعر وخوف شديد كلما وجدت مقالا أو تعقيبا هنا أو هناك يعاتب الشبكة على خطابها المنفتح على جميع التيارات، فرغم إدراكنا بتمسكها بخطابها الحيادي إلا أن ما يؤرق كل محتاج للحرية كاحتياجه للهواء هو فيما إذا كانت راصد ستصمد كثيرا أمام قوى الضغط هذه أم أنها ستنساق وتخضع في نهاية المطاف لهذه الأصوات المجفلة من الحرية والناقمة منها؟! وبالتالي تصبح شبيهة بعشرات المواقع المملة المنتشرة على صفحات الإنترنت والتي تحظى بعناية الرقابة بشقيها الشعبي والرسمي!

مشكلة راصد أنها محايدة –أو تحاول على الأقل- و الحياد هو الشيء الذي إذا توفر تكاثرت معه حجارة الرفض والاعتراض، فلا يمكن أن تلتزم الحياد وفي نفس الوقت تكسب الجميع!! إذ كلما ارتقت درجة في الحياد كلما زادت نسبة التذمر! فأن تكون محايدا لا يعني أن يرضى عنك الجميع بل أن تتقبل الجميع، ولأن الحياد المطلق كذب مطلق كما يقال فإني لا أدعي ولا حتى راصد تدعي أنها تلتزم الحياد مطلقا بل أحيانا تستدعي الظروف الانحياز خاصة في القضايا الحقوقية والتحديث والإصلاح وما أشبه، فهنا لا يمكن لها إلا أن تنحاز..

لكن في اعتقادي أن التحدي الأكبر يكمن في كسر الرتابة الفكرية المستفحلة في مجتمعنا الرافض لأي زحزحة لما عرف بالثوابت، ولعمري أي ثوابت هذه التي تستعمل كأداة حادة تستأصل شأفة الفكر وتفقأ عين البصيرة وتجهز على العقل المزود بقدرة التفكير وفعل الوعي؟!. حجة الثوابت هذه مع ما فيها من ضبابية هي صنو الاستبداد الذي اعتاش عليها وكرسها كمقولة تلجم كل رغبة في النطق والتفكير، وكل ذلك تحت شعار: لا تنطق إلا همسا!!

التحدي الآخر الذي نجحت فيه راصد إلى حد كبير هو تبني سياسة منفتحة ومتسامحة إزاء شركاء الوطن من شتى أطيافه وتياراته الفكرية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز الاندماج والتآلف الوطني رغم الشحن الطائفي ورغم الأصوات الانطوائية المنادية بالقطيعة والتشرذم، هذه السياسة والتي نجحت في تبنيها راصد بامتياز بدأت تثمر عن وعي اجتماعي يتجاوز حالة التقوقع على الذات نحو تحقيق مفهوم أوسع للشراكة واحتضان المختلف مذهبيا وفكريا ومناطقيا. لكن هذا لم يحدث بالطبع على حساب خيار النقد والتشريح للواقع المأزوم، فصفحات راصد حافلة بالدراسات والتحاليل النقدية الهادفة إلى التعرية والإصلاح والتغيير.

النقد والانفتاح إذاً مهمتان أساسيتان اضطلعت بهما شبكت راصد ونجحت فيهما أيما نجاح، صحيح أن مزاولة النقد والفكر عموما لازال في بداياته في أوساطنا الثقافية، وصحيح أن السواد الأعظم من الأفراد والرموز في المجتمع لا يروق له هذا المناخ التشكيكي الذي من شانه خلخلة الأنساق الثقافية السائدة، إضافة إلى استغلال البعض للحريات المتاحة للالتفاف حولها ومن ثم تطويقها ، إلا أن العلاج ليس بمجاراة هذه المومياءات المنبعثة من دهاليز العتمة في مجتمعنا، وليس بمكافأة رعاة تكميم الأفواه، بل بمزيد من جرعات الحرية والوعي..

ملاحظة:
شبكة راصد الأخبارية موقع سعودي يعنى بشؤون المنطقة الشرقية المحاذية للخليج العربي والغنية بموارد النفط والغاز، هذه الشبكة تعتبر الأبرز حضورا ونشاطا في ميدان الصحافة المحلية على الإنترنت لكن السلطات مصرة على حجبها الذي تكرر عشرات المرات ضمن سياسة يضعها البعض في سياق الحساسية المذهبية و التمييز الطائفي ضد الأقلية الشيعية في شرق البلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف