الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الفلسطيني: يمين ويسار معاً

عمار ديوب

2008 / 7 / 19
القضية الفلسطينية


نقاش مع ورقة"حول حوارات اليسار الفلسطيني"المقدمة من سلامة كيلة وغازي الصوراني

لا تتقدم أية حركة سياسية،إن لم تعي متغيرات الواقع ،وتحدد دورها المركزي في تلك المتغيرات،وبغياب ذلك الفعل، فهي تنساق خلف أدوار الآخرين .وتتهمّش تدريجياً .وقد تندثر .وقد تستمر حفاظاً على مصالح قياداتها أو إلفة أعضائها بأنهم أبناء تلك الحركة أو الحزب، وقضوا زمناً طويلاً فيها.وبالتالي لا يستطيعون الخروج منها،والانتقال لغيرها أو الجلوس في المنزل.
اليسار الفلسطيني كما اليسار العربي لم يستطع أن يتصدى لمهام حركة التحرر الوطني والديمقراطي والقومي،فحدّد موقعه في إطار موقع السند والتبعية للحركات القومية الممثلة للبرجوازية الصغيرة،التي ما فتأت تتبلور حتى أصبحت هي الحركات الممثلة لواقع اتفاقيات سايكس بيكون والدولة القطرية ووعد بلفور .وما أوصلتنا إليه الاستعمارات الأوربية والأمريكية والمشروع الصهيوني.وبالتالي لم يستطع هذا اليسار تجاوز دوره التابع.ولهذا حدّد دوره خلف فتح واليسار العربي خلف البعث أو الناصرية أو الجنبلاطية.وهذا الموقع هو ما أوصل اليسار إلى اللبرلة لاحقاً والضياع والتهميش وتحقيق مصلحة بعض قياداته وتحوّله من أحزاب شيوعية إلى أحزاب الشعب والليبرالية.
لاشك أن معظم ما تضمنه النص"حول حوارات اليسار الفلسطيني"يحتوي معالجة أساسية لأسباب الفشل في مشروع اليسار الفلسطيني وطرق المعالجة.ولكن النص يفترض أن القوى الفلسطينية(الجبهتين وحزب الشعب والفعاليات الماركسية الأخرى) لا يزال مشروع اليسار يعنيها،أو أنها بالفعل حركات سياسية وإيديولوجية وبالتالي تستهدف المشروع التغييري للواقع المشكل.وهذا خطأ كبير،حيث أن هذه القوى ،أصبحت لديها الكثير من التحولات والتوجهات التي تبعدها عن تمثيل مشروع اليسار أو الماركسية بشكل دقيق . وأقصد بتوجهاتها الفكرية والسياسية.ويُلمس ذلك من طبيعة برامجها السياسية(حل الدولتين عن طريق الشرعية الدولية)والاجتماعية(التدين في بعض أوساطها،وانفضاض الكوادر عنها)والاقتصادية(المساعدات المالية من منظمة التحرير وبالتالي من المساعدات الأوربية أو السعودية وغير ذلك)وكذلك من طبيعة علاقاتها مع السلطة في غزة والضفة أو الأنظمة العربية،وهذا لا يعني عدم وجود توجهات يسارية جادة لديها، ولكن الميل العام لديها، يفرض إعادة النظر بجدية فائقة في ممارساتها ورؤاها بما يخص مشروع الدولة الواحدة وإلغاء مفهوم الحل المرحلي، وتبني خيارات اقتصادية بعيدة عن الدعم الخارجي وممارسات اجتماعية باتجاه العلمنة والمواطنة والعقلانية، ونقد الرؤى الغيبية ،ورفض التحالف مع قوى الإسلام السياسي إلّا بما يخص المقاومة.
وبالتالي لا بد من التدقيق بالفعل ب"معنى اليسار"وحتى بمعنى"اليسار الماركسي"ومن هذه الزاوية،لا أعتقد أن هذه الورقة ستساهم في حوار بين الماركسيين.وعدا عن ما قلناه،فإن معظم مثقفي تلك القوى هم: إما يخدمون رؤى وبرامج قواهم ويساهمون ببقاء أزمة اليسار فاعلة.وإما باحثين عن رمق العيش ومصالحهم الخاصة والتنظير بما يتوافق مع تلك المصالح،وعدم تعارض ذلك بالمطلق مع القوى المنقودة أو السلطة"الوطنية" تحت الاحتلال.وبالتالي، حساب الخطوات جيداً كي لا تصل الخسارة إلى المصالح الشخصية ولقمة العيش وهذه مشكلة أكثر من كبيرة.
ما أريد قوله:إن الواقع الذاتي لليسار الفلسطيني والعربي واقعاً شديد التعقيد والتشاؤم ويتطلب رؤية تتجاوز تشخيص الأوضاع"السياسية والفكرية والتنظيمية"لليسار كقوى وأحزاب نحو تشخيص يتضمن ذلك ويشمل البنية النفسية والواقع المعيشي والاجتماعي الذي يعاني منه أغلب كوادر تلك القوى وخصوصاً مثقفي اليسار. ولذلك يذهب كثير من هؤلاء إلى العمل في المنظمات غير الحكومية،أو الالتحاق بمؤسسات السلطة أو حتى نحو الإسلام السياسي وكذلك تبني الليبرالية.
وكذلك الانتباه إلى درجة التأزم في الواقع الموضوعي ، والتي تخلق حالة إنتباذ أو نبذ عن الفعل اليساري ،رغم أن هذا الواقع وبشكل مجرد وبصورة منقطعة عن اليسار الواقعي ذاته، يستدعي وجود اليسار الماركسي الثوري وبشكل لا محدود،وهذه قضية تقتضي التفكير والبحث الدائم فيها كي تفهم وتحدّد ويتمْ تجاوزها،خاصةً وأن اليسار لا يزال يدور ويركن في فلك أزمة سقوط التجربة السوفيتية أو إدارة الظهر كليةً لكل ما يخص اليسار والماركسية نحو الليبرالية بصورة كاركاتورية وهنا مقتله وخرجه من التاريخ.
استهدف من الفقرة السابقة القول:أن الفكر والايديولوجيا والسياسات والبرامج التي اتخذها اليسار كان لها دوراً تهميشياً ولا يزال. فمع تصاعد الحركة الوطنية العامة وتراجعها كان يتصاعد بداية ثم يتراجع بتواكب معها .وبالتالي لم يكن له دور مستقل وفاعل في تثوير الحركة الاجتماعية بقدر ما كان خلفها وهي أمامه .ومع ثورة الشعب وُجدَ وعبّر عن بعض شرائحه والعكس صحيح،حين تراجعت الحركة الشعبية.ولذلك لا بد لليسار من العودة إلى نفسه ومراجعة تاريخه وتنظيراته وممارساته والاستقلال؛ بتكوين رؤى فلسفية وسياسية واقتصادية والعمل وفقها، وبشكل جليّ وواضح واستباق الحركة الشعبية وتلمس الطريق نحو التغيير الثوري، ولا يزال لديها إمكانية في هذا الإطار،و لاسيما لدى جزء من كوادره.
هذا التوجّه ، يقتضي بالضرورة القطع ،بالمعنى المعرفي،مع التوجهات السائدة لليسار الفلسطيني.وربما مع بعض قيادات هذا اليسار بالمعنى الواقعي،نظراَ لواقعيتهم الشديدة التجريب والاستكانة والاستقالة عن الفعل التاريخي.والعمل على خلق يسار جديّد،لا يقطع مع الماضي الثوري لهذا اليسار – ولا مع كوادره اليساريّة الجذريّة- ولكل الحراك المقاوم والسياسي الفلسطيني والشعبي وتثمينه والإشادة به .ولكن وكذلك ينطلق من الحاضر والمساهمة في صنع المستقبل، وضرورة أن يلعب دوراً قيادياً في حركة التحرر الوطني والديمقراطي والقومي ، ليس في فلسطين، كل فلسطين، بل وكذلك في الوطن العربي برمته.حيث أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والامبريالية العالمية والبرجوازيات العربية التابعة تعمل بالضد من تشكّل تلك الحركة،والتي بدونها ، لن يكون العرب أمة بين أمم الأرض المتقدمة.
القول إن"المشكلة منذ البدء كانت في اليسار"صحيح.وباعتبار الأمر كذلك،فإن اليسار الحالي، وريث ما سبق ، وتقف أمامه عقبات كثيرة كي يساهم في"الوحدة المنشودة"لأنّه هو كان في أصل المشكلة والأزمة.وهذه قضية تستحق النقاش ولكن الحذر من الغوص في الأوهام عن إمكانية كبيرة ووحدة شيوعية ثورية وفاعلة ،إن كانت تلك القوى صاحبت اليد الطولى في هذا النقاش ، ولنا في سوريا معجزات عن أوهام توحّد اليسار وعدم تحقيقها واقعياً،وهذه ربما نظرة تشاؤمية،وآمل أن يتجاوزها اليسار الفلسطيني ويستفيد من تجربة اللبنانيين الأخيرة والتي تشي بمستقبل أفضل من اليسار السوري والعراقي والمصري..
ما تضمنته الورقة عن مستلزمات تشكل يسار حقيقي ، لا غبار عليها،في كل بنودها الستة ،بالإضافة لضرورة التأكيد على ضرورة تغيير السلطة الفلسطينية – كما تشير نفس الورقة ولكن في مكان آخر-وكذلك رفض حركات الإسلام السياسي التي تميّز بين المواطنين وتشوّه الصراع ضد إسرائيل من كونه صراعاً عربياً ضد دولة استعمارية عنصرية طائفية وتستهدف العرب كل العرب إلى كونه صراعاً دينياً بين الإسلام وأقصد حركات الإسلام السياسي وبين اليهود وعدم التفرقة بين اليهود والصهاينة ومن مع دولة واحدة في فلسطين ومن مع دولة صهيونية وضد دولة فلسطينية حقيقية، تشمل فلسطين بأسرها.وبالتالي على اليسار أن يكون واعياً للمهمات التاريخية التي يتصدى لها وأن العلمانية والمواطنة وفصل الدين عن الدولة هي من مستلزمات تشكّل يسار حقيقي وفاعل.
وأخيراً أتقف مع التأكيد على أن "الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل فلسطين ،وإنها جزء من المشروع الامبريالي للسيطرة على الوطن العربي،وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى أطراف حركة التحرر الوطني الديمقراطي الفلسطينية والعربية عموماً واليساريين والماركسيين منهم خصوصاً انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء ومعاناة نفسية وذكريات جميلة.. تفاصيل مراحل مختلفة عاشته


.. فرنسا تدعم مسعى الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قاد




.. ما رمزية وتداعيات طلب مذكرة توقيف بحق نتنياهو؟


.. إيران تبدأ تشييع رئيسي.. ومجلس خبراء القيادة يعقد أول اجتماع




.. الحوثيون يعلنون إسقاط مسيرة أمريكية في محافظة البيضاء| #الظه