الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقوق الفكرية: حقيقةٌ أمْ وهْمٌ؟؟؟...

يوسف هريمة

2008 / 7 / 20
حقوق الانسان


لم يعد سؤال الفكر سؤالا ذا طابع تجريدي بعيد عن إفرازات واقع العولمة المعاصرة، وما فرضته من أنماط عيش مختلفة وأساليب تفكير متنوعة، ولم يعد الفكر ضربا من التنظير ورسالة تتجاوز حدود الذات والأنا، والمصلحة المرتبطة بكل صور العولمة المطبوعة بهذا المسلسل المادي المتسارع بمختلف مستوياته. كان الفكر هو ذلك الجدل والصراع الذي يخوضه الإنسان من أجل تحقيق الذات بغية التواصل الإيجابي معها، ومع المحيط ومع الآخر المعبر عن الاختلاف مع الأنا، وكان المفكر رسولا يحمل رسالة إنسانية في أبعادها لا تقف عند خط الخصوصية والهوية، بل تتعدى ذلك لتعْبُر آفاق الإنسان معبِّرة بذلك عن هذا الخط التصاعدي في مسيرته، ومحطِّمة كل التحيزات التي تقف عثرة على باب هذا الأفق المتسع في أبعاده وقيمه المختلفة.
كان الفكر يضرب بيديه الحجر ليصل إلى العمق الإنساني، وتصل الإنسانية إلى ما هي عليه من النعمة النسبية في كل شيء، ويخترق حدودا كانت بالأمس القريب رجما بالغيب، ولم يكن حامله سواء كان فلسفة أو تاريخا أو اجتماعا أو دينا أو سياسة يسعى لتضييقه تحت مسمى الحقوق المحفوظة أو حقوق الإنتاج، كما لم يكن صاحب الرسالة أيا كانت هذه الرسالة يفتش عن قاموس النخبوية والتمركز حول الذات المقدسة المنتجة والمبدعة. أقول هذا لأن أمامي تاريخ طويل من الفكر والعمق الإنساني يتجلى في هذا التراكم الفكري البديع من الأعمال والإبداعات المختلفة، التي نعيش على إيقاعات نعمها يوما تلو الآخر، ونترحم على كل من مهَّد للإنسانية الخروج من ظلمات الجهل بدء بتنظيره الفكري، وصولا إلى ترجمته إلى واقع يتجسد بين أعيننا لا انفكاك لنا عنه. لن يطالبنا كل مفكري العالم ومن مهَّدوا للإنسان الخروج إلى النور منذ ظهر التفكير كنسق من الحياة الإنسانية بحقوقهم الفكرية أو رغباتهم الشخصية شهرة كانت أو مآرب أخرى، ولكن عمق الرسالة كانت في حجم هذا الامتداد الفكري بين الماضي والحاضر أخذا وعطاء واستفادة، لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين أن شهرتهم الحقيقية تتجلى في نشر رسائلهم دون طبعها بطابع الخصوصية والعنصرية، وأن إضافتهم النوعية هي من ستكسبهم احترام الآخر والحياة في الضمير الإنساني إلى أبد الآبدين، وليس شواهدهم الأكاديمية أو رتبهم الاجتماعية المرتبطة بواقع أفرزته ثورة الحقوق والتنميط الاقتصادي.
أحببت أن تكون هذه مقدمة أجلب معي فيها القارئ الكريم للتأمل، وأدعوه للتفكير ملياًّ بإعمال عقله في موضوع له خطورته وحساسياته المختلفة، دون أن يكون منطق رد الفعل هو المستحكم في زمام كل عملياتنا الفكرية بناء على مسبقاتنا أو خلفياتنا، فالموضوع قيد الدراسة هو موضوع آني دفعني إليه مجموعة من الاعتبارات الخاصة، والموضوعية المرتبطة بواقع أفرزته ثقافة اقتصادية ربطت كل شيء بالحق دون النظر إلى البعد القيمي والإنساني في العملية كما كانت تعرف أيام كان الفكر رسالة دينية وأخلاقية وسياسية واجتماعية وثقافية، ولم يكن حقا شخصيا إلا حين تميَّعت الحقوق وأصبحت إبادة الإنسان وتهجير الشعوب وحصار الأوطان وقتل الصبية والنساء والشيوخ حقا يتغنى به رب هذا العالم، وبنو الجلدة تحت وقع الصدمة الكبرى يهتفون:" وكاد فرعون أن يكون رسولا ". فهل الحقوق الفكرية حقيقةٌ أمْ وهْمٌْ؟؟؟...
1- ماذا لو طالبنا المفكرون بحقوقهم...؟؟؟:
ظل سؤال الفكر والمفكر يؤرقني وبين عيني تاريخ طويل من المسار الفكري، لأطرح سؤال ماذا لو كانت الحقوق الفكرية حقيقة، وطالبَنا حاملوا المشاريع الفكرية بحقوقهم بدء بالبدايات الفلسفية وتاريخها ونشأتها، وصولا إلى المشاريع الدينية ورسلها وأنبيائها وكل دعاة الإصلاح بمختلف مستوياتهم وطبقاتهم، انتهاء بالتاريخ القريب وعصر الأنوار والنهضة والأفق الإنساني الرحب؟ ماذا لو طالبوا هذا التاريخ الطويل واعتبرونا سارقين لكل إبداعاتهم ونعيمهم وأقاموا محاكم تفتيش على السارقين والسارقات؟ ماذا لو طالبونا بالإشارة إليهم في كل لحظة ننعم فيها بإبداعهم أو اختراعهم أو فكرهم أو إنتاجهم ونحن أكبر منكري الجميل الإنساني، بدل الترحم ولو بكلمة على من أهدانا السبيل، بعد أن كانت ثقافة الرعاة تسيطر ولا زالت على العقل العرباني؟ ماذا لو أقاموا لجنة للتحقيق في أكبر الجرائم الإنسانية، حين يعلموا بأن من ينعمون بفكرهم وإبداعهم لا يعترفون لهم بالحق الفكري، بل ينسبوه إلى أنفسهم في الكثير من الأحيان تغنيا بالماضي الوهمي والحضارة البائدة؟...
يبدو أن الأسئلة تتناسل أمامي معبِّرة عن استحالة هذا الأمر وصعوبته، فالحق الفكري لم يكن إلا وهْمًا في ذهن من عاش ثقافة البيع والشراء Marketing واعتبر أن الفكر سلعة تباع وتشترى في سوق النخاسة، وليس رسالة تتجاوز صاحبها لتعانق الأفق المبين، معلنة بدء اللانهاية في المسار التاريخي المرتبط بالسيرورة الإنسانية المتجاوزة للنظرة الاقتصادية الضيقة.
2- الفكر لا ينشأ من فراغ:
لو تأملنا حقيقة الحقوق الفكرية لوجدناها مبنية على أساس وهمي، مرده بأن الفكر صناعة ذاتية خالصة تجعل بموجبها الحق للفرد بالتصرف فيما يسميه فكرا أو غير ذلك، غير أن طبيعة الإنسان وواقعه يأبى أن يجعل من هذا الأساس شيئا ذا بال، والفكر هو عبارة عن مجموعة من المعارف والجدليات المختلفة المتصارعة فيما بينها، والممتزجة ضمن نسق من الأفكار الأخرى التي يدخل فيها الإنسان طرفا إما استفادة أو تطويرا أو تحويرا أو نقدا أو بناء عبر المراكمة والاستيعاب، فعبثا يحاول الإنسان أن يوهم نفسه بأن فكره حق له، وهو الذي يسير وسار وفق مسار طويل عَبَر من خلاله محطات مختلفة من الأخذ والرد، وما الحقوق إلا نظرة ضيقة ارتبطت بالجانب الاقتصادي حولت مسار الفكر من الرسالة الشاملة إلى الحق المادي والبحث عن الاسم، ليصبح هذا الأخير خادما لمصالح شخصية لا تتجاوز الفرد، بدل أن يكون خادما لهذا الامتداد الكبير من التاريخ الإنساني الذي يُعتبر ما يسميه فكره هو نقطة في بحره شاء أم أبى.
3- الفكر وتهمة السرقة:
يعد هذا التداخل بين المسار التاريخي الفكري الضارب في أعماق الإنسانية أمرا مركبا ومعقدا يصعب معه الحديث عن السرقة والاختلاس، وإلا أصبحت كل المؤسسات الفكرية الدينية والسياسية والتاريخية مؤسسات سارقة لأن الإنسان يترجمها إلى سلوكات فعلية دون أن يشير إلى أصحابها، ويعتبرها مسألة شخصية مرتبطة بقناعاته بغض النظر عن حامليها سلبا أو إيجابا، ولكان كل هذا المسار التاريخي مليئا بمحاكم ولجان تحقيق واستنطاق وكشف للسرقات ومتابعات، ولانتهى تاريخ الفكر منذ عهد طويل وانتهت الحياة بعده لسيرها في مضمار عولمة ثقافية اقتصادية أطرت بمفاهيمها كل التصورات وقولبتها في قالب لن ينتج الرسول وحامل المشروع المتجاوز لحدود الذات، بقدر ما ينتج تاجرا بمفاهيم تتلون حسب الظروف الزمكانية لتأخذ بعدها المقدس عبر مستويات عديدة، فالسرقة في الإنتاج الفكري أمر صعب تحقيقه لما قد أشرنا إليه سابقا، وعلى من يريد أن يكون رساليا أن يتجاوز منطق الفكر الخالص، وإلا سيتحول عاجلا أو آجلا إلى تاجر بمفاهيم نظرية تأخذ طابع الفكر تأتي على كل المشروع ومصداقيته من أساسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي


.. لدعم أوكرانيا وإعادة ذويهم.. عائلات الأسرى تتظاهر في كييف




.. كأس أمم أوروبا: لاجئون أوكرانيون يشجعون منتخب بلادهم في مبار


.. أزمة اللاجئين في مصر: مطالب بدعم دولي يتناسب مع أعباء اللاجئ




.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع