الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثمان المنتجات الزراعية المستعرة، والوقود الزراعي، و الرأسمالية الخالصة-. هل نحن ازاء انعطاف؟

دانيال تانورو

2008 / 7 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ليس استعار أثمان المنتجات الغذائية أمرا عرضيا. فهو مترتب بشكل أساسي عن العلاقات بين الصناعة والزراعة الرأسماليتين التي سبق لماركس ان أوضحها في كتاب الرأسمال بقوله :" من طبيعة الأشياء أن المواد النباتية والحيوانية التي يخضع نموها وإنتاجها لبعض القوانين العضوية ويرتبط بآجال طبيعية محددة لا يمكن زيادتها فجأة بنفس قدر زيادة الآلات مثلا التي يمكن إعادة إنتاجها( ما لم تتغير الظروف الطبيعية) بسرعة في بلد متطور صناعيا. إنه من الممكن إذن، وحتى من الحتمي،(...)ان يتجاوز إنتاج وزيادة قسم الرأسمال الثابت المتمثل في رأسمال قار ( آلات، الخ) بشكل كبير قسم الرأسمال المتمثل في مواد أولية، على نحو يجعل الطلب على هذه يرتفع بسرعة اكبر، مؤديا إلى ارتفاع الأسعار".

التهافت على المحروقات الزراعية

ُيفاقم التهافت على المحروقات الزراعية هذا التناقض إلى أعلى درجة، ويفتح هذا مساحة كبيرة للمضاربين، الذين ُيفاقم نشاطهم بالمقابل ارتفاع الأسعار. يمكن،على صعيد التحليل، ان نستنتج من ذلك ان المحروقات الزراعية تشكل الحلقة الأضعف بامتياز في الرد الرأسمالي على التحدي الطاقي- المناخي. فهدا الرد، المتبلور بتحسس، تحت ضغط اللوبيات الصناعية المتنافسة، ينيخ بثق متطلباته على الزراعة من كافة الجوانب: لا يتوجب على هذه أن تؤمن غداء البشرية وحسب، بل ان تمتص أيضا الكاربون، وتضمن سير السيارات، وتنتج الكهرباء والحرارة، وتحمي التنوع الإحيائي والمناظر الطبيعية، وتمد بمواد البناء و البلاستيك المتحلل بالأجسام الحية biodégradable ... جلي ان هذا مستحيل. فليس بوسع الكتلة الحيوية أن تقوم بكل شيء في الآن ذاته بتلبية متطلبات النمو التي يمليها الرأسمال في كل مجال. يمكن تأجيل الاستحقاقات، وإرجاء المشكل بكل صنوف الوسائل ( التي لها بالمقابل آثار ضارة إلى هذا الحد أو ذاك)، لكن يستحيل القفز عن هذا الواقع المرير: ثمة حدود ولا بد من الاختيار.

من سيختار؟ وكيف؟ وبحسب ماذا؟

انه السؤال الأساسي، لأن ملء مخازن وقود الشاحنات والطائرات التي تنقل البضائع نحو الطلب الموسر أهم من تغذية أناس فارغي محفظة النقود بقدر فراغ معدتهم. من زاوية علاقة الكلفة بالإرباح لا مطعن في الأمر. ومن زاوية النظر الاجتماعية الأمر غير مقبول. يترتب عن ذلك أن الوقود الزراعي، علاوة على إبرازه الطابع المنظومي المتزايد لأزمة الرأسمالية، يوضح رهانا مجتمعيا، وحتى حضاريا، يمكن تلخيصه ببساطة: بفعل منطقه الملازم سيحاول النظام الرأسمالي، بوجه التحدي المناخي-الطاقي، ان يحل مشكل تربيع الدائرة الإنتاجية بهجوم حاد على شروط وجود ملايين الناس، وحتى ضد هذا الوجود ذاته. ومنذئذ يشكل قول إن نمط الإنتاج هذا لم يعد حاملا لأي مشروع إنساني قولا ضئيلا، فهو يراكم إمكانات همجية غير مسبوقة.

يمكن قلب الاتجاه، وتفادي الكارثة المناخية- الرأسمالية التي يجري تحضيرها، ورسم بديل جدير بهذا الاسم. لكن نقطة الانطلاق التي لا غنى عنها متمثلة في فهم ان نمط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الرأسمالي ( وليس " سلوك الناس")هو فعلا أم المشاكل. هذا النمط غير قابل للاحتمال وتوضح الطرفية الراهنة ذلك ايما توضيح : ففي سياق مطبوع بتقلص الموارد من المحروقات و بما تفرض الحالة المناخية من تخل في المدى القريب جدا عن المحروقات الاحفورية، يستحيل ببساطة مواصلة إنتاج سلع كمالية بتدفق متوتر على صعيد عالمي، بتعويض ميل معدل الربح إلى الانخفاض بفيض إنتاج- استهلاك منتجات تهرم بسرعة اكبر فأكبر، و وتعويض خفض حصة الأجور بزيادة استهلاك الكماليات. لا يمكن لهذا السيناريو الإنتاجوي المعولم والمتزايد تفاوتا إلا ان يفضي إلى تركيب أزمات بيئية واجتماعية بالغة الحجم. و لا غنى، لتفاديها، من اتخاذ تدابير تكسر منطق التراكم الرأسمالي وتعيد الاعتبار للمبادرة العمومية و تعيد توزيع الثروات على نحو جذري بالشمال كما بالجنوب.

البعد الاجتماعي والبعد البيئي: معركة واحدة

لكل مصيبة ، في هذا السياق، عوض: بجرها الأسعار الزراعية خلف أسعار البترول، تبرز السياسة الليبرالية-الإنتاجوية المجنونة بجلاء أن البعد الاجتماعي والبعد البيئي لا يشكلان سوى معركة كونية واحدة. لم يعد ممكنا الاعتراض على انخفاض مداخيل العمل دون تشهير بالتهافت على المحروقات الزراعية. من الآن فصاعدا بات الدفاع عن شروط حياة الأجراء يستتبع الاعتراض في الآن ذاته على السياسة المناخية، والطاقية، والزراعية للرأسمالية المعولمة. لا يسير احدهما دون الآخر.. إننا إزاء انعطاف. ليس الأمر بأي وجه حادثة سير، فهذا الانعطاف مترتب عن تطور مركب للصناعة والزراعة الرأسماليتين كان ماركس قد أدرك جيدا ديناميته حين كتب يقول:" تعمل الصناعة الكبيرة والزراعة الكبيرة المستغلة صناعيا في نفس الاتجاه. كانتا في الأصل تتمايزان لأن الأولى تدمر أكثر العمل، وبالتالي قوة الإنسان الطبيعية، والأخرى تدمر بشكل مباشر أكثر قوة الأرض الطبيعية. لكنهما تنتهيان، بتطورهما، بمد اليد إلى بعضهما: ينتهي النظام الصناعي بالقرية أيضا إلى إنهاك العمال، وتمد الصناعة والتجارة، من جهتهما، الزراعة بوسيلة إنهاك الأرض". هذا ما وصلنا إليه. ولاستعارة عبارة ميشال هوسون، نقول إننا دخلنا بالكامل "رأسمالية خالصة" كما وضع نموذجها ماركس. ولن يكون الرد غير " اشتراكية بيئية خالصة" تدمج المطالب الاجتماعية والبيئية في منظور تحرري واحد. لكن يجب ان تنغرس هذه الاشتراكية البيئية في النضالات الاجتماعية الملموسة. و بهذا الصدد، ربما يفتح الوضع الراهن، بما يميزه من تركيب التوترات حول القدرة الشرائية، والطاقة، والمناخ وحول الموارد الغذائية، إمكانات غير مستغلة كفاية لإدخال المسائل البيئية في نضالات الأجراء، في المنظمات النقابية، لا بصفتها مسائل موازية بل كمسائل اجتماعية مباشرة. وإن قام اليسار الراديكالي بدور أهم على هذا الصعيد، فسيتعزز بما هو حامل لبديل مجتمعي شامل.

المصدر: موقع الرابطة الشيوعية الثورية – بلجيكا

تعريب: جريدة المناضل-ة











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف


.. فيديو يظهر الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهر




.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي