الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المساء مساء

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2008 / 7 / 21
الادب والفن


إلى نصر أبو شاور

للبرتقالِ زيتٌ خفيٌّ يعطي الهواءَ نرجسَهُ الكلّي، يعدُّ الحقلُ غرسَهُ فلا يجدُ خشخاشةً كانت مصمَّمَةً لعيدٍ سيأتي مرةً واحدةْ، يقبِّلُ الأشواكَ ويجرّبُ الموانيء واحداً فواحداً، ينتبهُ بكلِّ رملةٍ في روحِهِ أنه لم يعد حقلاً، وأن المسافاتِ بين الشجرْ قد صارت مجازاً، ويفطنُ كذلكَ إلى أن الوقت قد نزفَ أكثرَ مما يجبُ على أرضٍ أقلَّ مما يجبْ.

الشمسُ تحمِّصُ اشتياقاً نسيَتْهُ امرأةٌ على بابِ مقبرةْ، يمرُّ الشتاءُ دون أن يكترثَ لعطش القبورِ المستوحى من أسطورةٍ تحدث ما زالت، ولم يكن أحدُ يفسّرُ البكاء من قبلُ أنه دموعٌ يردّها الراحلونَ كديونٍ لمن تبقّوا ليرتبوا الذكريات بأنواعها البربريّةِ وأشكالها الأكثر إثارةً للموتِ من ذات الموت، صبيٌّ بعيدٌ يمشطُ شعرَ أختِهِ كي لا تفتقدَ أمها التي لم تعُدْ من السوقِ منذ عامين.

الفم الذي من فاكهةٍ مخمّرةٍ ونحاسٍ شرّيرٍ تدفعُهُ الآلاتُ التي تنتجُ عبواتِ أفكارٍ بأحجامٍ كثيرةٍ وصلبةٍ ومزمنةْ، الفم الذي من عرائسَ وتفاهاتٍ وأغنياتٍ ودخانٍ وزفراتٍ وقُبَلٍ محرّمةٍ وأخرى خارجةٍ عن المنفى إلى المنفى، الفم الذي لا يعني أحداً فيما تعنيه القصائدُ مثلَ زوجةٍ حديثةٍ، لم أرَهُ في المهرجانِ الأخيرِ الذي فتَحَتْهُ الشمسُ، ولم يكن غائباً تماماً إلا كغفوةِ مسيحٍ على صليبٍ دونَ جمهورٍ للقيامةِ، ودون قيامةٍ لأحدْ.

خبَّأَتْهُ بنتٌ من زجاجٍ في حضنِها النديِّ كي تزرعهُ في حديقةِ بيتِها المستقبليّ، أعجبها منطقُ جسَدِه الأخيلي، تمنّتْ أن يموتَ كي تختبرَ مشاعرَها تجاه بندقيّته وشفتيه، ما زال يأتيها في نومِها ويقظتها كشعورٍ فائضٍ عن قدرتها على الشعورِ، تصلي لتعيده حياً، وكأن أمنياتِها قتلتْهُ دونَ أن تعرفْ أن الموتَ لم يكن غيرَ قُبلةٍ كان أعدّها بنفسه لنفسِهِ في حوارٍ لم يُجِدْهُ غيرَهُ، ضاغطاً على جرس الوقتِ.. المقابلةُ انتهت.

ترفُّ حمامتان من تعبٍ.. يسقطُ الريشُ كوسادةٍ على الرملِ المبلَّلِ بحقيقةٍ كان يطردُها من نعاسِهِ القصيرْ، دائماً خاطَ جيباً سرّيّاً ليحبسَ بكاءه المُذهلْ على ضحايا الضحية، رأيته مرةً ـ مثلاً ـ يصبغُ عصفوراً بلونٍ غريب، ومرة أخرى ـ مثلاً ثانياً ـ يطلق النارَ على قوسِ قزحْ، وحين دعَكَتْ الدهشةُ ملامحي قال: لو أن رصاصةً تخترقُ القوسَ: ألا تسيلُ الألوانْ؟

رجعَ المساءُ مساءً، إمرأةً تجلسُ تحتَ برتقالةٍ كأنها زمنٌ راكدٌ في حضنِ زمنْ، كان طيفُهُ يبني سوراً داخلَ السورِ، وأغنيةٌ قديمةٌ ترفُّ مثلَ دوريٍّ يتعلّمُ الطيرانَ دونَ أمٍّ أو زقزقةْ، المطرُ يفسّرُ الفصولَ فيما يفسّرُ جلدُهُ المطرَ ويغنّيهِ كواجبٍ أو كجنديٍّ بعقيدةٍ قديمةٍ لا تُقاسُ.

المشهدُ جامحٌ ومبتلٌّ بتحولاتِ عينيه وآفاقه الدائريةِ، وفيما الجميعُ يملأون الفراغَ الهائلَ بين أنفاسِهِ وقصائدِهِ، كان ـ وقد انتهى من عملِه في الحقل ـ يرصدُ قوساً تسيلُ ألوانُهُ، دون أن تبلغَ الأرضْ.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال


.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان




.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ