الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الكريم قاسم

سعدون محسن ضمد

2008 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في بداية سنة 2003 كانت صور الرئيس (أو الزعيم) عبد الكريم قاسم تملأ المقاهي أو المحال التجارية أو حتى واجهات بعض البيوت في منطقة الكرادة (مثلاً). وكان ذلك مصدر استفزاز بالنسبة لي. فأنا الذي ترعرعت خلال سني حكم البعث لم أجرب طعم الرئيس المحبوب بل لم أكن أصدق بإمكان وجود مثل هذه الظاهرة. ولوقت قريب كنت أعتقد بأن تلك الصور لا تعبر عن غير التحدي، أو الثأر أو النكاية أو أي شيء آخر غير الحب. فلم يكن من السهل عليَّ الإيمان بوجود طاقة من الحب تستطيع أن تتوجه لشخص الحاكم. مهما كان لون هذا الحاكم أو طعمه أو رائحته، فهو سياسي في نهاية المطاف ولا يجب أن يتوجه الحب لقبلة مثل قبلة السياسي.
بعد ذلك، ولسبب ما عدت اتذكره، قررت أن أسأل الأشخاص الذين يقومون بتعليق تلك الصور عن الأسباب التي تدفعهم لذلك. وألححت بمحاججتهم وربما إحراجهم. كنت مدفوعاً بشعور غريب يجعلني أحرص على استنزافهم بالحجج والبراهين التي توصلهم في نهاية المطاف للاعتراف بأنهم يعلقون صورة الزعيم فقط من أجل النكاية. لكن مثل تلك الاعترافات بقيت صعبة المنال، نعم انتزعت اعترافاً او اثنين او حتى ثلاثة، لكن أصرَّ الآخرون على موقف الحب، والمشكلة بالنسبة لي تمثلت باكتشافي وجود قناعات راسخة بهذا النموذج من القادة.
مع ذلك بقيت لا أؤمن بهذا الحب، فأنا على كل حال لا ادَّخر العواطف لأبعثرها على الزعماء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، امتلك من التشاؤم ما يكفي لتعرية أكثر هؤلاء قدرة على التخفي، ما يجلعني محصناً من أمراض حبهم. لكن مع ذلك لم أستطع أن أضع العواطف الجياشة التي وجدت أن عدداً كبيراً من العراقيين يوجهها لقبلة الزعيم عبد الكريم قاسم في خانة أخرى غير خانة الحب الصادق والنبيل الذي يمكن أن تكرسه جماهير ما لقائد لم يمض سنين عمره بإهانتها والتلاعب بمصيرها.
لكن مع غض النظر عن كل ذلك، ومع غض النظر عن رأي البروفسور متعب مناف الذي يؤكد ضرورة أن يُقيَّم الحدث التاريخي داخل بيئته الزمانية وجملة ظروفه الموضوعية. لا أجد بداً من وضع عبد الكريم قاسم بخانة الأخطاء التاريخية. صحيح أن رأي متعب مناف يوبخني أنني أتجاهل ضرورات مرحلة الرجل، وصحيح أن هذا الرأي يجعلني أشك إن كان قاسم سيقوم بنفس الثورة فيما لو أنه عاش تجربة ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم تلك التجربة التي اقتلعت اكذوبة القائد الفذ من جذورها العفنة. أقول كل ذلك صحيح لكنه لا يغفر لعبد الكريم أنه عاد بالعراق من الثقافة السياسية المبنية على التعدد، إلى تلك المبنية على الاستبداد. كل ذلك لا يغفر لعبد الكريم قاسم أنه فتح الباب واسعاً أمام حقبة البعث المشؤومة.
من حق محبي عبد الكريم قاسم ان يحتفلوا بذكراه، لكن عليهم أن يتذكروا هذه الثيمة المهمة جداً، وعليهم أن يصدقوا بأن الرجل قد ساهم بشكل محزن بإعادة العراق لما يقرب من مائة سنة إلى الوراء. فلو أنه لم يهدم الدولة المدنية البرلمانية لكان الوضع في العراق الآن مختلف تماماً عما هو عليه. عليهم أن يتذكروا كل ذلك من أجل أن لا يعود أمر عودة الاستبداد ممكناً، خاصّة مع وجود طائفة من الناس تؤمن بوجود الزعيم الفذ أو الأب الروحي. علينا أن نفهم جيداً بأن الإيمان بإمكان تسليم مصائر الناس بيد حاكم واحد لا يصدر إلا عن جهل مطبق بحقيقة الطبيعة الإنسانية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل سقطت في فخ حماس..فكيف تترجم -الانتصار- على الأرض؟ |


.. تمرّد أم انقلاب؟ إسرائيل في صدمة!| #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد مسار عملية رمي جمرة العقبة في أول أيام عي


.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات الخلاف في إسرائيل بشأن -هدنة تكتيك




.. مظاهرات في ألمانيا والنرويج نصرة لغزة