الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يعود الوطن الذي غاب..على ظهر دبابة... كالعراق

سالم اليامي

2004 / 1 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


اذا كان من حق كل فئة من فئات المجتمع المختلفة في الفكر والايديلوجيا ان تمارس حقها في الاختلاف دون ان تدعي أي من تلك الفئات احتكارها للحق وما عداها على باطل , فإن أي حكومة وطنية يجب أن تمثل كل فئات الوطن بمختلف تنوعها الفكري والايديلوجي دون أن تتبن فكر فئة واحدة من تلك الفئات والا لأصبحت حكومة عنصرية على غرار حكومة البيض في جنوب افريقيا حين كانت تمثل لون الأقلية البيضاء على حساب حرية بقية فئات الشعب الافريقي الذي عاد ليعيش حياته بشكل طبيعي منذ ان تخلت حكومة البيض العنصرية عن احتكارها للسلطة كأمر واقع وحتمي مما أوجد واقعا حرا يتمتع فيه كل فئات الشعب الافريقي بالحرية والمساواة , فاذا بالدماء تتوقف عن النزف , والقلوب تتسع لمحبة الآخر بدلا من الكراهية التي أريقت بسببها الكثير من الدماء ولم تتوقف تلك الدماء النازفة الا بتخلي الطرف العنصري عن عنصريته وايمانه بأن الوطن للجميع وليس لفئة دون غيرها من فئات الشعب.

إن تعدد الطوائف والاتجاهات في أي بلد يعتبر واقعا صحيا , لكن الطائفية تمثل واقعا مريضا وتدل على وجود خلل في النظام الذي يحكم الوطن , لأن الطائفية تعني أن فئة ما تمتلك من مقومات التعبير والانتشار والاقصاء ما لاتملكه بقية فئات المجتمع , مما يجعل تلك الفئة المدللة تشعر بالتميز والقوة حتى يصل بها الأمر ان تطمع في إقصاء النظام الحاكم بعد ان تكون قد شعرت انها أقصت كل الفئات التي تشاركها الانتماء الى الوطن ولا تشاركها التمتع بنفس الحقوق والواجبات كما تكفلها كل القوانين الحضارية لدى الشعوب التي ارتقت بفكرها من أحادية الفكر والتسلط الى تنوع الآراء والأفكار وقبول الآخر داخل مجتمع يحكمه القانون ويتساوى فيه المواطن في الحقوق ويتميز بقدر ما يقدمه للوطن والانسان من عطاء وليس حسب ما يملكه من رصيد في العلاقات الفئوية والمصالحية التي تميز المجتمعات المتخلفة أكثر من غيرها .

الطائفية : وسيلة يستخدمها المنتفعون من مصالح لا يستحقونها , مما يجعلهم يتمسكون بكل ما يرسخ تلك الطائفية بين فئات المجتمع الواحد سواء عبر دس السم الطائفي في مناهج التعليم أو عبر التصنيفات الطائفية التي تمنح فئة ما حق الامتلاك الوظيفي والمادي بشكل اوسع وأكبر من فئات أخرى , لكن ذلك الترسيخ المستمر للشعور الطائفي يعتبر القنبلة الخطيرة والموقوتة التي تنفجر لحظة احتياج الوطن للتوحد ضد الأخطار المحدقة به , لأن أغلى ما يملكه الانسان هو كرامته ولا يسحق تلك الكرامة ويهينها بشكل مرير ومؤلم أكثر من الشعور بمرارة وألم الطائفية الذي يجعل من انسان ما داخل وطنه يتمتع بمميزات أكثر من غيره من أبناء وطنه وحرية فئوية يستطيع من خلالها إقصاء وإالغاء وتهميش من يشاركه الانتماء لنفس الوطن.

والذين يحرصون على ان تبقى أوطانهم صامدة ضد الأخطار عليهم أن يحصنوها بالأنظمة التي تحفظ الحقوق لكل المواطنين دون استثناء كحرية التعبير والفكر والاعتقاد دون ان تمنح أي فئة  صك التفرد والتميز والاحتكار الأوحد للحق والحقيقة اللذين يظلان نسبيان لأن الحقيقة لا تكون مطلقة سوى للخالق الأحد .

أما اذا غابت تلك القوانين التي يجب ان تنظم علاقة الناس تحت مظلة نظام يمثل كل فئات المجتمع ولا يمثل فئة واحدة على حساب الفئات الأخرى , فإننا لانستطيع أن نضمن صمود شعب مفكك ضد أي خطر خارجي ,لأن البيت الذي لم يؤسس على علاقات الحب بين ابناءه لا يستطيع الصمود وهو لايحمل الا ثقافة الكراهية بين اولئك الأبناء الذين يجب أن يطعموا بجرعات الحب والتضامن وثقافة الاختلاف الفكري الذي يعزز من وحدة البيت وليس ثقافة الخلاف والكراهية والتوجس وقابلية الاستعداد للتمزق والتآمر ساعة ان يتعرض ذلك البيت لأي خطر خارجي او داخلي.

والحاكم الوطني المخلص لشعبه ووطنه عليه ان لا ينتظر طويلا كي يشرع حقا مسلوبا لفئة من فئات وطنه , لأنه يكبر في عيون الشعب ويزداد قوة كلما عدل في المساواة بين مختلف فئات الشعب ويضعف كلما انحاز لفئة دون اخرى . وما اولئك الذين يشجعونه على التحيز سوى ثلة من الانتهازيين لا وطن لهم ولا ولاء , الذين يجبنون عن الدفاع عن الوطن الذي لم يؤمنوا فيه كي يدافعوا عنه.   

وما تخلي الشعب العراقي عن الدفاع عن أرضه إلا لأنه لم يتربى على حب الوطن وانما على الحب القسري للحاكم الذي يكره الشعب ويثير الكراهية بين ابناءه كي يظل ممسكا بزمام الحكم وجالسا على كرسي السلطة الذي يمنحه المزيد من القمع , لكن الحاكم الذي لم يحب الشعب والوطن وجد نفسه وحيدا حينما احتاج الى شعب ينهض كي يدافع عن كرامته . إلا أن كرامة الشعب العراقي لم تكن في الدفاع عن حاكم أذل الشعب وغرس بذور الكراهية بين ابناءه فترك الغازي يقتحم الوطن ويقتلع جذور النظام الذي أذله , وكان الشعب الوحيد الذي يشعر أن كرامته تعود اليه فوق دبابات المحتل الغازي !

أليست ماساة أن يكون انتصار الشعب لكرامته المسلوبة مقرونا بالسماح للمحتل ان يستبيح أرض الوطن؟!

بلى .. لأن الوطن الحقيقي عاد مع المحتل يستنشق هواء الحرية , بعد ان كان غائبا اربعين سنة , لأن الوطن لم يكن سوى " الدكتاتور" حين كان الحاكم المتسلط يمارس فرض حب الدكتاتور ضد غريزة حب الأوطان  .

تلك كانت الكارثة.... ان يعود الوطن مع المحتل.... ويغيب مع الحاكم الذي يفترض ان يكون وطنيا  يقرب بين ابناء الوطن ولا يفرق , ويغرس في قوبهم حب الوطن عن طريق حب الانسان اولا , لأن الذي لا يحب الانسان في وطنه لا يملك وطنا يدافع عنه ويحبه , والذي لايحب الانسان الآخر لا يحب نفسه التي لا تملك سوى ثقافة الكراهية. و لم يكن صدام يوما الا دكتاتورا عنصريا فئويا يكره الانسان والوطن فكرهه الشعب  ولعنه الوطن وكانت نهايته مذلة حين سقط في تلك الحفرة ومعه كل الذين باعوا كرامتهم دفاعا عن ذلك الدكتاتورعندما كان حاكما متسلطا حبا في ماله حتى وهو يذل شعبا أبيا , لكنهم تخلوا عنه لحظة الهجوم عليه.

 عندما يكون الحاكم حرا فأن كل الأحرار سوف يحيطونه بقوتهم التي لا تقهر, لأنه سوف يمنحهم الحرية , أما العبيد فانهم يشبعون عطش الدكتاتور بالتملق لكنهم لايصنعون له سوى الهزيمة!! 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر