الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الطلابية المصرية.. أمس واليوم

إكرام يوسف

2008 / 7 / 23
الحركة العمالية والنقابية


في السادس من يونيو الفائت حلت الذكرى الثانية لرحيل الدكتور أحمد عبد الله رزة.. أبرز قادة الحركة الطلابية في النصف الأول من السبعينيات.. الباحث الأكاديمي والمفكر والناشط في خدمة المجتمع وقضايا الشباب.. ووسط الشجون التي واكبت ذكرى واحد من أجمل عشاق مصر، توالت الخواطر تترى على الذهن في مقارنة ملحة بين ما كان، وما هو كائن، وما يمكن أن يكون.. بالنسبة لحركة الطلاب كقطاع ناشط وحيوي من قطاعات الحراك في المجتمع.
فالطلاب، وإن اتفقنا أنهم فئة ليس بمقدورها قيادة حركة التغيير في أي مجتمع، إلا أنهم رافد مهم من روافد التغيير في مجتمعات العالم النامي بالذات.. ولا يمكن لقارئ منصف في تاريخ مصر خلال القرن العشرين أن ينكر دورهم في مراحل فارقة من مراحل نضال الشعب المصري. وهو الدور الذي اهتم برصده وتحليله الدكتور أحمد عبد الله في رسالته للدكتوراه التي حصل عليها من جامعة كمبردج في انجلترا وصدرت مؤخرا عن المركز القومي للترجمة الطبعة الثانية من ترجمتها إلى اللغة العربية. وعلى الرغم مما يبدو من تراجع في حركة الطلاب منذ ما بعد انتفاضة يناير 1977 وخفوت الصوت الطلابي الذي واكب تراجعا مماثلا على صعيد الحراك السياسي في الشارع المصري.. إلا أن بوادر تحركات تظهر من حين لآخر خلال العقدين الأخيرين تستحق المتابعة والدراسة والتحليل.
ففي السبعينيات كان معظم طلاب الجامعة من أبناء الطبقة المتوسطة وابناء الفقراء الذين تعلموا في المدارس الحكومية، واستفادوا بمجانية حقيقية في التعليم، فلم نعرف أبامها الدروس الخصوصية، ولم نكن نعتمد على الملخصات وإنما كانت المدرسة مدرسة.. والمدرس مدرسا.. والتعليم تعليما رغم تحفظات هنا وهناك.. ولم يكن أمام الجميع سوى سبيل واحد لدخول الجامعة، هو الحصول على المجموع المؤهل عبر بذل الجهد في التحصيل والمذاكرة بصرف النظر عن القدرة المادية لأهل الطالب.. وعلى الرغم من الوضع المتميز لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ التي تخرج منها أحمد عبد الله وشرفت كذلك بالتخرج منها ـ باعتبارها إحدى كلبات القمة، وقلة عدد المقبولين فيها ـ في عام 74/75 كان عدد المقبولين في الكلية 150 طالبا ـ انقسم الطلاب طبقيا إلى ثلاث أقسام: أبناء الأسر الحاكمة العربية الذين جاءوا لدراسة السياسة حتى يتمكنون من تولي مناصب المسئولية في بلادهم بعد تخرجهم، ومعهم أبناء الوزراء في مصر؛ ثم أبناء كبار الموظفين وصغارهم، ثم أبناء الأسر البسيطة الشعبية أو الريفية الذين مكنتهم قدراتهم وتفوقهم الدراسي من الالتحاق بكلية كان خريجوها يأملون بالعمل في السلك الدبلوماسي (بالمناسبة كانت رسوم الإقامة بالمدنية الجامعية لأبناء الأقاليم خمسة جنيهات شهريا شاملة تقديم ثلاث وجبات يوميا).. وبالمناسبة، فإن الأخيرين كانوا هم الأبرز دراسيا في الكلية ومعظمهم يتولى الآن مناصب مرموقة في المجالات الأكاديمية والبحثية والإعلام ومنهم أسماء شرفت مصر دوليا.. وكان من الطبيعي أن بشكل أبناء الفقراء غالبية جسد الحركة الطلابية في تلك الفترة، فهم أصحاب الحق الأصليين في التغيير لصالح الغالبية.. وانتخب أحمد عبد الله رزة لرئاسة اللجنة الوطنية العليا للطلاب، وهو الذي ظل لآخر يوم في عمره يفخر بأنه "ابن أسرة بسيطة من عين الصيرة".. ولكن مع تغير الظروف على النحو الذي أصبح معه عبور امتحان الثانوية العامة أملا لا يقدر عليه إلا أبناء "أولي المال" الذين يستطيعون إلحاق أبنائهم بمدارس اللغات أو "أولي العزم" الذين يستطيعون بذل الغالي والنفيس مقابل الدروس الخصوصية وشراء الملخصات والملازم.. حتى بات الالتحاق بالجامعة أملا يقترب من المستحيل بالنسبة لأبناء الفقراء.. قضلا عن انتشار الجامعات الخاصة على نحو بات مخيفا.. فهل تسمح خصخة التعليم الجامعي وما قبل الجامعي بظهور حركة طلابية مؤثرة وفاعلة كما كان الحال؟
وفي السبعينيات أيضا تميز الجيل الذي تلقى تعليمه ماقبل الجامعي في الستينيات واعتاد على "حصة المكتبة" ضمن جدول الحصص المدرسي، بالإقبال على القراءة، مع توفر المكتبات العامة التي كنا نقضي فيها أوقات الفراغ في وقت لم يكن التليفزيون يحتوي إلا على قناتين. وكانت الأسر تستطيع أن تفرض على أبنائها الاقتصار على مشاهدة اليوم المفتوح أو برامج الأطفال فقط؛ قبل أن تمتد ساعات المشاهدة التليفزيونية غلى مدار اليوم.. وكنا نستطيع بمصروفنا اليومي القليل تدبير شراء الكتب القديمة من المكتبات الخاصة بهذا النوع من الكتب أو من سور الأزبكية.. وكم كانت المغامرة ممتعة عندما نستطيع الحصول على كتب سياسية ممنوعة من التداول!، كنا نتفنن في إخفائها ولا نتحرك بها إلا مغلفة بورق الجرائد حتى لايلمح "أحدهم" عنوان الكتاب. أما الآن، ومع انعدام فرص منع الكتب من التداول في وجود شبكة الانترنت التي جعلت فرص الحصول على المعرفة ميسرة بمجرد ضغطة زر، وانتشار الفضائيات متنوعة الاهتمامات، ربما لم يعد اعتماد الجيل الحالي على الكتاب الورقي بنفس قدر اعتمادنا عليه.. وربما أدى تنوع مصادر المعرفة والتسلية والترفيه إلى ابتعاد قطاعات كبيرة من الشباب عن القراءة، فضلا عن ارتفاع أسعار الكتب عموما، على نحو بات يحرم أبناء الفقراء من فرص التثقيف، مثلما تضيق أمامهم يوما بعد يوم فرص التعليم..ولا شك أن مثل هذه المتغيرات نؤدي إلى تغير حاد في نوعية واهتمامات أي حركة طلابية متوقعة في ظل هذه الظروف.
وفيما يتعلق بالمطالب الطلابية، نركز اهتمام جيل السبعينيات في المقام الأول على ثلاثة محاور أساسية شكلت الهم الشعبي العام: ففي القضية الوطنية؛ ارتكزت المطالب على الدعوة لحرب تحرير لاستعادة الأرض المحتلةـ وبعد 73 انصب هذا المحور على التحذير من التفريط في نصر أكتوبر ورفض الصلح مع العدو الصهيوني والإصرار على عودة الاستقلال الكامل إلى سيناء وتحرير كامل الأرض الفلسطينية. وفي قضية الديمقراطية؛ ركز الطلاب ـ خاصة منذ منتصف السبعينيات ـ على المطالبة بإطلاق حرية إنشاء التنظيمات السياسية المستقلة، وحرية الرأي والتعبير والتظاهر والإضراب. واجتماعيا؛ دارت مطالب الطلاب حول تحقيق العدالة الاجتماعية وربط الأجور بالأسعار ورفع الحد الأدنى لدخل المواطن. كما شارك طلاب الجامعات في أنشطة مجتمعية عدة مثل محو الأمية واقامة فصول تقوية دراسية في المناطق الفقيرة... وغيرها
ولعل الانتماء الطبقي لمعظم نشطاء الحركة الطلابية في السبعينيات كان سببا رئيسيا في تحديد توجهاتها التي صبغت الحركة خلال ذلك العقد بصبغة يسارية الطابع. ومع تغير الظروف، وصعود طبقة الرأسمالية الطفيلية وتوحشها، وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، فضلا عن قمع الحركات اليسارية داخل الجامعة وخارجها وتشجيع التيارات اليمينية خاصة التي رفعت شعارات إسلامية، تراجع التوجه الاجتماعي للحركة الطلابية، واقتصرت على المطالب الطلابية الفئوية، ومن حين لآخر تنظيم وقفات لمساندة حركة حماس في صراعها داخل فلسطين، وتحولت الشعارات إلى "فلسطين إسلامية" و"خيبر يا يهود"، سالبة حتى دعم النضال الفلسطيني من صورته الديمقراطية الواجبة، وربما لم يشذ عن ذلك إلا المظاهرات الطلابية رفضا للغزو الأمريكي للعراق والتي ضمت ـ وقتها ـ مختلف التيارات الطلابية والشعبية معا.
وأدى ما يمكن أن نسميه بعصر الشبكة العنكبوتية إلى ظهور آليات جديدة لحركة النشطاء بين الشباب. فبعدما كان يقتصر نشاطنا في السبعينيات على مجلات الحائط وإقامة الندوات والأمسيات الفنية وأسابيع الجامعة والمجتمع، ظهرت وسائل جديدة للدعوة للأفكار عبر منتديات الإنترنت وجماعات الفبس بوك والمدونات وغيرها..وشجع البعض على هذا النشاط إحساسه بالأمان نسبيا؛ حيث يستطيع المرء تفريغ طاقته الحماسية بعيدا عن المخاطر، فيكتب ما يشاء وهو آمن في بيته يشرب العصير ويرتدي الملابس المريحة، بعيدا عن الوقوف أمام مجلة حائط طلابية قد تؤدي إلى مجلس تأديب وإنذار وفصل، أو "البهدلة والضرب على أيدي المخبرين وسط الطلاب وربما يصل الأمر للبهدلة على أيدي الحرس الجامعي، بل والاعتقال أيضا.. غير أن ماحدث مؤخرا بعد 6 أبريل، أزال الغشاوة عن عيني البعض الذين فوجئوا بأن هناك حدودا للعب مع الكبار حتى ولو كنت جالسا داخل حجرتك بالبيت بعيدا عن المظاهرات والاحتجاجات في الشارع.. وبدأ البعض يعيد حساباته بناء على ما تعلمه من التجربة.. غير أن الواقع الجديد حمل معه أيضا فرصة أقضل وتيسيرات للنضال الطلابي لم تكن متاحة أمام جيلنا، يستطيع الجادون والمخلصون ـ بعيدا عن الهواة الذين حلموا بمغامرة غير مدفوعة الثمن وبطولات مجانية ـ فهناك ضمانات للنشطاء الذين يتعرضون للقمع والاعتقال، حيث تتبنى قضاياهم منتديات الانترنت وجماعات الفيس بوك والمدونات، وتتحرك جماعات حقوق الإنسان لتوكيل محامين للدفاع عنهم، وتنظم وقفات احتجاجية لمساندتهم، الأمر الذي لم يكن متاحا لبني جيلنا، حيث كان الطالب ـ والمواطن عموما ـ الذي ينعرض للاعتقال، ربما تمر أياما طويلة دون أن يعرف أهله سببا لغيايه، وعندما يعملون يعانون الأمرين لمجرد إرسال طعام أو ملابس إليه، ولم يكن هناك من يستطيع نجدته إذا ما تعرض لتعذيب داخل مكان احتجازه.
وهكذا، يتضح ضرورة بحث فرص قيام حركة طلابية فاعلة ومؤثرة تأخذ في اعتبارها تغيرات واقعية تفرض عليها توجهات وآليات تختلف كثيرا عما كان، وعليها أن تقبل تحدي التمهيد لما سيكون.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تحذير وراء إضراب الأطباء قبل أيام من الانتخابات البريط


.. لماذا ترتفع معدلات البطالة في صفوف الشباب؟




.. فلسطينيون يشيعون ثلاثة من عمال الدفاع المدني قتلوا في غارة إ


.. الشرطة الإسرائيلية تتدخل لفض مظاهرة للحريدم احتجاجا على قانو




.. مسؤول أوروبي: -تونس تتعامل بشكل غريب أحيانا- • فرانس 24