الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع بين الشعر والعلم - 1

عدنان عاكف

2008 / 7 / 24
الادب والفن



موضوعان أساسيان شغلا اهتمام الكتاب والقراء ( الى درجة ما ) خلال العقود الأخيرة. ومع ان الموضوعين قديمان قدم الحضارة الإنسانية ذاتها، إلا ان الاهتمام بهما قد ازداد منذ مطلع السبعينات، أي مع تعدد الأزمات وتنوعها في العالم العربي. وهذان الموضوعان هما : العلاقة بين الثقافة والسياسة والثاني هو العلاقة بين العلم والفن، مع التركيز على العلاقة " المتناقضة " بين العلم والشعر.
سيكون حديثنا حول الموضوع الثاني، والذي يطرح تحت عناوين ومسميات كثيرة، من قبيل : " الصراع بين العلم والشعر "، الشعر والثورة العلمية التقنية الحديثة، العلم في عصر العولمة، الشعر في عصر الكمبيوتر والانترنيت، أزمة الشعر، وغيرها. ولو حاولت ان تفتح ما يتوفر من معلومات على الانترنيت ستجد هناك مئات المقالات التي تتحدث حول هذا الموضوع، و ستـُفتح أمامك أبواب القاعات الكثيرة، في مختلف العواصم العربية، التي عقدت فيها المؤتمرات والملتقيات التي كرست في معظمها لمناقشة الأزمة المستفحلة التي يعيشها الشعر العربي اليوم. ومن الملفت للنظر ان الحديث عن الموضوع يكون دائما أحادي الجانب، حيث يقتصر على شكاوي صادرة عن أهل الأدب – الشعراء والنقاد. في حين يفترض ان تكون الأزمة متعددة الجوانب : هناك أهل الأدب ، وهم الضحية ، وهناك أهل العلم والتكنولوجيا، وهو الطرف المعتدي، وهناك الطرف الأهم، وهم القراء. لم يحالفني الحظ حتى الآن في الاطلاع على أي مقالة لكاتب عربي من أهل العلم يتحدث عن أزمة الشعر، أو عن انحسار دور الشعر في المجتمع أو تراجع أهميته. ولكي لا نغرق في العموميات وجدت ان تكون بداية الحديث عن أزمة الشعر، وعلاقة ذلك بالعلم من خلال تخصيص الحلقة الأولى لما دار في آخر فعالية عربية لأهل الشعر. صحيح ان أكثر من عام قد مضى على تلك الفعالية، لكن ما تمخض عنها يعبر عن الموقف الجماعي الأخير للمثقفين العرب.
احتضنت القاهرة خلال شهر شباط من العام الماضي فعاليات " ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي "، الذي انعقد تحت شعار " الشعر في حياتنا ". وقد شارك في الملتقى أكثر من مائة شاعر وكاتب وناقد أدبي بينهم الكثير من العرب والأجانب. وقد كانت هناك خمسة محاور هي : 1- الشعر حاجة إنسانية. 2- التنوع الإبداعي والتعددية الثقافية. 3- الشعر والهوية. 4- الشعر في عصر العولمة. 5- الشعر والجمهور. فمن بين هذه المحاور الخمسة ثلاثة منها ( 1،4 ،5 ) كانت تدور حول تلك " العقدة " الشعرية...
أتسم الملتقى، حسب رأيي ، ومنذ جلسة الافتتاح، بنزعة تشاؤمية، ومحاولة لاستجداء العطف والشفقة، بسبب ما يعاني منه الشعر اليوم. وكانت نزعة التشاؤم قد سيطرت على كلمة الافتتاح التي ألقاها د. جابر عصفور، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. وقد بدأ كلمته بالتساؤل عن ماذا يمكن للشاعر ان يفعله في هذا الزمن الذي يكفر الإبداع وغرس السكين في رقبة نجيب محفوظ ؟ هذا مع العلم ان هذه الكلمة وبما تضمنته من مفهوم معرفي وفلسفي رائع للشعر كانت تتطلب وقفة جادة من قبل المشاركين في الملتقى للتأمل في معنى الشعر وان كان لا يزال يشكل حاجة إنسانية في حياتنا أم لا .
أما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، مقرر لجنة الشعر، فقد أعلن ان العدو الأخطر على الشعر هي العولمة المتوحشة، التي أخذت تحرق الأخضر واليابس ولم تعد عشرات اللغات اليوم قادرة على الصمود أمام هذا الوحش الكاسر. وطالب الشاعر المصري بإنقاذ الشعر: " ان الشعر في خطر لأن السعادة في خطر ".
أما الشاعر الأردني حيدر محمود الذي ألقى كلمة المشاركين العرب فقد تحدث عن هذا الزمن العربي الرديء المتوقف عن الحركة وكأن الأرض لا تدور. ولم يتردد من دعوة المسؤولين العرب الى قراءة الشعر في هذا الزمن بالذات.
لكن يبدو ان البحوث والدراسات التي قدمت في اللقاء أعادت للدكتور عصفور قدر من التفاؤل، الذي غاب عن كلمته في جلسة الافتتاح، فقال : " إن الملتقى حقق بنشاطه وفعالياته وثرائه ونجاحه معنًى مهمًا ألا وهو أن الشعر موجود في حياتنا وسيظل متصلا قائما. كما أنه يعد وعدا من المبدعين بما قدموا والباحثين بأن الاهتمام بالشعر لن ينقطع طالما ظل الإنسان العربي مصرا على العطاء والإبداع ". ولكن ليس من الصعب على من يحاول ان يبحث بين السطور ان يرى ان تشاؤم د. عصفور كان أقوى من ان تبدده بعض الدراسات ، التي ذروة ما توصلت اليه، هو انها أثبتت للشعراء أنفسهم ان " الشعر موجود في حياتنا وسيظل متصلا قائما ". ولم يبتعد رئيس لجنة التحكيم د. صلاح فضل كثيرا عن د. عصفور في تقييمه لما حققه الملتقى من نجاح: " ها نحن نصل إلي النهاية التي هي بداية في واقع الأمر، بداية تحمل ثلاثة معاني الأول هو التأكيد، والثاني هو الوعد، والثالث هو الاستمرار. فقد حقق هذا المؤتمر بفعالياته معني مهما يؤكد لنا أن الشعر موجود في حياتنا وأنه سيظل متصلا قائما، كما أن هذا المؤتمر وعد من المبدعين والباحثين بأن الاهتمام العربي بالشعر لن ينقطع وسيظل مستمرا ". وجاءت تصريحات الشاعر حجازي في مقابلة صحفية نشرت بعد بضعة أيام من انفضاض الملتقى لتصب في نفس هذا الاتجاه. حتى المحاور الأساسية التي دارت حولها الدراسات المقدمة في الملتقى كانت متأثرة بهاجس " أزمة الشعر " .
سنترك تقييم الأبحاث والدراسات التي قدمت للنقاد والمتخصصين، غير اني كقارئ ومتابع لما دار في هذا التجمع الأدبي لا يمكن إلا ان أشير الى سيادة النزعة التشاؤمية ذاتها، التي ميزت كلمات الافتتاح.. وكان العدو الأول والمسؤول عن خنق الشعر والسعي لإزالته من أرض العرب - بعد ان كان ديوانهم - هي العولمة. وتأتي في الدرجة الثانية من الخطورة وسائل الاتصالات الحديثة وتبعاتها من وسائل الإعلام والفضائيات، التي فتحت أبوابها مشرعة أمام الفن الهابط وثقافة اللاثقافة، في حين يختنق الشعراء تحت وطأة العزلة التي وجدوا أنفسهم فيها...
ما هي الحصيلة التي يمكن للقارئ ان يخرج بها بعد مضي هذه الفترة على الملتقى ؟ يبدو لي ان ما ورد في الكلمات الختامية لعدد من القائمين على الملتقى الشعري، وخاصة كلمة وزير الثقافة المصري ود. جابر عصفور ود. صلاح فضل دليل على ان الملتقى خرج بنتيجة لا تختلف كثيرا عن نتائج مؤتمرات القمم العربية المعهودة. إذ ليس من المعقول ان تتفق جميع المساهمات والكلمات على خطورة الأزمة الخانقة التي يعاني منها الشعر لنخرج بعد ذلك لنمجد الشعر ودوره الكبير في توحيد الأمة ونشد على أيدي الشعراء ، ونعلن أمام الجميع ان الشعر بخير... سأحاول ان ألخص الملاحظات التي تبلورت لدي من خلال متابعة مساهمات المشاركين في الملتقى في النقاط التالية :
- للموضوع صلة -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب