الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يتيم وعيديه

زينب محمد رضا الخفاجي

2008 / 7 / 24
الادب والفن


أستيقظ حمودي ذو الخمس سنوات كعادته مبكراً... كان يعلم أن اليوم هو العرفات وغداً العيد.. أعتاد في كل سنة على صخب والدته وهي تنظف البيت تنظيف العيد... وكان دوماً يركض إلى المطبخ مسرعاً للبحث عن كنز العيد لديه (حشوة الكليجة) الجوز والمبروش والسمسم وأخيرا التمر... وكلما حاولت أمه تخبئتها كان وبسرعة البرق يجدها ... يبتسم وهو ينظر لها بحب .. وتقترب أصابعه الصغيرة منها بسرعة ترى بماذا سيبدأ بالجوز أو السمسم ربما من الأفضل البدء بالجوز ينظر يميناً ويساراً و يأخذ حفنة ويختبئ خلف الثلاجة ويلتهمها بسرعة وعيناه تراقب الممر أمامه بخوف طفولي بريء .. وعندما تمسك به الحازوقة يضع يده على فمه محاولاً كتم صوته ولكن لا فائدة ها هي أمه سمعت شهقته وجاءت مسرعةً خائفةً تتعثر في مشيها .. تنظر إليه وتحمل كوباً من الماء وتبتسم وهي تسقيه الماء بيدها اليمنى وتربت على ظهره باليسرى ولسان حالها يقول أسم الله وليدي.. يسعدها أنه ذكي يجد دوماً ما يحب ويلتهمه بسرعة..
في هذه السنة نزل الدرج متثاقلاً حزيناً... البيت هادئ جداً ... والدته تجلس في ركن بعيد في المطبخ متشحة منذ أشهر بالسواد.. يتدلى رأسها على صدرها وبين الفينة والأخرى ترفع (جفية زوجها) لتمسح دمعها الذي ينزل بصمت وتكتم شهقاتها حتى لا تزعج الآخرين .. دار برأسه لا تنظيف ولا كليجة ... كيف يكون العيد عيداً بدونها.. العيد معناه التنظيف والكليجة واجتماع العائلة والملابس الجديدة والعيديات والحلوى... وفي هذه السنة اختفت ثلاثة من مظاهره (التنظيف... الكليجة... والأب رحمه الله).
بحث عن والده في أروقة البيت لكنه لم يأتي.. الملابس الجديدة موجودة لكنها لا تحمل بصمة حبه لهم حتى الحلوى كانت مرة.. والدتهم ترتدي السواد موشومة بالحزن تفترش الأرض وتحتضن وسادة زوجها الذي قتل قبل أشهر وتجهش بالبكاء.. استسلمت للحزن والكآبة حيث لا زوج ولا سند ولا معيل ولا لحظة سعادة جلس قرب والدته المنهارة ... وبكى لبكائها ... ولما تنبهت لما يجري حولها... كفكفت دمعها... وابتسمت له .. وقالت .. لا يجب أن نبكي فغداً عيد... وبابا ينظر لنا من السماء وسيحزنه بكائنا... الآن يجب أن نغسل أجسامنا ونرتدي ملابس العيد...
وقفت محنية يثقل كاهلها فراق حبيبها وشريك عمرها الذي غدر به الأوغاد...كل حواسها رفضت قدوم العيد بدونه وبدلت جميع طقوسه وتحول العيد من فرحة إلى تعاسة وحزن وسواد... ولكن ما ذنب هؤلاء الصغار... يجب أن تكون قوية لأجلهم .. يجب أن يفرحوا بالعيد.
كان لديها ابنتان ... الأولى شمس 12 سنة والثانية قمر 10 سنوات و حمودي ذو الخمس سنوات... هذا الصغير لم يستوعب لحد الآن رحيل والده ودوماً يخبرهم بأن والده زاره أمس في الليل ونام معه في سريره... وكما كل يوم استيقظ صباح العيد ... ووجد تحت وسادته العيدية التي تعود والدهم وضعها هناك منذ سنين... فركض يوقظ أختيه وكاد أن ينزل السلم طيراناً لولا صراخ أمه عليه.. أيقظهم ورفع النقود بوجههم وقال ألم أقل لكم أن أبي يزورنا وهذه عيديته .
كانت أمهم هي من وضع النقود.. لكن الحيلة لم تنطلي على أبنتها الكبيرة شمس ... أمسكت النقود بيدها وأجهشت بالبكاء... وركضت تلوذ بالفرار من تعاستها لحضن أمها... لكن هذا الصغير لم يتقبل دموعها وقال (مخبلة عبالها بابا ميت).. وركض إلى صورة أبيه المعلقة في الصالة والمتشحة بشريط أسود... وصعد متسلقاً الكرسي بصعوبة وقبل والده وقال( أيامك سعيدة بابا.. وشكراً على العيدية) .. فضربت أمه على رأسها وبكت بحرقة ... فأقترب من الصورة وهمس لوالده بصوت سمعه الجميع ( هاي أمي هم أتخبلت عبالها أنت ميت) ونزل وأصر أن تعايد أختاه الصورة...وأشترط أن يلبسوا جميعا ملابسهم الجديدة ويقفوا أمام الصورة واحداً بعد الآخر ليعايدوا والدهم... وقفت شمس أمام الصورة وأمسكت بيد أختها قمر وقالتا أيامك سعيدة بابا وأيامنا تعيسة من بعدك.
بعدها جاء عمهم ليأخذهم إلى بيت جدهم ليعيدوا مع الباقين كما تعودوا كل سنة... تمسك الصغير بأمه ورفض أن يذهب من دونها .. لكنها أقنعته بأنه سيحصل على عيديات كثيرة هناك وأمسكت بيد شمس وأمرتها أن تكون لأخوتها هناك الأم والأب وتنتبه لهم وتهتم لأمرهم.
وصلوا هناك وكان الكل بانتظارهم ... وبدل السعادة قابلهم الجميع بالبكاء.. كان جدهم المبتسم دائماً ينظر بحزن إلى الأرض ويذرف الدموع .. وأخذت جدتهم تولول وتصرخ وتمنت لو تموت ولا ترى اليوم الذي يغيب فيها أبنها ولا يأتي ليعايدها... بعدها جلسوا ليتناولوا فطورهم .. كل طفل جلس قرب والديه إلا هم جلسوا متلاصقين خائفين.. كان طعم اليتم مراً في حلوقهم.. فجأة صرخ أبن عمهم بابا بابا أريد لفة ... احتضنت الأخت الكبرى أخوتها أولادها .. وسحبتهم بعيداً وقالت ( أحنة تريكنة وية ماما شبعانين) ... وزعوا بعدها العيديات عليهم وكانت حصتهم حصة الأسد ... لم يبتسموا ولم يلعبوا ولم يبتعدوا أنجاً واحداً عن أختهم أمهم الصغيرة... كان صعباً على تلك الطفلة أن تصبح كبيرة ويتيمة في يوم واحد... ظل الأطفال من حولهم يلعبون مع أهلهم .. كان المنظر صعب على طفولتهم ... ومفردة بابا التي نطق بها الجميع إلا هم خنقتهم ... تنبه الصغير إلى أن والده خذله ولم يأتي في العيد وأتعبه حرمانه من مفردة بابا وحضنه.. بينما ينعم بها كل الصغار حوله... فأخذ عيديته وعيديات أختيه وذهب لجده وقال... (آني ما أريد عيدية أريد أرجع يم أمي) وعبثاً حاول الجميع تسليته ... وظل يبكي متمسكاً بأخته.. ويصرخ( أريد أروح للبيت أعيد يم ماما وصورة بابا.. آني ما أريد فلوس )... بعدها أمر الشيخ الكبير أبنه بإعادتهم إلى البيت.. ظلوا الطريق كله متلاصقين يرتجفون كسعفة تلهو بها ريح سوداء.. ولم يهدئوا حتى وصلوا بيتهم.... ذهب حمودي راكضاً نحو أمه فوجدها قد أخرجت ملابس والده واحتضنت وسادته تبكي وحيدة ... قفز في حضنها وقال ( ماما لتبجين أحنة وبابا يمج وأبد منعوفج).
جففت دمعها بيد صغيرها ثم قبلته ونهضت لتحضر طعام الغذاء... جلسوا جميعاً قرب الصورة تناولوا غذائهم ... ولكن دون والدهم هذه المرة وبعد أن انتهوا.. ارتفعت أيديهم لقراءة سورة الفاتحة لوالدهم الغائب الحاضر أبداً...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في