الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من البوم كركوك -الفنان القدير هابا-

عبد الحكيم نديم

2004 / 1 / 29
الادب والفن


  مرت قبل ايام ذكرى رحيل الفنان والشاعر الشعبي ( عبد الوهاب) ابن مدينة كركوك البار والمعروف في وسط الجماهير ومحبي صوته الشجي بـ( هابا ) ، والفنان هابا من مواليد 1945 محلة بريادي إحدى أزقة مدينة كركوك القديمة ، فهابا نشأ وترعرع في تلك الأجواء الكركوكية الجميلة مدينة التآخي والصفاء ، المدينة التي أنجبت المشاهير والعظام وفي خلال تلك الحقبة الزمنية من عمرها العتيد .
 كركوك تكفيها لوحدها أن تكون مستهلا لقصيدة عر فانية بشفاه العشاق والساهرين حتى الصباح من اجل معانقة قامة شعاع بابا كركر الشامخة ، وعندما نقول كركوك أو نسمع اسم كركوك تفيض عيوننا الكليلة بسيل من الدموع تذكرنا بمرا بع طفولتنا الخاوية وموطن عشقنا الأولي ، ونتذكر إحياءها العامرة بالذكريات الجميلة ، وكلنا يحمل في ذاته شيئا من تلك الأطياف الجميلة حيث كنا نعيش في تلك المدينة الخالدة كردا وتركمانا وكلدانا وعرب اخوة أعزاء، ولم نعرف يوما بشيء اسمه من أنت ومن أية قومية أنت ،، وللأسف دارت الأيام وتفرقت الأحباب، وسلك الناس شتى السبل ،حيث لم تبق في ظل سياسة البعث الشمولي من تلك الحقبة الجميلة سوى  التفرقة والضغينة ،وضياع المقاييس الأخوية الجميلة ،
 وبمناسبة ذكرىرحيل الفنان الكركوكي الشهير ( هابا ) اشتقت أن اكتب شيئا حول هذا الفنان المنسي من قبل وسائل الأعلام في العراق، وعن مدينته المذبوحة بسكين الشوفينية المقيتة ، هابا الذي عرفته منذ نهاية السبعينات عندما حضرت يوما وعن طريق أحد الأصدقاء الذي كان له معرفة سابقة بالفنان هابا في حفلة عرس وعلى الهواء الطلق ، كانت تلك الحفلة هي أول معرفتي الشخصية بالفنان هابا.
 وكم سهرنا على صوته القوي والشجي حتى ساعات الصباح، دون ملل ونحن نرهف السمع لصوته المشوب بالحزن الشجي، وتعبيره الصادق عن معاناة العشاق الذين كانوا يكتمون لوعتهم الجياشة للحبيبة الغائبة، وكان صوته و كلماته الحزينة والمعبّرة عن الم الذات الجريحة كان خير منفس لهذا الكبت اللاإنساني، ومن خلال القوريات  الكركوكية العذبة وذات المعاني السلسة والتي كانت تعطي في آن واحد اكثر من معنى ومغزى لدى السامع.
فاستطاع هابا أن يكسب الجمهور الكبير وفي ظرف مدة زمنية قصيرة وكان دائم الحضور في كل حفلة وعرس في عموم مدينة كركوك العريقة وفي مناطق أخرى من العراق وكان جمهوره واسعا في اربيل وطوز وكفري والمناطق الأخرى ، هابا الفنان الذي لم يعرف المساومة ابدا في حياته القصيرة الحافلة بالعطاء الفني، ولم يرضخ يوما للضغوط والتهديد لينشد من اجل حفنة من الدنانير الزائلة، وكان صوته خير معبر عن معاناة تلك الطبقة المسحوقة في المدينة بفعل القوانين الجائرة والسياسات الشوفينية ، رحل هابا المنسي دون أن يذكره أحد سوى بعض الأصدقاء المخلصين في كركوك واربيل وطوز، ولم يذكره  أحد من المنتفعين والمقربين في وسائل الإعلام والقنوات الإذاعية في العراق .
 هابا كان صوتا مدّويا رافضا للظلم والبطش وكان صوتا جهورا بوجه الجبابرة والطغاة ، ولذلك تناسته وسائل الإعلام البعثي في حياته ومماته ، فيكفيه أن يتذكره محبيه وجمهوره الكبير وان يحفروا له مكانا بكبر مدينته العزيزة كركوك في القلب والروح ،
هابا يبقى رمز الغناء الشعبي الخالد بعدما أن ترك اكثر من 2000 كاسيت منوع بصوته الشجي واكثر من 1000 شريط فيديو  ، فهابا عاش عزيز النفس كريم اليد شامخ القامة ولم يجمع من حطام الدنيا سوى خلوده في القلوب وبيتا مؤجرا للعائلة المنكوبة في ظل الحصار الظالم بفعل أخطاء الديكتاتور العراق الأوحد ، ولا أنسى يا فنان كركوك الخالد ذلك اليوم الذي رايتك صدفة في مطعم كباب اربيل في البصرة عندما كنتسائقا بمعية وزير الصحة ا وكنت ثملا لدرجة كنت تكيل الشتائم امامي في المطعم المذكور بالوزير وبقادسية رئيسه المهزوم وهو لا يدري أين أنت ، وكنت تلعن محرقة القادسية المشؤومة وتبكي دماء الأبرياء ، وكان لقاءنا آنذاك سريعا بفعل تلك الأجواء الملتهبة بصواريخ الحرب ، فسلاما لروحك الطاهرة وأنت تبت على يد والدتك المكلومة بفقدك قبل أسبوع من رحيلك المفاجئ حيث ندرة الغذاء والدواء في العراق ، وكلنا أمل أن نزور قبرك المنسي في مقبرة تكية الشيخ محي الدين بكركوك ، ونوقد شموعا وبخورا وندعو المقرى نور الدين بقال اوغلو ليتلو سورة الرحمن عليك وندعوا أستاذك الكبير أستاذ المقام الكركوكي الأصيل عبد الواحد كوزجي ليشنف سمعنا ببستته الشهيرة ( قلعنن ديبينده بير طاش أولا يدم .... كه له نه  كيده نه يولداش أولا يدم ) ويكتب لك فنان طوزخورماتو الكبير اكرم جعفر طوزلو اجمل خورياته وغزلياته ( من كيتم أنام قالدي اوتما يه نان قالدى , نه عومرمنان خير كويردم نه بير نيشه نام قالدى )، وصديقك المخلص كريم يرد له عافيته وأنت ترنم ببعض مقاماتك المؤثرة ، وتغني لفقد والدتك بعدك في فترة اقل من سنة ، الستَ أنت القائل يا هابا المنسي :
( نه جه رام وار نه جه رام وار نه نه م اوغلو نه جه رام وار ، باشسس بير ئات كيليب مينمه سه م نه جه رام وار ، عيزرائيل روح ئيسترى ويرمه سه م نه جه ره م وار )
فاكتفي بهذه السطور القليلة في ذكرى رحيلك الأبدي يا محبوب المدينة العريقة كركوك مدينة شيخ رضا الطالباني والشاعر الكردي الكبير هجري ده ده الكاكائي ، والشخصيات المعروفة محمود نديم الداوودي افندي، رشيد جاير وزين العابدين قنبر أغا وخورشيد افندي الداوودي  والشاعر الكبير محمد صادق وعثمان مظلوم ، وحسن آوجي والقانوني الخالد جهاد الونداوي ، والخطاط العريق محمد عزت الخطاط ، والحافظ ملا عابد ، والشيخ عبد الكريم البرزنجي ، وآخرون من العلماء والشعراء والفنانين والشخصيات الكردية والتركمانية والكلدانية المعروفة الذين تفتخر مدينة كركوك بهم ، المدينة التي لا يمكن أن تغيرها المسميات الهجينة مثل الكلمة المستعربة ( التأميم ) وسلخ مدنها التاريخية الأصيلة من حاضرة محافظة كركوك الشامخة مثل قضاء طوزخرماتو المعروفة بأسر أهل العلم والأدب والفنون  وقضاء كفري التاريخية المعروفة أيضا بمدينة السادة والمفكرين والثائرين أمثال كريم خان دلو والوزراء أمثال عمر نظمي وجميل اكرم ومكرم طالباني وآخرون. وتارة خورماتو بلدة السادة والعلماء وناحية قره تبة القديمة حيث تحوي بيوت الأشراف والناس الطيبين امثال الشيخ فاضل عبد الغني المعروف بفاضل الغناوي والحاج رضا ومحمود مرتض . والمزيدمن الوجهاءإذ لا يمكنني أن اسرد بهذه العجالة تاريخ وحضارة كركوك التي اشتدت في هذه الآونة الخيرة الجدل العقيم حول إثبات هويتها الكردستانية واعتقد أن سجل التاريخ والعودة إلى ما قبل اكثر من قرن لهو المعيار الصحيح لإثبات كردية هذه المدينة المتآخية عبر الزمن حيث كانت الأخوة قائمة بكل معاني الحب والوفاء بعيدا عن سياسة التعريب اللعينة وسياسة التتريك الجديدة التي بدأت تبدو بوادرها اليوم، ولا اعتقد يوما ما بان تركيا ستكون وفيّة ومخلصة في الدفاع عن أحد في كركوك سواء كانوا اكرادا أو تركمان غير مصلحتها الذاتية في المنطقة فاين كانت الحكومة التركية عندما سحل النظام الدموي وقتل المناضلين التركمان في كركوك رغم وصول بعض إخواننا من التركمان لرئيس تركيا آنذاك بولند أجاويد إليه واخبارهم بجرائم صديقه صدام والتماسهم كي يفعل شيئا من اجل اطلاق سراح المحتجزين منهم و كان ردّه عليهم ان حكومتكم الوطنية هي في طريق الصواب ونحن لا نستطيع أن نفعل شيئا لكم ، وعلى مرأى ومسمع الكثيرين اعدم الحكومة الوطنية الفنان والمسرحي ( تمبل عباس ، والمحامى يشار عوني طوزلو ، ورئيس نادي الإخاء التركماني زعيم عبد الله وآخرون ، أقول  وللأسف لبعض الأخوة التركمان الذين يعيشون في كنف الحرية السائدة في كركوك  ويقارنوا الوضع في كركوك قبل عشر سنوات كيف كان النظام يتعامل معهم وحسب نتائج جولات المفاوضات التي جرت بين الأحزاب الكردستانية والنظام العراقي كان الوفد الكردي يطلب دائما أن يدرج حقوق التركمان في مستقبل الحل السلمي ولكن الجانب العراقي كان رده سلبيا وكان أصلا لا يعترف بان هناك في العراق قوميات أو أعراق أخرى غير العرب والكرد ، أقول ومن موقف حيادي يجب أن نعيَ حساسية هذه المرحلة ولا نكون مغفلين من المصائد التي تنصب لنا باسم الدين أو القومية أو مطامع قديمة تركية عفى عليها الزمن الآن حيث زمن المنطق الدبلوماسي والعولمة وحماية حقوق الإنسان أيا كان تركمانيا أم كرديا  أو أي طائفة أخرى ، فأقول انه ليس من مصلحة الأخوة التركمانية والكردية ترديد أبجديات الأحزاب الممولة خارج حدود العراق العزيز ، فليس من مصلحة الكرد ولا التركمان بعض التصريحات الرنانة التي تنقل على لسان بعض المسؤولين العسكريين في تركيا الجارة، ولا اعتقد أن تركيا ستكون لنا في يوم ما اّما ًرؤوماً  وتحمل البندقية والمدافع لتدافع عن حقوقنا المسلوبة والمهضومة من قبل الأنظمة الدكتاتورية عبر قرن من الزمان ، ولقد جربنا هذا الحرص الماكر في انتفاضة الشعب سنة 1991 عندما هاجمتنا نظام بغداد بالصواريخ في الجنوب وكان النظام الأيراني وقتذاك يتفرج على مذابح العراقيين، ولا يحرك ساكنا ،ولسان حالهم يقول (السياسة ليست لها اب أو أم ) وفي حينها كنا نموت من اجل الأمام الخميني الراحل في السجون والمعتقلات ، واين كانت تركيا عندما كانت  طائرات دول الحلفاء تذبحنا  والدول المحبة للسلام تتفرج على ذبحنا الجماعي في جنوب العراق وكردستان العراق ، ولا ادري ماذا فعلت تركيا المخلصة لقضيتنا ،ألم تكن هي تركيا نفسها الآن ؟ فارجو من اخواني التركمان الذين يعيشون في ظل دولة تركيا  التمعن والهدوء وعدم التسرع في الدفاع عن السراب والوهم التركي ، وكذلك عدم الاعتماد الأخوة في كردستان والجنوب على مخططات أمريكا وأعوانها ، وكذلك الحذر من خطوات المستقبل وعدم الإنجرار وراء بريق الشعارات واللافتات المزركشة وعدم نهش جسد الأخوة العربية والكردية والتركمانية والآشورية حيث أن الموزاييك العراقي جميل بالتآخي والتآزر وليس بالتطاحن والتنافر من اجل حفنة من المصالح الشخصية أو إرضاء طرف معين في إحدى الدول الطامعة أصلا في العراق الموحد وليس من اجل سواد عيون أحد وختاما اعتذر واستميح عذرا إن أسأت لطرف ما ودونما قصد ، ولنا عودة أخرى في ألبوم الذكريات ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟