الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمودي بحر العلوم وآية الله عجعوجي

تقي الوزان

2008 / 7 / 25
سيرة ذاتية


بعد مايقارب العشرين عاماً , عرفت من شقيقه انهم من بيت بحر العلوم . كانت دهشتي كبيرة : ياسبحان الله !! عمودي بحر العلوم ؟! يستغرب الكثيرون من هذه الدهشة , ولكن الذي عاش حياة الانصار يعرف سبب هذه الدهشة . عمودي , او عماد كما يحلو للبعض ان يسميه , كان من بين اصغر الملتحقين في صفوف بيشمركَة الحزب الشيوعي العراقي , ولم يكن يتجاوز عمره السادسة عشر ( ربيعاً ) , وحصل على عضوية الحزب بعد عامين حيث اكمل السن القانوني للانتماء . عمودي اصبح احدى اغنيات البيشمركََة التي رطبت تلك الحياة الجافة والقاسية , ليس في قاطع بهدنان الذي يعمل فيه فقط , بل في قاطع اربيل , وقاطع السليمانية وكركوك , والاعلام المركزي والمقر القيادي الرئيسي .

عمودي - آخر العنقود كما يقولون - لعائلة نجفية مناضلة , عصت على البعثيين عام 1963 وهي سنة ميلا د عمودي , وانتقلت بالكامل للاختفاء في بغداد بين الثورة والكرادة والطوبجي وعكَد النصارى , واستفاد الوالد رحمه الله هادي علي مرتضى من مهنته في الندافة للانتقال المتكرر بين هذه الحارات الغير معروف فيها . واحد اشقاء عمودي اسمه حسين كان يعمل في احدى الفصائل الفلسطينية مع مجموعة وديع حداد , وفي عام 1972 القي القبض عليه في عملية عين تيبة لاختطاف احدى الطائرات , واطلق سراحه عام 1982 على اثر عملية تبادل اسرى مع القيادة العامة حيث بدل 1263 اسير فلسطيني مقابل اربعة جنود اسرائليين .

عمودي اسمه الحقيقي ( سلام ) متوسط الطول , عريض الكتفين , ويداه تصل الى الركبة او تتجاوزها قليلاً , جبهته عريضة , ولا استطيع ان اقول رأسه كبير لانه لايقبل وربما سيسبني , بل اقول ان شعره كث ولم يحلقه لفترة طويلة – واذا قرءها عمودي سيضحك ويوافق على طول الشعر - , طيب بشكل لايصدق , ولايعرف الحقد طريقاً الى قلبه , كان يقاتل نظام صدام ليس بسبب حقده عليه , بل لتخليص اهله والعراقيين من شره , ويعتبر كل الانصار اهله , ويتحدث بصوت عالي حتى في ادق الامور العسكرية . يعيد ( النكتة ) مئة مرّة ويضحك عليها في كل مرّة اكثر من سابقتها . كانت تخرج له زيادات طولية لحمية في انفه ويصبح اشبه برأس العلي شيش , ويتم استئصالها بين فترة واخرى من قبل احد الاطباء بدون بنج .

الشيوعيون معروفون بالقراءة الكثيرة , ومكتبة القاطع قرءت عدة مرات , ومصدر الكتب اما من القصبات والمدن الكردستانية , او التوصية عليها مع الاصدقاء لجلبها من المحافظات الاخرى , او تأتي مع الرفاق القادمين من الخارج . عمودي مثل باقي الرفاق يحب القراءة , ولكنه كان يرغب الروايات . وفي احدى المرات كان يرعى عدة معزات , يجري الاحتفاظ بها لذبحها ايام الشتاء الطويلة حيث تنقطع الطرق لاشهر بسبب الثلج الكثيف , وكانت معه رواية الياطر للكاتب السوري حنة مينة , وانسجم مع الرواية وترك الحيوانات تسرح براحتها . وعندما انتبه لم يجد اثراً لها , عاد وحده الى المقر يتأبط رواية الياطر .

بعد عدة ايام اشترى القاطع عنزين ذكرين , وقبل ان يخرج بهما عمودي الى الرعي , طلب منه المسؤول الاداري ان يحلبهما قبل الذهاب . عمودي على عادته عندما يكلف بعمل- يتحمس لانجازه - , جلب من المطبخ قدر متوسط الحجم ووضعه تحت العنز الاول . وبدء يسحب بخصيتيه واخذ العنز يصرخ , كان عمودي يعتقد انه كلما ضغط بقوة سيندفع الحليب , الا ان العنز تهستر بصراخه حتى سمع في مقر الفرع الاول للحزب الديمقراطي الكردستاني وكان يبعد عن مقرنا اكثر من كيلومتر . عمودي لم يفقد الامل فجرب مع العنز الثاني , وكان اشرس من العنز الاول , فبالاضافة الى الصراخ اخذ يرفس ويدفر برجليه ( يزاكط ) حاله حال الحمار او البغل , والحليب لم يخرج .

عمودي لديه الكثير من الاحداث التي يتناقلها الانصار باعتزاز في مفارزهم ومقراتهم , واحدى صور هذا الاعتزاز تجسد في تلحين اغنية من قبل الملحن العراقي الكبير كوكب حمزة , وكان يضبط ايقاعها الراقص على صوت كلمة كردية تستخدم لحث البغال على الاسراع في المسير ( هجده ... هجده ) , ويؤديها مجموعة من الفنانيين والبيشمركَة وتكون الاكثر حماسة وطرباً من بين كل الاغاني التي يحفظونها , وعمودي من ضمن الجوقة طبعاً .

في احد الايام تمكن الفنان المسرحي هادي الخزاعي ( ابو اروى ) مع رفيق آخر اقناع عمودي بعد جولة طويلة من المناقشات , والمعرفة المسبقة باحلامه , وتحليل نوازعه الانسانية , والانتقال للحرمانات الجنسية في كردستان , وما تتركه من انحرافات خاصة وانه يكرر دائماً كونه لايزال (باكراً) , والاحتمال الاكثر رجاحة ان يتحول الى انثى . . لحظات وظهر القلق على عمودي , واخذ يفكر باضطراب . وعمودي عندما يفكر بشكل جدي , يتعب بسرعة , ويفقد السيطرة على باقي الاشياء . مرّ من امامهم في هذه اللحظة المسؤول الاداري لفصيله " ابو نضيلة " , وكان قد طلب منه في الصباح ان يعطيه رأس بصل مع الغذاء . فسأله : ها ابو نضيلة وين راس البصل ؟ اجابه : اذا انطيك لازم انطي للكل , وما عدنه بالمخزن هاذي الكمية . شاط عمودي واجابه بحدية : والله العظيم اذا صرت مره اصادق كل الانصار ( وما اصادقك ) لو تموت , حتى بوسة هم ما انطيك .

كان عمودي ينوي الذهاب في مفرزة الى مقر الفوج الثالث بعد الظهر , وفي الحادية عشر قبل الغذاء تخطانا وجلس في موقع قريب يتوسط صخرة كبيرة اتكأ عليها وامامه شجرتين وادغال . كان في وضع استرخاء , ويوحي بالاسترسال في التفكير , وهذا ما حرض الشك عندي . فأستدرت من مسافة قريبة, وجئت من خلفه , سمع صوت حركتي , لملم نفسه , والتفت بسرعة , لم يتمكن من اخفاء ورقة كتاب وحيدة في يده , طواها ووضعها في جيبه , وتلعثم . قبل يومين عرفت من مسؤول المكتبة في القاطع " ابو سعد "ان رواية الياطر التي عليها اقبال جيد في القراءة , استقطعت منها ورقة تصف عملية جنسية . فاجأته بتأنيب لم يتوقعه , وكيف يسرق ورقة من الياطر هي ملك لكل الرفاق ؟! تبلد بالكامل , وسألني بلا تركيز : شلون اعرفت ؟ صورت له هذه الورقة اهم من البيان الشيوعي لماركس , وان سبب ضربة الحزب هي بسبب الاخطاء اللي ارتكبوها باقي الرفاق مثلك . المهم عمودي بدء يتوسل , فأخبرته : بأن يأتيني بقنينة ( عركَ ) عندما يعود مع المفرزة , وذلك ان القرى القريبة من الفوج الثالث فيها من يبيعه , حتى اسكت (الحزب منع منعاً باتاً تناول الكحول في كردستان ). تحير عمودي, ولكني لم اتزحزح عن الشرط , فسألني : وما تفضحني ؟ فأكدت له لن ( افضحه ) , وبس هذي المرّة ؟ طبعا بس هذي المرّة . الا ان عمودي جلب لي بعدها قنينة اخرى على اساس الصداقة , وهو يعرف اني سابتزه ان لم ياتي بها , ولكي لاتعاد عليه مواد الاتهام والتهديد ب( الفضيحة ) آثر ان يأتي بالقنينة كهدية .

بعد هجوم الانفال على كردستان , خرج بعضنا من الكبار في السن والعوائل والمرضى الى دول الجوار . كنت اسير مع صديق في ( كوجه مروي ) في طهران , والكوجه تعني الزقاق , ومروي : الدلاّل , وهو زقاق يتفرع من شارع ناصر خسرو الرئيسي في مركز طهران , ويرتاده العراقيون بكثرة . كوجه مروي معروفة بكل انواع المحرمات والممنوعات , تزوير عملات , جوازات سفر , صفقات مواد مهربة , مواد مخدرة . . الخ , وهي مركز للامن والمخابرات الايرانية . ومن بين الصخب والزحام سمعت صوت عمودي من خلفي يلعلع : آية الله العظمى ابو العج . ( اخترت كنية ابو عجو في الانصار , وعجو في اللهجة البغدادية تعني السمين والقصير معجعج , واتخذت هذا الاسم لملاطفة بعض الذين اتخذوا اسماء ثورية كبيرة ) حاولت ان افلت منه في الزحام , كررها واصبح اكثر قرباً : آية الله عجعوجي . التفت اليه , وحاولت بحركة من يدي ان اسكته وهو لايبعد اكثر من خطوتين : انت ليش متجوز من سوالفك ؟ بايران , وبهذا المكان المشبوه , وتصنف النوب على آية الله , تريد تحبسنه ؟! اجابني وضحكته تجلجل : آني غير احبك وكَتلك آية الله عجعوجي , وضربني على كتفي . لك اسكت من حبتك حية , ووجدت ان لافائدة من تنبيهه , بالعكس ازداد ضحكه , تذكرت فجأة : عمودي اذا اتكرره مرّة ثانية تره افضحك , وتعرف شأقصد . لم اتوقع ان تتبدل ملامح عمودي بهذه السرعة , ويسكت , ويحاول ان يتركنا بأسرع وقت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون