الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاذ والعام في جيش الاحتلال

برهوم جرايسي

2008 / 7 / 25
القضية الفلسطينية


لم يجد وزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك، ما ينطق به من رد فعل على جريمة جندي الاحتلال الذي أطلق النار على شاب فلسطيني معتقل ومكبل اليدين في قرية نعالين في الضفة الغربية المحتلة، سوى الادعاء بأنها تمثل حادثاً "شاذاً" لا يعكس "المستوى الأخلاقي" للجيش الإسرائيلي.
بالإمكان أن نتفق مع باراك بأن هذا الحادث كان "شاذاً"، ولكنه شاذ ليس من باب إطلاق النار بحد ذاته، بل لأنه من حسن حظ المعتقل أن الشابة الفلسطينية سلام عميرة (17 عاماً) كانت تقف من خلف شرفة، وتصور بكاميرا فيديو ممارسات جنود الاحتلال قرب بيتها، لتوثق الجريمة بشكل غير قابل للتأويل. فهذه الجريمة لم يكن ضحيتها الشاب المعتقل فحسب، بل أيضاً الشابة الرائعة سلام، التي من حق أهلها وشعبها الاعتزاز بها، إذ نقلت هول الجريمة، التي أوقعتها أرضاً وهي عن بعد، حيث لم تستطع تحمل رؤية المشهد الإجرامي.
ولكن الجريمة لم تنته عند هذا الحد، بل تواصلت بأشكال مختلفة، بدءاً من محاولات باراك تبريرها والتخفيف من حجمها، وصولاً إلى إطلاق سراح الجندي المجرم بعد ساعات من احتجازه، ربما في ظروف فندقية، كما جرت العادة في الأجهزة الإسرائيلية، ولنقرأ لاحقاً في وسائل إعلام إسرائيلية، تقارير صحافية متعاطفة مع الجندي ذاته، "الذي أصيب بصدمة وخيبة" كما يحلو لصحيفة "يديعوت أحرنوت" أن تكتب في تقريرها على موقعها في الانترنت.
لا يجد باراك أي حرج في أن يقف أمام وسائل إعلام محلية وعالمية، ليكذب مع سبق الإصرار، حين يتحدث عن "أخلاقيات" جيش الاحتلال، لأنه لا يوجد في العالم "احتلال أخلاقي"، والاحتلال بحد ذاته جريمة بحق الإنسانية، ومرتكبها مجرم من الدرجة الأولى، وجريمة ذلك الجندي هي مشهد واحد من حالة عامة ومتواصلة لجرائم خطيرة ترتكب يومياً وبأشكال مختلفة ضد الشعب الفلسطيني.
كذلك فإن ماضي وحاضر باراك نفسه حافل بجرائم الحرب، إذ لا يجد باراك ما يمجّد به ماضيه في خطاباته المتعددة، سوى الحديث عن ذلك "الضابط الذي تجول في شوارع بيروت متخفياً بزي امرأة" لينفذ جرائم اغتيال شخصيات فلسطينية، وهو يقصد ذاته، وغيرها من جرائم الاغتيال المتعددة التي ارتكبها.
لكن في هذه الجريمة نقطة ضوء، يحتم علينا واجبنا الأخلاقي أن نلتفت إليها باحترام وتقدير، وهو أن الشابة سلام، ومن خلال معارف ومقرّبين، وجدت نافذة نحو العالم لكشف الجريمة، هي منظمة "بيتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، المتخصصة بشؤون الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي منظمة إنسانية بارزة، ومميزة جداً بنوعية نشاطها في رصد جرائم الاحتلال، وهو عمل يتطلب مغامرة وجرأة على المواجهة، يقودها بالأساس ناشطون يهود، ويستعينون أيضاً بباحثين ميدانيين عرب.
كذلك هناك عدة منظمات وحركات أخرى تعمل في مجال الكشف عن جرائم الاحتلال وتوثيقها، مثل "جمعية حقوق المواطن" الإسرائيلية، وحركة "كاسرو جدار الصمت"، وهي حركة تجمع بالأساس شهادات جنود احتلال، حول ممارسات جيش الاحتلال والمستوطنين في مدينة الخليل، ظهرت لأول مرة في العام 2002 في أعقاب عدوان "السور الواقي" الذي شنه جيش الاحتلال في شتاء العام ذاته على الضفة الغربية المحتلة، وكانت المبادرة من مجموعة جنود وضباط احتلال، لم يحتملوا هول الجرائم، فقرروا "كسر جدار الصمت"، ليتحولوا لاحقاً إلى حركة، توثّق حتى الآن الجرائم في مدينة الخليل بالأساس.
كذلك نرى مجموعات، رغم قلة ناشطيها نسبياً(بعضها يضم العشرات وبعضها الآخر المئات من الأعضاء) تخوض نضالاً مريراً وحقيقياً ضد الاحتلال، مثل النضال ضد الجدار في قريتي بلعين ونعالين، وحركة "كتلة السلام"، التي تقود ضمن نشاطها المتعدد، مقاطعة منتوجات واقتصاد المستوطنين في الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلة، على المستويين المحلي والعالمي.
وتحظى هذه الحركات، والناشطون فيها، باحترام وتقدير الشارع الفلسطيني بأكمله، ولا مخاطرة حين نقول إن هناك اجماعاً فلسطينياً على هذا، ولكن في بعض الأحيان تجد جهات تحاول تجاهل هذه المنظمات، وكأن الحديث عنها هو نوع من "التطبيع"، أو "الاعتراف بوجود إسرائيل"، وما إلى ذلك.
وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين، أولهما أن هذه المنظمات تقوم بعمل إنساني من الدرجة الأولى، داعم للقضية الفلسطينية، وتؤكد فيه صدق رواية هذه القضية، وهذا مهم لأنه حين يأتي التأكيد والتوثيق، حول معاناة صاحب القضية، من داخل المجتمع الذي ترتكب قيادته الجريمة، فإن وقع هذا على الرأي العام العالمي، وحتى على المجتمع الإسرائيلي يكون أكبر من حديث الضحية عن ذاتها.
أما الأمر الثاني، فهو أنه ليس سهلاً على الإسرائيلي أن يكون مناصراً للسلام ومناهضاً حقيقياً للاحتلال، لأنه يعيش في مجتمع يجنح بشكل متواصل نحو اليمين المتطرف والعدوانية وتبرير الجريمة بحق الإنسانية والشعب الفلسطيني، وغالباً ما يشعر هؤلاء بأنهم منبوذون في مجتمعهم، ويواجهون تعاملاً نابياً ومجحفاً، ولهذا فإنهم يستحقون منا كل تقدير واحترام واعتراف بالجهود.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم


.. الحرب في أوكرانيا.. خطة زيلينسكي للسلام




.. مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يرصد آخر الأوضاع في مدينة رفح


.. كيف هي الأجواء من صعيد عرفات؟




.. مراسل الجزيرة يرصد أراء الحجاج من صعيد عرفات