الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تطالب الدول النامية -بالمديونية البيئية- من الدول الصناعية؟

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 29
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


لقد أدت التطورات الكبيرة في سياسة اقتصاد النمو إلى ما لا نهاية، وهو ما يميز الاقتصاد الليبرالي الجديد، وموجة العولمة الاقتصادية إلى اختلالات هائلة على التوازن البيئي وعلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما استدعى تطوير نظام اقتصادي أكثر استدامة على مستوى التخطيط الاقتصادي الكلي وآليات السوق وعلى صعيد الاقتصاد القطاعي، ومثل هذا النظام الاقتصادي المستدام هو الذي يمكن أن يحفظ قدرة البشر في هذا الكوكب على إدارة موارده الطبيعية وتوزيع خيراته بشكل عادل ولا يؤثر على حقوق الأجيال القادمة ولا على حقوق التوزيع المتساوي للثروة ويخفف بشكل واضح من غلواء التدهور البيئي الذي تتسبب به السياسات الاقتصادية التقليدية الحالية التي تبحث عن النمو دائما وأبدا ولا تضع في عين الاعتبار التكلفة البيئية والطبيعية والاجتماعية لهذه السياسات الاقتصادية. 
وتقول منظمة أصدقاء الأرض وهي من أكثر المنظمات البيئية في العالم انتقادا للسياسات الاقتصادية للعولمة أن العولمة الاقتصادية التي تسود العالم حاليا والتي تبحث عن الربح بغض النظر عن الكلفة  البيئية والاجتماعية تتناقض تماما مع مبادئ التنمية المستدامة لعدة أسباب منها:
1- زيادة نسبة التباين الاقتصادي ما بين الدول وضمن الطبقات الاجتماعية للدولة الواحدة.
2- تركيز الثروة والقوة بأيدي نخب اقتصادية وسياسية معينة وحرمان بقية الناس منها وبالتالي تقويض مبادئ الديمقراطية.
3- التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للفئات غير القادرة على التأقلم مع خصوصيات العولمة.
4- تضاعف مستويات استنزاف الموارد الطبيعية والبيولوجية
5- منع صيانة وتحسين أنماط التجارة والاقتصاد المحلي الذي يدعم المجتمعات الفقيرة والريفية
6- إضعاف المعاهدات البيئية الدولية والاتفاقيات التي تشكل مظلة جهود التنمية المستدامة في العالم.

وقد ظهرت أخيرا دراسات هامة حول مفهوم المديونية البيئية Ecological Debt الذي يشير إلى أن الدول الصناعية في الشمال قد دأبت دائما على استنزاف واستهلاك الموارد الطبيعية لدول الجنوب بكثافة وبأسعار قليلة جدا ومع ذلك فإن الدول الفقيرة في الجنوب لا تزال تجد نفسها ترزح تحت طائلة مديونية مالية كبيرة لدول الشمال ولا تعطي الدول الصناعية ومؤسسات النقد الدولية أية فرصة لدول الجنوب للتحرر من هذه الديون كما لا تعترف دول الشمال بالديون البيئية التي تراكمت على مدى عقود وقرون من الاستغلال المتواصل.
وهذا ما يجعل الدول النامية أيضا تجد نفسها أمام خيارات قليلة، وهي ملزمة بلعب الدور المطلوب منها في الاقتصاد العالمي وهو أن تبني كل اقتصادها على التصدير للحصول على الموارد المالية اللازمة لسداد الديون التي لا تنتهي بل تتزايد دائما وأبدا وهذا بدوره يعني تراجع أسعار السلع من الدول النامية في الأسواق العالمية وبالتالي تقليص العوائد الناجمة عن تصدير هذه السلع. وبالتالي فإن كل هذه السياسات الاقتصادية للعولمة لا تساهم في بناء اقتصادات مستدامة ومجتمعات مستقرة في الدول النامية.
وتتضمن المديونية البيئية ايضا نظام الاقتصاد العالمي الحالي والذي ساهم في تدهور أسعار معظم المنتجات الأولية التي يعتمد عليها الجنوب في التصدير، فمع المزيد من المنافسة وبالتالي زيادة العرض انخفضت الأسعار وخسرت الدول النامية الكثير من العوائد التي كان يمكن أن تحافظ عليها من خلال نظام تجاري أكثر عدالة. وفي نفس الوقت فإن المنتجات التقنية لدول الغرب تتمتع بزيادات سريعة ومتواصلة للأسعار.

وهناك أيضا مفاهيم أخرى في علاقة دول الشمال بالجنوب وأبعادها البيئية ففي بداية التسعينات بدأ باحثون في جامعة كولومبيا بقياس مساحة الأرض المطلوبة لتزويد السكان بالمواد، والموارد بشكل عام بناء على معدلات الاستهلاك المتباينة جغرافيا وكذلك قياس المساحة التي يتطلبها امتصاص نفاياتهم. وقد أطلق على هذه الطريقة المبتكرة "البصمة البيئية Ecological Footprint  وتقاس بالهكتار . وفي بعض البلدان مثل الولايات المتحدة تعتبر البصمة البيئية أكبر من مساحة البلاد نفسها بسبب اعتمادها الكامل على الواردات أو بسبب الاستغلال الجائر لمصادرها وقدراتها على امتصاص النفايات. وقد خرج الباحثون في الجامعة بنتيجة تؤكد أن الموارد المطلوبة لتأمين مستوى معيشة مثل الذي يتمته به الأميركي أو الكندي لكل سكان العالم يتطلب ثلاث كرات أرضية أخرى مثل التي نعيش عليها. وتؤكد هذه الدراسات أن البصمة البيئية للولايات المتحدة لوحدها تستحوذ على أكثر من 20% من المساحة الكلية لكوكب الأرض. 

من أبرز المفاهيم التي طورها الفكر الاقتصادي الأوروبي المستدام مؤخرا، مفهوم "المساحة البيئية  Environmental Space والذي يرتبط إلأى حد ما ما مع مفهوم البصمة البيئية، إلا انه يستخدم في تحديد الحصة العادلة لكل دولة في العالم من الموارد الطبيعية ومدى تجاوزها لهذه الحصة، ويقوم بتحليل معيار العدالة البيئية في ذلك، وهذا ما أدى أيضا إلى تطور مفهوم الديون البيئية Ecological Debts
ومن ابرز المحاولات في هذا الصدد ما قام به الباحثون الألمان في معهد فوبرتال للبيئة والمناخ في الدراسة الشهيرة " تخضير الشمال" والتي قدم فيها المعهد خلاصة لنتائج أبحاثه في كيفية انتقال المجتمعات الأوروبية إلى الاستدامة، وطور من خلال الدراسة مفهوم المساحة البيئية. وينطلق المفهوم من حقيقة أن معظم السياسات البيئية في العالم قد ركزت في عملها على تقليل انبعاث الملوثات من الأنشطة الاقتصادية وحققت نجاحا ملحوظا حاصة في أوروبا الغربية. وتركز الدراسة الألمانية على دورة حياة السلعة الإنتاجية من كونها مادة خام ومن ثم مرورها بعمليات الإنتاج وأخيرا انبعاث المخلفات إلى البيئة. أما المساحة البيئية نفسها فتشير إلى المساحة من الأرض التي يمكن استغلالها بدون إحداث ضرر نهائي لا يمكن تصليحه في عناصرها الأساسية. ويعني المفهوم بالتالي القدرة الاستيعابية للأرض والموارد الطبيعة على دعم النشاطات الاقتصادية ويركز على الحدود الاستثمارية لها. وتؤكد الدراسة أن الدول الصناعية قد تجاوزت بكثير المساحات البيئية المحددة لها طبيعيا بينما لا تزال الدول النامية غير قادرة على الوصول إلى استغلال المساحة البيئية التي تستحقها، وهذا ما يؤكد عدم وجود عدالة بيئية في استثمار الموارد الطبيعية.

وهذا ما يؤكد أن على الدول النامية أن تبدأ فعليا بالمطالبة بديونها البيئية من الدول الصناعية، والتي لا ترحم أحدا من الديون المالية بينما تستمر في سرقة الموارد الطبيعية لدول النامية يوميا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة