الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعود بونابرت؟

رمضان متولي

2008 / 7 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أهمية التاريخ في حياة الشعوب أنه مدرسة حية لا تنضب أبدا. وبدون استخلاص الدروس والعظة من تاريخنا يصبح هذا التاريخ بلا معنى، وتصبح الأحداث الكبرى مجرد أرقام وأسماء فارغة يمل طلاب المدارس من استذكارها ويسخرون منها ويعتبرونها عبئا سخيفا يتحداهم ويتحدى عقولهم المجهدة يوم الامتحان. قراءة تاريخ مصر المعاصر، وخاصة حركة الضباط في يوليو 1952، يمكن أن تقدم لنا إجابات كثيرة على أسئلة حية وآنية، في وقت نتساءل فيه عن أسباب ما آلت إليه أوضاع البلاد وملامح المستقبل الذي تتخبط فيه الرؤى بين آراء تبعث على الإحباط واليأس وتعزز الشعور بالعجز وأخرى عنترية زائفة تعيش في أحلامها أكثر مما تلامس الواقع وتزايد على الجميع – حتى على جماهير الشعب نفسه متهمة إياها بالتخاذل وإدمان الخنوع لتحتكر لنفسها بطولة وهمية لا تكلفها كثيرا ولكنها لا تسمن من جوع.

في ضوء تاريخ هذه الفترة وأوضاعنا الحالية، أعتقد أنه يجب علينا أن نبحث عن إجابة لسؤال شديد الأهمية: هلي يمكن لجماعة ما أن تنقض للاستيلاء على السلطة في بلد مثل مصر دون أن تمتلك برنامجا واضحا ودون أن يكون لديها صلة حقيقية بالجماهير، ثم تنجح مع ذلك في الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها، بل وتغيير طبيعة النظام السياسي وإدخال إصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق؟

تاريخ حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو من عام 1952 يؤكد أن هذا ممكن لكن فقط على حساب المستقبل. فلم يكن هؤلاء الضباط يمتلكون مشروعا سياسيا واضح المعالم، بل إنهم عندما قاموا بحركتهم أخفوا أسماءهم وهويتهم عن الشعب تماما وتقدموا تحت واجهة اللواء محمد نجيب، الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للجمهورية. ولم يرفعوا إلا مطالب محدودة للغاية، مثل إصلاح الأحزاب السياسية والقضاء على الفساد الذي شعروا بلدغته القاسية في هزيمة حرب فلسطين عام 1948.

قطعا هناك أسباب كثيرة وراء نجاح الضباط في السيطرة على الدولة، منها ضعف الملك وهشاشة النظام السياسي الحاكم آنذاك. علاوة على تردد وعجز القوى السياسية المعارضة للنظام والخارجة عليه مثل الإخوان المسلمين وجماعات اليسار مثل "حدتو" وغيرها، بغض النظر عما كان هذا العجز من الناحية التنظيمية أم السياسية أم الأيديولوجية. أضف إلى ذلك مهارة الضباط في المناورة مع مختلف القوى السياسية والتي ترجع رغم ذلك إلى خوفهم من حجم الحركة التي قاموا بها والمفاجأة التي واجهوها عندما اكتشفوا أنهم لم ينقلبوا على نظام راسخ يستطيعون فيه التفاوض مع قوى مؤثرة في الشارع السياسي على مطالبهم الإصلاحية البسيطة ومن ثم العودة إلى الثكنات، بل واجهوا نظاما كان يتوقع انهياره في أي لحظة ولم يكن تسييره لأعماله إلا بمنطق الحفاظ على بقائه في الحكم أطول فترة ممكنة اعترافا بإفلاسه وفشله رغم جبروته وقبضته الأمنية.

لكن أحد الأسباب الهامة التي لم يناقشها أحد على حد علمي هي حالة الإحباط العامة التي أصابت الجماهير المصرية انتظارا لقيادة سياسية تستطيع أن تبلور مطالبها السياسية والاجتماعية في برنامج ثوري يطرح على الساحة في مواجهة النظام الملكي المنهار وفي مواجهة الانقلاب العسكري فاقد الاتجاه والهوية. هذا الإحباط أصاب الحركة الجماهيرية بعد عقود من النضال منذ عام 1911 وحتى عام 1946 شهدت فيها مصر ثورة حقيقية في عام 1919 أفرغها الوفد من مضمونها لصالح التفاوض مع الاحتلال وأخرى في عام 1946 ووجهت بوحشية بالغة ومع ذلك تواصلت حتى هزيمة حرب فلسطين وفشلت قوى اليسار في قيادتها إلى النصر.

جماهير أصابها الإحباط، ومنظمات سياسية فاشلة وعاجزة ونظام سياسي فاسد وضعيف وفاقد للمشروعية – تلك هي الظروف المثالية لظهور "بونابرت" – العسكري المغامر الذي يستطيع المناورة واللعب على ضعف القوى السياسية المتخاصمة وعجز الطبقات الاجتماعية المتصارعة عن حسم المعركة في هذا الاتجاه أو ذاك، إلى أن يستحوذ على السلطة ويفرض ديكتاتورية عسكرية صارمة مستندا إلى بعض الإصلاحات الاقتصادية – خاصة بالنسبة للفلاحين والطبقة الوسطى – وقدرته على فرض الاستقرار ولو بالعنف.

لقد قطع انقلاب 1952 الطريق على ثورة اجتماعية جماهيرية كانت تختمر في المجتمع المصري في لحظة تعثرت فيها هذه الثورة نتيجة ضعف أو فشل التنظيمات السياسية الثورية. الظروف خدمت هؤلاء الضباط الذين قاموا أيضا بالاستيلاء على بعض البرامج الإصلاحية التي كانت مطروحة آنذاك، مثل برنامج الإصلاح الزراعي وتحديد سقف الملكية في الأراضي الزراعية الذي فشل النظام الملكي المتحلل من تمريره وبرنامج مجانية التعليم وغيرهما، كما خدمتهم الظروف أيضا على صعيد قضية الاستقلال بعد تراجع مركز بريطانيا كقوة عظمى وظهور قوى عظمى جديدة بعد الحرب العالمية الثانية تسعى إلى تقسيم مناطق النفوذ فيما بينها على حساب بريطانيا وفرنسا.

بدأنا بسؤال وننتهي أيضا بسؤال: هل نحن في انتظار بونابرت جديد؟ لقد شعرت لدى البعض بهذه الرغبة جارفة وعميقة، وهو أمر شديد الخطورة لأنه يعني ببساطة أننا لا نتعلم من التاريخ.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز