الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تتنصل الأحزاب السياسية الدينية تدريجيا من التزاماتها التي تبنتها في مؤتمرات المعارضة العراقية؟

عادل عباس الشيخلي

2004 / 1 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


   استطاعت قوى المعارضةالعراقية بكل اطيافها الليبرالية والدينية والمستقلة قبل سقوط  النظام الدكتاتوري في مؤتمراتها المنعقدة في فيينا 1992  وصلاح الدين 1992  وفي مؤتمرالمعارضة في لندن2002,  الأتفاق على بعض الثوابت  التي تعتبر من الناحية السياسية والفكرية تطورا نوعيا سيؤثر دون شك, اذا ماأخذ بها, على طبيعة النظام السياسي في العراق. كالأتفاق على ان النظام الديمقراطي الدستوري هو الألية الوحيدة والأنسانية التي تكفل بناء عراق ديمقراطــي فيدرالي  يحترم الدستور الدائـم وحقوق الأنسان ينعم فيه وطننا وشعبنا بالأمان والسلام  ويحتـرم الألتزامات والمواثيق الدوليــة ولا تنطلق منه حرب ويؤسس فيه المجتمع المدني  ويكـون تداول السلطــة فيــه سلميـــــا حسبما تفرزه صناديـق الأقتراع من نتائـج وترسيخ مبدأ الفصـل بين السلطات الثلاث ويتآخـــى فيــه العرب والأكراد وسائر الأقليــات القوميــة وتفعيل دور المراة  وتحريرها تدريجيا من كل القيود القانونية والتشريعات المجحفة بحقها,  بما يهيء سبل التقدم الأجتماعي والثقافي والمهني والعلمي لها  وكذلك رعاية الأمومة وضمان حقوق الطفل وفقا للوائح والمواثيق الدولية( انظر البيان السياسي لمؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن للفترة من 13 لغاية 17 كانون الأول 2002 ).

 

  ورغم قبول الأحزاب السياسية الدينية أنذاك بهذه الثوابت الا ان اصرارها على أعتبارأحكام الشريعة الأسلامية مصدر اساسي من مصادر التشريع أومراعاة المنهج الأسلامي وتعاليمه في الثقافة والأعلام والمناهج التربوية, أثار في حينها كثيرا من الجدل والشك في مصداقية ايمان هذه الأحزاب  بالديمقراطية   ناهيك عن تحقيقها بعد سقوط النظام الدكتاتوري.

 

اذن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي  دفع بالأحزاب الدينية انذاك الى القبول بهذه الثوابت ؟ هل كان نتيجة لقناعة فكرية؟ ام محاولة تكتيكية ورائها عوامل موضوعية أنية من جهة واهداف سياسية مستقبلية غير معلنة من جهة اخرى؟. ان سياسة الأحزاب الدينية خلال العشرة اشهر المنصرمة ومحاولاتها ترويض الشارع العراقي حسب الوصفات التي تلائمها اخذت تثير كثيرا من الأسئلة عن النوايا الحقيقية لهذه الأحزاب. فهل تتنصل الأحزاب السياسية الدينية تدريجيا من ألتزاماتها التي تبنتها في مؤتمرات المعارضة العراقية؟ 

 

  ان متابعة دقيقة لسلوكية الأحزاب الدينية والكيفية التي تحاول من خلالها تمرير مطاليبها السياسية وتصريحاتها السياسية في الأونة الأخيرة تعكس بوضوح, ان القبول بما جاءت به مؤتمرات المعارضة العراقية من مقررات, لم يكن نتيجة لقناعة فكرية اوموقف فكري او فلسفي أوالأستناد على  آيديولوجية محددة, يمكن تلمسها على سبيل المثال في البرامج والأهداف السياسية او الأنظمة الداخلية لهذه الأحزاب,  بل انها(حسب اعتقادي) مناورة تكتيكية مدروسة لذر الرماد في العيون حتمتها التطورات السياسية العالمية كانهيار النظام الشيوعي في اوربا الشرقية وفشل دكتاتورية الحزب الواحد وتطلع شعوبها الى الديمقراطية باعتبارها الحل الأمثل لمشكلاتها السياسية ... اخطاء النظام الشمولي الأسلامي في ايران وفشله في حل مشاكل بلده المستفحلة يوم بعد اخر... سقوط نظام طالبان وافكاره الشمولية... ادراك الأحزاب السياسية الدينية الشيعية وبشكل جيد اهمية الأستفادة من الفرصة التاريخية المتوفرة لأسقاط النظام الصدامي ودعم التحرك الدولي بهذا الأتجاه... اضافة الى ركب موجة الرغبة الأمريكية الحقيقية في تغيير النظام الدكتاتوري بعد احداث ايلول 2001, حيث سيعني التغريد خارج السرب  وضعها خارج عملية تقسيم كعكة السلطة ولسنوات طويلة كما حصل مع الطائفة الشيعية بعد تاسيس الدولة العراقية 1921 حيث ظلت تعاني لأكثر من ثمانية عقود قلة تمثيلها في مؤسسات الدولة المختلفة. هذه الأسباب هي التي دفعت الأحزاب السياسية الدينية  للمناورة والقبول بقرارات مؤتمرات المعارضة العراقية!!!!

 

     ان تصريحات عدة لكثير من السادة رجال الدين والمرجعيات الدينية مثلا: رفض  تولى امرأة  منصب القضاء بحجة ان الشرع لا يجيز ذلك او رفض الحكم الفيدرالي الا بعد استفتاء كل الشعب العراقي بانتخابات عامة.. او محولة ابعادالعراقيين المغتربيين عن المساهمة في عملية الأنتخابات لغرض حرمانهم من اداء دورهم في العملية السياسية ... اوالقرارالرجعي المرقم 137 الصادر في 1/1/2004 الموقع من قبل الرئيس الدوري لمجلس الحكم في كانون الأول السيد عبد العزيز الحكيم الذي الغي بموجبه قانون الأحوال الشخصية الذي صدر ابان حكم الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم وتأجيج الشارع العراقي عن طرق المظاهرات بما يخدم مصالح المؤسسات الدينية الشيعية او رفض ادخال مبدأ فصل الدين عن سياسة الدولة في الدستور الجديد حيث أبدى كثير من المفكرين الإسلاميين وغالبية الأحزاب والحركات السياسية الدينية وفي اكثر من  مناسبة تحفظاتهم وعدم قبولهم لهذا التوجه بل يحاول بعضهم فرض شكل معين من أشكال الدولة (الدولة الأسلامية)... كل ذلك من  شانه اثارة الكثير من الشكوك في مصداقية تحقيق الديمقراطية على يد الأحزاب الدينية في العراق  كما يمكن تفسيره كمحاولة اولى للتنصل من التزاماتها التي تعهدت بها في مؤتمرات المعارضة.

 

   أن المسالة الأساسية المطروحة في عراق اليوم والذي يمر بمرحلة تأريخية مهمة, اضافة الى الأنتخابات التي يجب ان تجري في ظروف ملائمة وضمان توفر الحد الأدنى لشرعيتها, هي تشريع دستور تكون إحدى  بنوده الأساسية  فصل الدين عن سياسة الدولة وبناء مؤسسات المجتمع المدني واحترام حقوق الأنسان ومساواة المرأة مع الرجل......  أن كل ذلك يمس  مستقبل الدولة الجديدة في العراق والتي سوف لن تكون مفروضة على المجتمع العراقي من الخارج .... فالدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره الثقافي والنضالي . إن الدولة الحضارية في عراق المستقبل  لابد أن تتعامل مع واقع... ان المجتمع العراقي فيه كثير من التناقضات, منها ما كان نتيجة سياسة النظام البائد.... والأخرى تتعلق بالتركيبة الدينية والطائفية والقومية  التي تسود العراق, ومنها مايرتبط بتعدد القوى السياسية الممثلة لقطاعات الشعب المختلفة (بطبقاتها وفئاتها المتعددة) بإتجاهاتها الفكرية المتنوعة والتي تتمتع بخبرة سياسية ونضالية تمتد لعشرات من السنين. ان المجتمع العراقي وللأسباب الذكورة يتميز بوجود متضادات مستعصية فيه, يكون من الصعب جدا الخلاص منها أو حلها بالأسلوب القديم  ولكي لاتقوم هذه المتضادات (أديان ومذاهب وقوميات وطبقات وأحزاب متعددة) بألتهام بعضها البعض وإدخال المجتمع في صراع عقيم ... يقتضي الأمر وجود قوة تقف فوق الجميع , قوة تبقي التضاد ضمن حدود النظام . ان هذه القوة المنبثقة من المجتمع والتي تضع نفسها مع ذلك فوقه وتديره , هي الدولة الحضارية التي تستند على دستور دائم احدى بنوده الأساسية ; مبدأ فصل الدين عن السياسة.  

 

    يقف العراق اليوم على مفترق الطرق، وعلى مشارف الانتقال نقلة نوعية في المستقبل القريب مما يضع الأحزاب السياسية الدينية امام مسؤلية تأريخية كبيرة  تتمثل  في  التأكيد على الثوابت التي قطعتها على نفسها قبل اسقاط النظام الكتاتوري.. والمساهمة في ايجاد حل تشترك فيه كل الأطراف لخلق ارضية واسعة لتذليل كل  العقبات  التي من شانها اجراء انتخابات حرة وواسعة ونزيهه, واتخاذخطوة جريئه  بعدم زج الدين في السياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن