الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان .. الطائفية وصراع المصالح

نجيب غلاب

2008 / 7 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الطائفية في لبنان هي المحدد الجوهري للسلوك السياسي لمعظم اللبنانيين، وأغلب قرارات الجماعات السياسية هي ذات طابع طائفي، هذه الحقيقة يحاول اللبنانيين إخفاؤها عن بعضهم البعض وعن الآخرين، فالخطاب السياسي الذي يستنكر الطائفية ليس إلا تغطية وتمويه وخداع، وفي أحسن الأحوال دعاية لتحسين صورة الذات.
وكل لبناني يدرك ان الطائفية هي الحاكمة للعقل السياسي، وكل طرف يفهم الآخر ويعرف أهدافه ومصالحة، وكل الأطراف تقبل الواقع اللبناني وتقسيماته، والذي يذكي الصراع أن كل طرف يحمل تعصبا لطائفته ولها الأولوية المطلقة، لذا تحاول كل طائفة تعظيم مصالحها على حساب الآخرين، وتتعمق الإشكالية أن كل طرف داخل طائفته يحاول قدر إمكانه توظيف الطائفة لخدمة مصالحه.
مع ملاحظة أن المصالح التي تتصارع عليها الطوائف في الساحة اللبنانية، لا تتعلق بكل فرد داخل الطائفة، ولكنها مرتبطة بالقيادات المنتجة للفكر الطائفي، وهم في الغالب رجال السياسة ورجال الدين، حيث يتم تحويل النزعة الطائفية باستخدام رجل الدين إلى قوة سياسية، ويصبح السياسي هو اللاعب الأساسي الذي يشعل التعصب الطائفي ويعمل على توظف قوة الطائفة لخدمة مصالحه أولا.
وهذا لا يعني تجاهل أنصار القائد وأعضاء الطائفة، فالقيادات تعمل على إعادة توزيع الغنائم بما يقوي سلطة الزعامات، ويعمق من الشعور الطائفي، ليصبح الفرد على قناعة أن الطائفة هي التي تحمي مصالحة وتمنحه الأمن.
وما يعمق من الطائفية والصراع على السلطة، أن اللبناني يتحدد موقعه في الدولة بناء على انتمائه الطائفي، فتوزيع المواقع دخل مؤسسات الدولة حتى في الدرجات الوظيفية العادية يتم بناء على الانتماء الطائفي، وهنا يصبح اللبناني عضو في طائفة وليس مواطن في دولة، ونتيجة لذلك يصبح ولاءه للطائفة أولا.
ونتيجة لهيمنة العقل الطائفي، يصبح أي خلل في التوازن والتوزيع السلطوي للقيم بجانبها المادي والمعنوي بين الطوائف، وداخل كل طائفة، مدخل جوهريا للأزمات، وعادة ما تبدأ الأزمة على شكل تململ يبديه الطرف الذي يحس بالظلم، ثم يتحول إلى صراع عبر الكلمة، ويحاول اللبنانيين حل مشاكلهم عبر الحوار، ولكنهم يتحاورون حول مسائل لا علاقة لها بجوهر الاختلاف الحقيقي، لذلك لا تنتج الحوارات حلول، ومع الوقت يفصح كل طرف عن مطالبه، ولكن بشكل غير مباشر، وتتعمق الأزمات اللبنانية في المراحل التاريخية التي ترغب بعض الأطراف في قلب الموازين كما هو حاصل في الأزمة الراهنة.
لا يخفى على المراقب ان الشيعة في لبنان لديهم شعور بالضيم، ويعتقد الكثير منهم أن نصيبهم في الدولة لا يوازي حجمهم الفعلي، وقد عظّم من هذا الشعور بروز حزب الله في الحياة السياسية، بحيث أصبح الحزب قوة متجاوزة لقوة الدولة اللبنانية، وما يزيد من قوته علاقته مع سوريا وارتباطه مع إيران عقديا وسياسيا، حيث يشكل الحزب في الإستراتيجية الإيرانية الخارجية جزء من أمنها القومي، فقد رأت فيه إيران نجاحا للثورة، ومصدرا قويا لحماية الثورة في الوقت نفسه.
وتعاظمت قوة الحزب مع الوقت، نتيجة الظرف اللبناني بكل جوانبه التاريخية والجيوسياسية والتركيبة الاجتماعية، حيث وجه الحزب طاقاته في اتجاهين الاتجاه الأول ركز على الخدمات المختلفة بين الشيعة، والاتجاه الآخر نحو مقاومة العدو الإسرائيلي، وهذا ساعد حزب الله على بناء قوة شعبية وعسكرية جعلت الأقوى في الساحة.
ومع انسحاب إسرائيل من الجنوب أصبح حزب الله من ناحية فعلية يشبه الدولة، فله جيش قوي وقوة استخباراتية ذكية واذرعه إعلامية مؤثرة ليس في لبنان بل في الساحة العربية وله مؤسسات خدمية واسعة وقوية ومستجيبة لحاجة أنصاره.
يطرح البعض أنه بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وبناء حاجز دولي بين إسرائيل ولبنان، فأن حزب الله قد وجه قوته نحو الداخل، وأصبح يوظف قوته بهدف تغيير موازين القوى الداخلية، ويمثل إدخال لبنان في أزمات متلاحقة ضروري لتغيير الأوضاع بما يسهم في تقوية الطائفة الشيعة المرتبطة بولاية الفقيه في إيران، أما البعض الآخر فيرى أن الاستقرار في المرحلة الراهنة لا يخدم مصالح حزب الله المرتبطة بالصراع الإقليمي، وأن الموافقة على اتفاقية الدوحة لم ينه الأزمة اللبنانية فالكثير من الملفات غير قابلة للحل بل وكفيلة بمد الحزب بالطاقة التي تمكنه من أن يكون صاحب القول الفصل في لبنان في حالة نشوب أي أزمة داخلية أو إقليمية.
ونتيجة لذلك يمكن القول أن مشكلة حزب الله مركبة، بعكس بقية الطوائف فارتباطه بولاية الفقيه، جعل من مصالح دولة ولي الفقيه مقدمة على مصالح الطائفة داخل لبنان، وأصبح تعظيم مصالحه وقوته الداخلية حاجة خارجية، وهذا يفسر عدم قدرته على الاستجابة للمصالح اللبنانية، وصراعه مع قوى المولاة رغم أنها في نهاية التحليل بحث عن مصالح إلا أنه من جهة أخرى صراع مؤسسة سياسيا وعقديا على أساس أنها مواجهة ضد العدو الأمريكي وحلفائه، كما أن الحزب في قراراته مرتهن للحاجة الإيرانية.
وهذا الاستنتاج يدعمه سلوك الحزب فهو خاضع لإستراتيجية تقوم على استمرار الوضع الراهن دون تغيير جوهري لصالح بناء الدولة اللبنانية، لان أي اتفاق داخلي قوي وفاعل لصالح الدولة ربما يحدّ من قوة حزب الله في أي صراع قادم إيراني مع الولايات المتحدة، وهذا يجعلنا نرى أنه لن يقدم أي تنازلات مهمة، وفي حالة مورست عليه ضغوط قوية في المرحلة القادمة فأن الحلول التي سيقبل بها لن تتناقض مع الهدف الجوهري من وجوده وهو حماية الثورة الإيرانية في حالة تعرضها لمخاطر خارجية.
فيما يخص الصراع داخل الطوائف فأن النخب العائلية والقيادات الفاعلة تعمل على خلق استقطاب داخل الطائفة الواحدة نتيجة تناقض المصالح، وهذا أسهم في بناء تحالفات النقائض على الساحة اللبنانية في الموالاة والمعارضة، وهذه التحالفات لا يعبر عن نضوج سياسي وتجاوز للطائفية بل هو نتيجة لحالة الصراع داخل كل طائفة، فالتنافس بين النخب الفاعلة داخل كل طائفة جعل كل طرف يبني تحالفاتها بما يخدم مصالحه.
فالموارنة منقسمين على أنفسهم ونفس الأمر ينسحب على الدروز والسنة والشيعة، مع ملاحظة أن الاتفاق الشيعي بين أمل وحزب الله أتفاق ضروري ومرحلي والذي يحميه هو الخارج السوري والإيراني، كما ان لدى الطرفين خصوصا حزب الله قناعة ان المواثيق الوطنية السابقة تجاوزت القوة الفعلية للشيعة.
لذا فان الصراع بين النخب الشيعية صراع خفي فمثلا حركة أمل تعيش حالة خوف من اكتساح حزب الله للشيعة، وتخاف ان تفقد مواقعها لصالح الحزب مع الوقت، وهي في الراهن ملحقة بالحزب، ومازالت شخصية نبيه بري تلعب دورا أساسيا في حماية الحركة، ويرى البعض ان الحركة تمثل حاجة لحزب الله على المستوى الداخلي والخارجي، فمن مصلحة حزب الله في الوقت الراهن والمستقبل القريب استمرار حركة أمل ولكنه يريدها حركة ضعيفة مرتبطة بشخصية نبيه بري.
وحزب الله في سعيه لتحقيق أهدافه الداخلية يعتمد على إستراتيجية ذات بعدين البعد الأول داخل الطائفة حيث يسعى الحزب لترسيخ قوته وإمساكه بزمام الطائفة ويلعب الدين والمال واستغلال المظلومية التاريخية في بنية الفكر الشيعي و والظلم الذي تعرض له شيعة لبنان دورا في التعبئة، ويبث الحزب في أوساط أنصاره ان لديه خطة بعيدة المدى لتغيير المعايير والبحث عن طائف أخرى ولكن بطريقة سلمية ذكية، كما انه يحاول نقل الشيعة من الفكر الشيعي التقليدي المعتمد على فكرة المقلد إلى الفقه السياسي والعقدي للخميني القائم على فكرة ولاية الفقيه.
أما البعد الثاني فان حزب الله يحاول ترسيخ صورته كحزب هدفه الجوهري هو حفظ السلم الوطني والمعبر عن الوطنية ولبنان المستقل ويعمل عل إعادة رسم صورته بشكل دائم كرمز للمقاومة والكرامة، والبعدين في نهاية المطاف تبحث عن دور أكثر فاعلية للشيعة في لبنان بما يتوافق ومصالح وأهداف دولة الولي الفقيه.

يشكل تيار المستقبل رغم التحولات السلبية التي لحقت بها في الفترة الأخيرة، ورغم ارتكازه على الطائفة السنية، أكثر مرونة وانفتاحا، لذلك فقد شكلت فلسفته التي اعتمدها الحريري الأب وارتكزت على شخصيته محاولة جادة لتجاوز العقلية الطائفية ورغم أنها لم تحقق نجاح ملموس، إلا أن ذلك جعل رفيق الحريري يحظى باحترام أغلب الشعب اللبناني.
نعم الحريري كان صديق لبنان إلا أن مشكلته أنه أعتمد على الطائفية في تثبيت الفلسفة التي كان يدافع عنها، وهذا ربما شكل بذرة فناء لفلسفته التي ضعفت بل ماتت بمجرد موته، واتجاه تيار المستقبل نحو العقلية المهيمنة على السياسة في لبنان.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو