الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهم يسرقون التاريخ

إكرام يوسف

2008 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن "بعض" أشقائنا ممن أنعم الله عليهم بثروات بترولية، اعتقدوا أن ما جنوه من أموال طائلة سمح لهم بشراء كل شيء يبتغون، ولم يعد هناك ما يستعصي على الشراء سوى "التاريخ"!. وهكذا وجدنا سخاء من البعض للانفاق على كل ما ـ و من ـ يمكنه أن يجد وسيلة لإثبات عمق تاريخي "ما" هنا، أو هناك. ولم يعدم هؤلاء "الأشقاء" وجود آحاد ممن سخروا مناصبهم العلمية وأبحاثهم لتلفيق أدلة لمن يشتري. وأتذكر هنا خبر اهتمت به ـ قبل سنوات ـ وسائل الإعلام في دولة شقيقة عن العثور على قطعة عظم من جمجمة بشرية في صحراء هذا البلد، وأن "خبيرا" ألمانيا أثبت أن عمر هذه "العظمة" يبلغ سبعة آلاف عام ـ لاحظ الرقم بالتحديد! ـ وان بها ما يدل على آثار عملية جراحيةـ وهو برهان ساطع على التقدم الطبي والعلمي لهذا البلد قبل سبعة آلاف عام! وكالعادة لم يستمر الاحتفاء بالخبر أكثر من أيام قليلة وسرعان ما تبخر الحديث عنه. أذكر وقتها أن زميلا من هذا البلد الشقيق أبلغني الخبر مزهوا بأن "على المصريين أن يكفوا عن تصديع أدمعتنا بحضارتهم ذات السبعة آلاف عام،" فقلت له أن ما وجدوه ليس سوى قطعة من العظم في الصحراء، لم تكن محفوظة في تابوت أو مقبرة مثلا، وأضفت ـ مازحة ـ أنها ربما تنتمي لمصري قديم، مات من العطش أثناء اجتيازه صحراء المنطفة في طريقه لشراء التوابل من الهند!.
الطريف هنا، هو ظهور بعض ممن يدعون انتماءهم لحقل البحث التاريخي ـ أبرزهم كمال الصليبي ـ يسعى منذ سنوات لإثبات أن "مصر" التاريخية، التي ورد ذكرها في الكتب السماوية الثلاثة، ليست هي الواقعة الآن في وادي النيل، وإنما في جنوب غرب الجزيرة العربية بالقرب من اليمن، حيث يرجع أصل الفراعنة! وبالطبع لا يعتمد هؤلاء على أدلة مادية أو علمية ملموسة، وإنما يستندون ـ فقط ـ على تفسيرات لغوية مفتعلة ومتعنتة تلوي عنق نصوص التوراة باعتبارها ـ في نظرهم ـ أقدم وثيقة تاريخية، يحاولون من خلالها إثبات أن جميع الأنبياء الذين تحدثت الديانات السماوية عن دخولهم مصر (إبراهيم ويوسف وعيسى عليهم السلام)، إنما جاءوا من وسط الجزيرة العربية ليهبطوا أرض مصر التي تقع وفق نظريتهم جنوب غرب الجزيرة العربية! وأن موسى عليه السلام تربى في مصرهم المزعومة بالقرب من اليمن ولم بكن عبوره اليم هاربا من جند فرعون من الغرب إلى الشرق، كما استقر في كتب التاريخ ووعي المؤمنين، وإنما كان هروبه من الشرق إلى الغرب!.
وإذا كان البعض معجبا بكتاب كمال الصليبي "التوراة جاءت من الجزيرة العربية" لما يحتويه من أفكار غريبة، يتلقفها بعض "الأشقاء" سعيا لإثبات تاريخ يضرب في عمق الزمان لبلدانهم الناشئة حديثا، ولما يمكن أن يستنبطه ـ هذا البعض ـ من أن هذه النظرية تنفي ما يدعيه الصهاينة من "حق تاريحي" لليهود في فلسطين، إلا أنهم يتغافلون عن أن منطق "الصليبي" ومن لف لفه إنما يؤدي في نهاية المطاف إلى إثبات هذا "الحق التاريخي" في جزيرة العرب كلها، وليس أدل على ذلك من صورة النخلتين على "الشيكل" الإسرائيلي والتي تترجم على أنها تذكير بحقوق لقبائل يهودية في الجزيرة العربية يحلم الصهاينة باستردادها.
ورغم تهافت ما يسوقه "الصليبي"، من أدلة لغوية لاتصمد أمام ما نملكه ـ حتى الآن ـ من أدلة مادية صمدت في وجه القرون وأثبتت التحاليل والأشعات العلمية أصالتها وعراقتها؛ إلا أن الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام. وفي الحقيقة، تدفعني نفسي الأمارة بالسوء إلى ملاحظة خيوط مؤامرة تحاك..ولايحمر وجهي خجلا عندما أعلن ذلك في وجه من يشيرون إلى أمثالي بأصبع الاتهام "أنت إذا ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة!". فأي قراءة مبسطة لدروس التاريخ تؤكد أن هناك من يمتازون عنا بأنهم يضعون خططا لمئات السنوات القادمة.. وإذا وضعنا هذه الأكذوبة التي تحاول سرقة تاريخ مصر وادي النيل ونسبته إلى منطقة مجاورة، إلى جانب انتشار دعاوى التنكر للأجداد بين شبابنا ـ المتدين بالذات ـ باعتبار الفراعنة كفارا وعبدة أوثان ـ رغم أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان أبوه شخصيا من عبدة الأوثان! ـ حتى انتشرت موضة أن يبحث كل منهم عن أصل قبلي لأسرته، تأكيدا على أنه من سلالة العرب الذين شاركوا ابن العاص في فتح مصر!؛ رغم أن الحقائق العلمية تؤكد وهم فكرة النقاء العرقي، وأن مصر بالتحديد بلد يتميز باختلاط دماء أبنائه بدماء أبناء الحضارات الأخرى، ولايقلل ذلك من حق من ينتمون إليه في الانتساب لحضارته ذات الجذور الضاربة في عمق التاريح الإنساني. وإذا أضفنا إلى هذين الخيطين، خيطا ثالثا مخيفا، وهو التراخي في العناية بآثارنا وإهمالها على نحو يهدد بطمسها، إلى حد صدور تقارير علمية تحذر من احتمالات اندثار الآثار المصرية خلال المائة عام المقبلة ـ لاقدر الله ـ لاكتملت أمام أعيننا ثلاثة خيوط لمؤامرة تستهدف طمس التاريخ المصري بمرور الزمان.
ونتذكر جميعنا تبجح بيجن أمام صديقه "السادات" بأن أجداده من اليهود هم بناة الأهرامات؛ وذكر لي صديق أفريقي قصة يرددها بعض اخوتنا الأفارقة ـ ويصدقونها ـ عن أن نابليون اطلق مدفعه على أنف "أبو الهول" غيرة منه، عندما وجد الأنف "افطسا" فاستكثر على الأفارقة أن يحققوا هذا المجد الحضاري الذي لم يصل إليه الأوروبيون!.. إلا أن هذه الأقاويل، ربما لم تكن تلقى الاهتمام الواجب قبل الآن.. لكن الأمر بالفعل جد خطير، ويستحق اهتماما من قبل علمائنا الوطنيين المخلصين للخفاظ على ما تبقى من إرث الأجداد، والذود عن تاريحهم قبل فوات الأوان، ولنفكر قليلا فيما سيكون عليه الحال ـ لا قدر الله ـ بعد قرن أو قرنين من الزمان إذاما استمر التجاهل والإهمال، بما يهدد بنذر اندثار آثارنا أو طمسها كما تنبأت تقارير علمية، إضافة لتنصل البعض من تراث الأجداد، في الوقت الذي يسعى آخرون بدأب لنسبة تاريخنا إلى منطقة أخرى.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن