الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قائمة كوبونات النفط تسبب صدمة أخلاقية في الأردن!

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أثارت القائمة التي نشرتها صحيفة المدى وأكدتها وزارة النفط  العراقية قبل أيام والتي تتضمن أسماء شخصيات ومؤسسات تلقت كوبونات نفط من النظام العراقي السابق الكثير من الجدل والنقاش في الأردن، وشكلت ايضا ما يمكن أن يسمى صدمة أخلاقية للسياسة الشعبية الأردنية. فهذه القائمة تمس بسمعة الكثير من الشخصيات الأردنية والعربية وبالنسبة لي شخصيا وللآلاف من الأردنيين فقد أصابتني بصدمة أخلاقية كبرى لأن فيها أسماء لثلاث شخصيات تعتبر رموزا في النضال الوطني والقومي ونظافة اليد ومحاربة الفساد، منهم شخص واحد انتقل إلى رحمته تعالى هو مشهور حديثة الجازي بالإضافة إلى ليث شبيلات وتوجان فيصل.
وبعيدا عن الأسماء الأخرى التي تتضمن صحافيين وشخصيات رسمية ورجال أعمال مقربين من حزب البعث والنظام العراقي فإن وجود اسماء توجان وشبيلات ومشهور حديثة مفاجأة حقيقية للرأي العام الأردني نظرا للسمعة الايجابية الكبيرة لهذه الشخصيات الثلاثة والاحترام الكبير الذي تتمتع به في الشارع الأردني.
الراحل مشهور حديثة الجازي هو القائد السابق للكتيبة الأردنية التي حققت بمساندة المقاومة الفلسطينية الانتصار العسكري الكبير على الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة عام 1967. وتؤكد كل الروايات المستقلة حول تلك المعركة بأن مشهور حديثة اتخذ قرار إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي المتقدم باتجاه مراكز الفدائيين في الكرامة على الحدود الأردنية الإسرائييلة بشكل مستقل بدون العودة الى القيادة السياسية بناء على قناعات ومبادئ قومية كان مشهور حديثة معروفا بها دائما. وساهمت هذه المعركة ونجاح الجيش الأردني والفدائيين في ايقاف عملية الجيش الإسرائيلي بجعل مشهور حديثة شخصية محبوبة جدا في كل أوساط الأردنيين والمقاومة الفلسطينية حيث حاول مشهور حديثة جاهدا الوصول إلى حل يمنع اندلاع المواجهة المسلحة بين الجيش الأردني والفدائيين عام 1970 ولكن كان ذلك دون جدوى حيث وصلت الأمور إلى مرحلة المواجهة بسبب إصرار الطرفين على التصعيد. وبقي مشهور حديثة منذ ذلك الوقت وحتى وفاته عام 2002 رمزا سياسيا ووطنيا وقوميا يجمع عليه كل الأردنيين خصوصا مع ابتعاده عن المناصب الرسمية وزهده بها ونظافه يده.
أما ليث شبيلات وتوجان فيصل فهما حالة سياسية فريدة في الأردن. أنهما المعارضان الوحيدان في الأردن اللذان لم تتمكن الدولة الأردنية من شرائهما بالمناصب الحكومية والإغراءات التجارية وحتى من خلال السجن والقمع. لقد شكل ليث شبيلات الإسلامي وتوجان فيصل العلمانية ظاهرة هامة جدا في الحياة السياسية الأردنية وجمعت بينهما عدة صفات منها الجرأة في المعارضة السياسية والاستناد إلى الدستور الأردني والشعبية الكبيرة في الشارع والدعوات المتواصلة إلى الديمقراطية والحريات العامة، والحديث الطويل حول مكافحة الفساد ودفع ثمن هذه الجهود من خلال دخول كل منهما إلى السجن، بل أن توجان كانت المرأة الوحيدة التي شكلت رمزا سياسيا وسجنت في الأردن عام 2002.
ولكن جمع ايضا ما بين توجان وليث تأييدهما للنظام العراقي وصدام حسين وهذا ما اعتبره البعض تناقضا كبيرا ما بين الدعوة إلى الديمقراطية في الأردن وتأييد الدكتاتورية في العراق، ولكن المناخ السياسي العام المؤيد للنظام العراقي السابق في الشارع الأردني والسمعة الكبيرة التي يتمتع بها ليث وتوجان مقارنة بسياسيين أردنيين آخرين انتقلوا من خندق المعارضة إلى التأييد للحكومة الأردنية بل وممارسة القمع ضد زملائهم السابقين جعلت كلا من ليث وتوجان رمزين يلتف حولهما كل الأردنيين الراغبين في مكقاومة الفساد والحصول على الحريات العامة.

وبعد ظهور القائمة لم يستطع كلا من توجان وليث حتى الآن أن يظهروا التعامل الصريح مع المسألة، فلا يمكن أن نقبل من سياسيين وقادة رأي ورموز وطنية أن يقولوا بأنهم كانوا وسطاء لدى النظام العراقي لتسهيل إعطاء العقود لأصدقاء لهم يشاركونهم العمل الوطني، ولا أن تكون العلاقة مبنية على "أسس هندسية" ولا حتى الحديث عن هامش الربح بالسنتات لا بالجنيهات.
القضية ليست في هامش الربح، ولا في آلية الوساطة. الرمز والقائد السياسي الشعبي الذي يعبر عن تطلعات الناس ويجعل نفسه ناطقا بلسان مئات الآلاف من العرب والأردنيين ويطالب بمحاربة الفساد وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية والنهضة العربية وتكون له سمعة سياسية عربية كبيرة لا يمكن أن يتعامل بقضايا النفط اثناء النقاشات والسفرات التضامنية مع الشعب العراقي ولا أن يقبل أن يكون شريكا في عمليات بيع النفط العراقي والحصول على أموال هي من حق الشعب العراقي وأطفاله الجوعى والمرضى.
أن قضايا التجارة والوساطة التجارية لا يمكن أبدا أن تكون مقبولة من رموز سياسية، ولا من قادة شعبيين يكن الجميع لهم احتراما كبيرا، ولهذا فإن حديث توجان وليث وغيرهم الذين وردت أسمائهم في القائمة حول نسبة الربح ودور الوساطات والذي يثبت تعاملهم حقيقة ومجرد تفكيرهم بالقيام بدور تجاري مع النظام العراقي السابق خطأ لا يمكن قبوله لأنه يضع علامة استفهام كبرى على كل الجهود السياسية الأردنية الشعبية وعلاقتها بقضية الحصار على العراق طوال السنوات العشر الفائتة.
كان من الواضح أن سقوط النظام العراقي السابق سيعني وجود استحقاقت كثيرة وظهور عمليات تصفية حسابات وكشف لأسرار هائلة طوال ثلاثين سنة من حكم نظام بوليسي وحشي مثل نظام البعث، ومنها ما هو مزور ومنها ما هو حقيقي. حتى الآن لا نستطيع أن نقول بأن القائمة التي نشرت أخيرا هي قائمة صحيحة أو مزورة ولكن هذه القائمة سوف تثير الكثير من الأسئلة حول علاقة السياسة بالتجارة في العمل الشعبي والقومي العربي، ودور الشخصيات السياسية الرسمية والشعبية في تجاوز حدود "التضامن" القومي إلى العلاقات التجارية مع أنظمة مغرقة في انتهاك حقوق الإنسان في بلادها وبيع الضمائر والترويج لسياسات الأنظمة الدكتاتورية.
القائمة الجديدة أحدثت صدمة كبيرة في الأردن والجميع الآن في انتظار المزيد وخاصة قوائم الصحافيين والإعلاميين وقادة الاحزاب الذين حصلوا على رشاوى من نظام صدام وهي قوائم سوف تدمر سمعة الكثيرين ونتمنى أن تكون دقيقة تماما حتى ينكشف المتاجرون بدماء الشعب العراقي ولا  يتم اتهام أي أحد من الأبرياء خاصة ممن انتقلوا إلى رحمه الله ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم!

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-