الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الحداثة ما بعد الكلام عمل في الحيز العام

علي ديوب

2008 / 7 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر


شهد الخط البياني لمشهد نقد الحداثة انخفاضا واضحا، خلال السنوات الأخيرة، سواء في اللوحة العالمية الكبيرة، أو في اللوحة العربية الصغيرة. و تحديدا بعد أن أعادت ثقافة سلطة الحداثة التأكيد على أن دور القوة المجردة يتصدر حساباتها. و أن الكلام عن التعدد و التسامح و الاعتراف بالآخر.. يصطدم بإملاءات المصالح، و تتحكم بتجسيده نزعة السيطرة و التنافس على الهيمنة- على هذا الآخر- إن لم نقل أنه يخفي مرامي بعيدة، لا تقل بشاعة عن تلك التي تبناها الاستعمار القديم. و بدا أن القرن الجديد يعد بنزاعات جديدة أشد هولا، رغم ولوجه العتبة عبر مشهد استفراد قوة واحدة بالتحكم المتمادي؛ و هو ما كان يعني للوهلة الأولى أن نوعا من الهدوء العالمي سوف يحل، و لزمن غير معلوم، ارتباطا باختفاء قوى منافسة.
و قد كان لتعثر المشهد الحداثي، و افتضاح عورات ثقافة الحداثة، التي تهدد بالإطاحة بقيمة القيم التي نهضت عليها، و أعلت من شأنها، و رسخت لها كل قرونا من الإنجازات المذهلة و الحروب المدمرة( و أعني الإنسان الفرد، و القيم الإنسانية)؛ كان من شأن ذلك أن يعطي دفعة جديدة لثقافة ما بعد الحداثة، ليس في متابعة استعراض جروحات الحداثة، كمبرر للقطيعة معها، بل و للعمل حثيثا في مناطق استثمار أخرى، و بكيفيات أخرى، لا تقف عند الفكر وحده- كأداة بسيطة للعقل الديكارتي المشتغل، أو الكانتي المطابق- بعد الاكتشافات المستجدة في مناطق بكر، تنتمي لفضاء المخيلة و بواطن الأحاسيس العميقة.. الخ.
بدلا من هذا، عكس المشهد ما بعد الحداثي فتورا، على صعيد الفلسفة و النقد الأبيستمي، ربما صح نعته بالتقصير، إذا شئنا مقارنته مع مجالات أخرى، لا سيما في مجالي الطب و الميديا. الأمر الذي يمكن تقصي سببه في جوهر الفكر ما بعد الحداثي، من حيث ابتعاده عن الصراعية و التنافسية، و نفوره من البناء.. الخ أكثر مما يمكن الاستدلال به، على أن ثمة معركة قد حسمت لصالح جهة تمرست باستعمال القوة؟
اليوم تكاد لا تسمع سوى الأصوات الحداثية التي انطلقت، أساسا من دون توقف، من قلب الحداثة، ذاتها- و دوما على أرضية الإخلاص للحداثة، في مبادئها و مآلاتها- لأعلام أمثال تشومسكي، في أمريكا، و طارق علي في بريطانيا، و يورغن هابرماس في ألمانيا.. و ربما كان الصوت البارز للفرنسي بيير بورديو هو الوحيد الذي يمكن احتسابه على مفكري ما بعد الحداثة، ممن انشغلوا، حتى آخر لحظة، بالعياني و المحايث لصناعة عقلية تواصلية، لا استئصالية تلبس لبوس الانتصار للثورة المغدورة أو العدالة المنتهكة( أرضية كانت أم سماوية)، و حقوق الشعوب الضعيفة.. الخ.
هل يشهد العالم اليوم حالة حبس أنفاس، إذ تلوح في الأفق شرور جديدة، هولها أكبر مما عرف التاريخ حتى الآن، و تنذر بإرجاع الزمن البشري إلى طفولته، بعد أن خسر امتحانه في أن يبلغ الرشد؟ ستكون ذروة المأساة البشرية في هذه الرؤية الواضحة للموت، مقابل انعدام الحيلة في رده!
لعل ما يجعل الكتابة تقوم على سبب ذي شأن، هو أن نشدد على أهمية الدور الحاسم للاجتماع البشري على مصلحتهم في الوجود. و قد يكون للفضاء الافتراضي الذي توفره النقلة الثالثة( المعلوماتية)، أو المجال العام بخاصة، الذي عول عليه هابرماس في أن يكون وسطا فاعلا يساعد القطاعات الواسعة من الناس على إدراك مصالحهم و التدخل في إدارة شؤونهم العامة، و مجابهة الكوارث التي يسببها أو يساهم فيها المتحكمون. و على هذا يتوقع المفكر المصري ما يسمية بزوغ نوع جديد من أنواع الديموقراطية هي ديموقراطية الفضاء المعلوماتي Cyber Space حيث سيتم تعليم الناس كيف يستخدمون شبكة الإنترنت، وكيف يحصلون على المعلومات، وكيف يكونون آراءهم المستقلة، بدلاً من أن يكونوا ضحايا هيمنة الميديا بكل أنواعها كالجرائد والإذاعة والتلفزيون التي تسيطر عليها الحكومات. وهذه الديموقراطية الجديدة ستقوم على أساس تعدد الأصوات الفكرية وعدم هيمنة التفكير الأحادي على عقول الناس.
ما بعدية واحدة، أريدَ لها أن تطمس سواها من الما بعديات، و تحل محلها، هي ( ما بعدية برجي نيويورك)، و ما تفاعل عنها من غزو حداثي مسلح بتكنولوجيا جيل الثورة الثالثة، ذاتها التي وَلّدت العولمة، فغيرت مفهوم المركز، و ساهمت في تشظّي المعنى و هزت دلالة القيمة و الدور و الفاعلية.. و سواها من الطاقات التي تصر القوة السافرة على تملكها.
و بدت عبارة هابرماس، التي تقول أن الحداثة مشروع لم يكتمل، بدلالتها المزدوجة التي تبرر عيوب الحداثة، و تفتح لها أفقا جديدا للتحرك و فرصة أخرى للتجريب و مشروعية مفتوحة على النقص الدائم، و بتناقضها مع كماليات الحداثة المزعومة؛ بدت مفهومة- و إن لم تكن مقنعة- تماما كما هي حال عبارة د. أحمد برقاوي، أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق، عن العرب الذين يعيشون مرحلة ما قبل الحداثة. أو ما قبل الدولة- الأمة. ف( العرب قوم.. اي هم في مرحلة ما قبل الدولة. والسلطة بعد ليست دولة. انها سلطات تكونت ضد الدولة - الأمة الممكنة). و هذا القول على صحة توصيفه، يظل في مآله وفيا لفكرة الحداثة، من حيث أنه لا يقطع مع السلطة، بل يفتح قوسا لها، تحت مسمى( سلطة بديلة مناقضة للسلطة القائمة)، في تجريب جديد، مفتوح هو الآخر، لبناء الدولة- الأمة، أي لإنجاز مشروع الحداثة أولا. لكي يصح من بعد ذلك، و من بعده فقط، الحديث عن ثقافة نقد الحداثة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة