الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية جدتي

عفيف إسماعيل

2004 / 1 / 30
الادب والفن


فناء بيتنا الواسع إمبراطورية جدتي،
 في ختام صلواتها الفجرية  أصحو على  تراتيل دعواتها الخاشعة لنا أجمعين 
ولا تطلب شيئاً لها،
 هل الأمر محض غيرية؟!
 أم
 إنها لا تحتاج من الرب شيئاً؟!
أسير خلفها  رنين خلخالها ممسكاً بطرف جلبابها الفضفاض ، أغنياتها تروي أحواض الجرجير والنعناع أكثر من الماء الذي ترشه عليها، تعطيني قليلاً من الحبوب كي أطعم حمائمها التي تتطائر من حولها وتجعلها مثل سائحة في ميدان الهايد بارك.
في
ركن آخر
حظيرة  عنزاتها
تهب الفناء  الواسع  نفحات  من  رائحة الروث والنشادر ،  تلوي عنقها  تحت  عنزتها السوداء المبقعة بالأبيض، تغمض عينيها وتعتصر ضرعها في فمها وتدعوني لأفعل مثلها،
أركض بعيداً
                تناديني
                  أمد  لها  ماعون الحليب
في
ذات اللحظة
تنبه أمي لبعض الشرر المتطائر من نارها
وفجأة تسألني كم عمرك؟
- ست سنوات
- إذن
تعال هنا
 ولا تجلس تماما
إمسك رجل العنزة الخلفي بين ساقك وفخذك
إضغط بقوة.. بقوة
         بقوة  أكثر حتي  لاتفر منك
                    بقوة .. بقوة.. بقوة..
                              ألست رجلاً؟!
                               إضغط بقوة .. بقوة
                 .. الآن
بعد أن تتلو البسملة
إعتصر الضرع  بيدك اليمني
عليك  بالماعون بالآخري
                .. هكذا
صرت مساعدها الأول لشئون الصباح.
في الظهيرة
والمكان يعبق برائحة رمل النهر المبلول،
                                               والمسك،
                                                           والزنجبيل،
وفضائحية اخبار ليلة الأمس وسط مجلس نميمة الجارات الدائم، تدق بنها الحبشي، فناجيل قهوتها  ذات الفواح المميز وتدور ، وهن يتحرقن شوقاً لقراءة الطالع، تُلطخُ عنق شقيقتي الصغري بعجينة الذرة المملحة  دراً للنُكاف،
وسط صراخ يكاد أن يثقب  سماء الكون، تجدل ضفيرة السعف حول أصبع طفل الجارة المكسور.                                                                          تعطي من  تريد زوجاً خرزة ملونة وبخور..
      ومن  تريد طفلاً زيتاً عطرياً، وبعض نصائح مهموسة
والتي تشكو من صداع مزمن، بحنو تضع رأسها بين يديها، بأصابع دربة ورشيقة تدلك الكتفين، مؤخرة العنق، فروة الرأس، تمسد بحنان صارم علي جبينها، ثم تضع منديلها الذى لا  لون له علي وجهها، وتجذب بين العينين، فنسمع فرقعة وآهة عميقة، وتصيح الجارة:
-  سلمت يداك
   أستطيع الآن ان أري!
   تدعو من تشكو من زوجها السكير أن تصبر عليه قليلاً إلي ان يأخذ كفايته       الحدية،
 وبحسم تقول للأخري:
-  لا فائدة من  مقامر
               أو عاطل
                  او مدمن حشيش.
 صوتها المبحوح يتبعني وهي تغلق باب السنط  ذو الصرير المألوف:
- عد قبل المغيب
  لا تعتدي علي احد
  ومن يصفعك على خدك الأيمن كيل له  ما تستطيع من لكمات وصفعات،
  ولا تأتيني شاكياً
                أو
                        باكياً ابداً.
في أول الليل
تسقيني حكاياتها الشهية
  عن الأقزام والعمالقة
  عن قراصنة البحر وسندباد
  عن جنيات الغابات
  عن ثعابين تلدغ مثل الناس
  عن  سعالي أجمل  من عروسات البحر، يتزوجن في  مواسم الحصاد شباب     القري ، ثم يختفين فجأة ولا يتركن غير بقايا عظام الأزواج  مهملة  قرب شجيرات اللبلاب،
                            .. وانام أحلم  بها
           وبخفافيش تتحدث
تحكي لي عن ماذا يحدث في الكون بعد انام،
كل يوم احلم بها بعد حكاياتها
انام
  واحلم بها
            أنام
               وأحلم بها
                        ذات صباح خانق
                        لم توقظني تراتيل دعواتها الخاشعة لنا أجمعين
بل
    العويل.
20 يناير2004
بيرث

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض