الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبراهيم اليوسف.. شجرة الكينا وفؤوس القبيلة*

كريم بياني

2008 / 7 / 29
الادب والفن


كان يبادر مسرعا الى تلقف واحتضان قطع ومساحات الارض وقراها التي كانت تنهبها عجلات سيارته، مصراً على تقديم هويتها الحقيقية مستذكرا الاسماء التاريخية للشواهد والشخوص والمعالم، راسماً بأشارات من أصابعه القابضة على السيجارة التي كانت تجتاحني بدخانها الى حدود وهمية وتلال وقلاع كانت في زمن غابر مرتعا لمعاني الفروسية والكبرياء، لازالت الاغاني الشجية تتناقل احداثها وتفاصيلها التي تثير في الجسد رعشة الاباء وتغرس في النفس حزنا عميقا.
واسترسل ابو بديع في عملية انكاء الجراح تاركا إياها تنزف؛ وهو يقلني بسيارته من قامشلوك الى حيث اعبر إلى الضفة الاخرى من الوطن. أذهلتني قدرته العجيبة على التذكر في سرد الاسماء والمواقع والاحداث؛ كأني به يريد أن يختزل التاريخ في ساعتين غير آبهٍ بشكوك القبيلة ويطوي الجغرافيا في غفلة من فؤوس الغرباء مودعة إياها راحة يديه المتشققتين لهذا الآتي من صقيع الغربة بحثا عن دفء الاحضان.
كان يتحدث بحب عن زمن غائب جميل.. وثمة دائما كرسي ثالث للغائب الجميل. ترى هل كان ابو بديع يعرف بحدسه الفطري أنني اخبأ تحت ابطي فؤوساً حادة وأغصانا متقطعة من شجرة الكينا، فأراد أن يهيأني نفسيا للدخول في هذه الجدلية الاليمة بين الفؤوس وأذرعها المصنوعة من جذوع الشجر؟..
هذه الجدلية كانت تسكنني وأنا اتنقل بين سطور قصص الفؤوس وشجرة الكينا التي حمّلني أديبنا الجميل إبراهيم اليوسف ـ تعودت أن اتخذ من بيته الكريم إحدى محطات الراحة في رحلة شوقي الى الاحضان الدافئة ـ مهمة ايصالها الى دار سبيريز للنشر في دهوك. وأعترف أن هتين القصتين أثارتا اهتمامي وسلبتا الضوء والبريق من القصص الاخرى.
يحلو لنا دوما اجترار الذكريات والحديث عن زمن الحب الغابر.. في هذه القصص ايضا كان الحاضر دوما هو ذلك الغائب الجميل؛ الذي كنا نتبادل معه الشغف والكتب وضحك الطفولة الضائعة. في ركن منسي نوقد الشموع وننتظر مختلسين النظرات بين الفينة والاخرى الى الباب لعل الداخل الجديد يكون هو، ويأتينا صوت فيروز ليضفي على الانتظار بهاءً.. يأتي ليحمل دوما تباشير تصدع جدار الألم. يأتي كي يحفزنا على خلع رداء الحداد عن قامة الروح..
لكن الثمن سيكون باهضا يا فيروز.. الثمن هو أن نقدم البراءة من زمرة دمنا وأحلامنا وأن نتجنب أية إشارة لنكأ الجراح كي لا نعيد الحياة لشكوك القبيلة ولا نمنح الدم لنبض فؤوسها.
لكن هذا لن يكون، سوف تثور شجرة الكينا على تقاليد أجدادها وتأبى أن تمنح ولو ذراعاً واحدا لقبيلة الفؤوس.. وسيبقى الكرسي الثالث ابداً في شوق ونحن معه الى ذلك الغائب الجميل.

*بهذه الاسطر قدمت مجموعة (شجرة الكينا) القصصية لصديقي إبراهيم اليوسف والذي كلفني في 23/12/2002مهمة ايصالها الى دار نشر (سبيريز) مبديا رغبته في أن اقدم لها، وفعلا قمت بالمهمتين الايصال والتقديم، وتمت اضافتها بحضوري الى بداية المجموعة الجاهزة للنشر.
لكن الكتاب صدر بتقديم زميل آخر. حسب ما عرفت؛ أن كلماتي كانت غارقة في الذاتية والخصوصية، على حد قول مدير دار النشر وهو صديق عزيز ايضا. لا أدري ماذا يكون الادب إن لم يكن تعبيرا عن الذات والرأي الشخصي إزاء تفاصيل الواقع والحياة؟
لست مستاء مما حصل، لكن الامر كان يقتضي التنويه، كتقليد متبع، لكن يبدو أن الكثير من التقاليد المتبعة لازالت غائبة عن تجربتنا الثقافية؛ هي بحاجة الى اعادة نظر وترسيخ، وهذا الامر يدلل اننا لازلنا في ممارسة الظاهرة الثقافية مفتقدين وبشدة الى الذائقة والصدق الفنيين فضلا عن الجرأة.
اسوق هذه الكلمات بمناسبة اطلاعي على نسخة من شجرة الكينا، واحتفاءً ـ متأخراًـ بصدورها أسجل هنا تلك المقدمة التي سبق وأن اطلع صديقي اليوسف عليها.. مجددا له ألاشتياق والمحبة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل