الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب - مرجعات نقديه للتجربة البعثية في السودان-

عبد العزيز حسين الصاوي

2008 / 7 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


استميح رئيس التحرير عذرا في افتتاح هذا المقال بجزء من رسالة الكترونيه كان قد تلقاها من كاتبه ردا علي استفسار بشأن وعد من الاستاذ محمد علي جادين بالكتابه في الاحداث. جاء في الرساله المؤرخه 22 مايو 2008 : " الاخ جادين جمل شيلنا اذ يتعين عليه تدبير امور الحزب اليوميه السياسيه والتنظيميه واموره الشخصيه ( في جامعة امدرمان الاهليه ومركز الدراسات السودانيه) وفوق ذلك الكتابه ( في الصحف اليوميه ). لااعرف ولاأتخيل كيف يشيل هذا الحمل ولكنه بدا لي متأكدا من انه سيضيف حمل الكتابه في الاحداث الي احماله الكثيرة قريبا." لم يتحقق هذا التوقع حتي الان، كما يعرف قراء الاحداث، وبدلا منه امامنا منذ اواخر يونيو الماضي احد تلك الاحمال وهو الكتاب المشار اليه في عنوان هذا المقال صادرا عن مركز الدراسات السودانيه بينما يوشك علي استكمال كتاب اخر حول تاريخ الحزب ضمن مشروع للمركز حول تاريخ الاحزاب السودانيه .
انحيازات كاتب هذا المقال الشخصية وغير الشخصيه ترغمه علي الاكتفاء بالقول ان ايجابية الكتاب التي يمكن ان يوافق عليها غير المنحازين وحتي المنحازون ضداً، انه الوحيد من نوعه سودانيا. علي كثرة الانقسامات في احزابنا فأن ماصدر عن اطرافها المختلفة حتي الان هو مجموعة مقابلات ومقالات مالا يتيح فرصة كافية لهضم الماده قراءة والاحتفاظ بها كما يتيسر مع شكل الكتاب. من حيث المحتوي، وهذه وجهة نظر مفتوحه للاختلاف، ينجح الكتاب في عرض مواقف طرفي انقسام البعث فيما يتعلق بالمواد الوثائقيه اكثر منه في المواد التحليليه. الحياد والموضوعية الكاملتان ليستا من مكونات الطبع السوداني لاسيما عندما يتكثفان بتقاليد حزبيه غير ديموقراطيه لم تعرف احزابنا، ومن بينها البعث، غيرها لاسباب مختلفه. فوق ذلك فأن نظرة احد طرفي الانقسام للموضوع توحي بصعوبة الحصول علي مادة تحليلية لديه فهو اذ يعتبر نفسه البعث- الاصل بسبب استمرار ارتباطه بالمركز القومي ( العراقي ) يختصر الطرف الاخر في كونه مجموعة : " متساقطين معزوله ومحدوده تبحث عن دور تحت ظل الزعامات الطائفيه او بالاستناد علي جداراقليمي او دولي " ( مقابله مع الاستاذ علي الريح امين سر قيادة قطر السودان وعضو القيادة القوميه، ص 359 من الكتاب ).
كان ممكنا للكتاب ان يشكل قوس قزح يضم كافة الوان الطيف البعثي لو تسني للحزب نفسه ان يبقي سماء واحده ينعكس فيها وهذا كان رهينا بتحوله الي حزب ديموقراطي من سماته تباين الاراء وتعايشها. تلك كانت رغبة ومحاولات مجموعه معتبره من اعضائه السودانيين، وربما غير السودانيين ايضا، التي استحال تحقيقها لان احتياجات البعث العراقي كسلطه انفراديه وكعقلية تشكلت تحت ضغط تلك الاحتياجات، كانت متنافية مع الانفتاح الديموقراطي. والمعروف ان "حزب البعث السوداني " الذي تبرز فيه الي جانب اسم محرر الكتاب اسماء المحامي يحي الحسين والمهندس محمد وداعة الله كان جزء من المنظومة البعثية التي تضم ايضا بعث العراق وغيره بقيادتها القومية في بغداد مقابل المنظومة التي تضم بعث سوريا وغيره بقيادتها القومية في دمشق. " البعث السوداني " ولد نتيجة انفصال مجموعة ( كبيره ) من اعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي عن تلك المنظومة عام 97، انفصالٌ كانت في ورائه القريب اختلافات حول كيفية التعامل مع الواقع السياسي السوداني نبعت من احساس في ورائه البعيد بأهمية اعادة انتاج الفكر والتجربة البعثيتين بمفردات الواقع السوداني، إختبارُ منطلقات ومقولات حزب البعث المشرقية ( سوريه- عراقيه ) في تفاعلها مع واقع سوداني عربي بمعني من المعاني، بطريقته وقسماته الخاصه.
في مصادفة غريبه صدر كتاب الاستاذ جادين النقدي لتجربة البعث، الذي يمثل احد منتوجات هذا الاحساس، متزامنا مع الذكري ال19 لوفاة مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ميشيل عفلق في 23 يونيو 1989 فبدا وكأن القدر يطرح السؤال التالي : لو امتد الاجل بالاخير متجاوزا نقطة التزامن مع صدور الكتاب بالشهر واليوم هل كان امر تحول الحزب ديموقراطيا سيكون مختلفا؟ اغلب الظن ان جميع من اتصلت حياتهم العامه او اهتماماتهم بحزب البعث العربي الاشتراكي يطرحون علي انفسهم هذا السؤال من واقع معرفتهم بسيرة عفلق وتكوين شخصيته ولكنهم سيجيبون عليه بالنفي. البيئة الثقافية والاجتماعيه التي نشأ فيه عفلق مختلفة جذريا عن تلك التي نشأ فيها صدام حسين مع ذلك فقد تعايشا في علاقة بدأت بتأثير اقوي للاول علي الثاني وانتهت بالعكس . ميشيل يوسف عفلق المولود عام 1910 هو من الناحية الشخصيه إبن اسرة دمشقيه مدينيه من الطبقة الوسطي، وكشخصية عامه إبن ارهاصات النهضه العربيه الحديثه اوائل القرن العشرين ذات الطابع العلماني والديموقراطي بصورة عامه بالذات في جناحها القومي الذي لعب فيه المسيحيون دورا بارزا امتداداً لدور ابائهم ازاء محاولات التتريك ومحو القومية العربيه خلال عهد الخلافة العثمانيه. وجاءت سنوات دراسته الجامعيه في جامعة السوربون بفرنسا اوائل الثلاثينيات لترسخ هذا التكوين الذي وجد في الحياة السياسية السورية التعددية والمنفتحه نسبيا حتي عام 61 ، تاريخ الوحده مع مصر، ماساعد علي تركيزه. في كافة هذه الجوانب سيرة صدام حسين الذي يصغر عفلق بنحو ثلاثين عاما نقيض تام فهو ابن اسرة ريفيه فقيره وكشخصية عامه ابن مرحلة بداية أزدهار تيارات الفكر الاشتراكي اواخر الخمسينات التي بدت لشباب ذلك الزمان الخيار الامثل للانفكاك من اسر الهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية وبناء مستقبل يفسح مكان الصدارة للطبقات الكادحه، فهي بيئة انفتاح وتفتح ايضا ولكن يحد منه ضعف المضمون الديموقراطي. اما معرفة صدام بالحياة الثقافية الاوروبيه فقد كانت من الدرجة الثالثه بسبب اقتصار منفذه اليها علي الترجمات العربيه بينما الحياة الديموقراطية في العراق كانت افقر كثيرا من رصيفتها السوريه بما لم يساعد علي التعويض الجزئي عن هذا النقص لاسيما وان من مترتبات ذلك انصراف صدام المبكر الي النشاط السياسي وفي حزب سري في عراق العنف فيه خبز السياسة اليومي. كل هذا جعل العناصر التكوينية لشخصية صدام مناقضة كلية لعناصر تكوين شخصية عفلق ومع ذلك فقد جمعهما في المشروع البعثي اطاره العام كتوجه استحدث العلاقة بين الاحياء القومي العربي والتحرر السياسي والاجتماعي واصبح اكثر مدعاة للانسجام والترابط بينهما في لحظة تاريخية خمسينية-ستينيه كانت القوة العارمة فيها للتيارات الاشتراكيه عربيا وعالمثالثيا. التركيز المتزايد في هذه التيارات علي تأمين مشاركة الطبقات الفقيرة في الثروه علي حساب نصيبها في المشاركة السياسيه خفف قليلا او كثيرا من الرصيد الديموقراطي في تكوين عفلق مما قّصر المسافة الفاصلة بين عقليته وعقلية صدام اكثر واكثر. ثم جاء نشوب الصراع بين قيادة عفلق وعسكريي الحزب السوريين الذي انتهي عام 66 بإسقاط حكم القيادة القوميه ليلغي هذه المسافة كلية تقريبا إذ انحاز صدام اليه في هذا الصراع وتجاوز ذلك الي اعلاء سلطة المدنيين في سلطة مابعد انقلاب 68 الذي قاده في العراق.
غير ان سلطة اي انقلاب، مدنية كانت قيادته او عسكريه، وفي محيط عربي تشح فيه التقاليد الديموقراطية اصلا من خصائصها الضرورية الانجراف التدريجي ثم السريع بأتجاه بروز مكانة الفرد القائد الكلي التأثير فكرا وسياسة. هكذا اتخذت تجربة البعث العراقيه صورة تكوين صدام اكثر من صورة تكوين عفلق إذ لم تثمر محاولاته احياء بعث ماقبل -انقلابَي سوريا والعراق كما يرمز اليها عنوان اخر خطاب سنوي القاه قبل وفاته بشهرين وهو " الديموقراطية والوحده عنوان المرحله ". بذلك فأن مايبقي من " بعث السودان " ، كما تشهد اكثر من وثيقه في كتاب الاستاذ جادين، من علاقته السابقة بحزب البعث العربي الاشتراكي أقرب الي إرث عفلق منه الي إرث صدام.
تُري هل يعود ذلك ايضا الي ان علاقة ميشيل عفلق بالسودان تعود الي ما قبل ميلاده بأثني عشر عاما؟ هذا تفسير اسطوري مصدره معلومة عثر عليها كاتب المقال بعد اعداده : أحد أخوال عفلق اسمه جُرجي زيدان، وهو مؤرخ ومثقف موسوعي من انجازاته تأسيس مجلة الهلال الشهريه المعروفه، جاء الي السودان كمترجم ضمن الحمله الانجليزيه عام 1898.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد