الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كراس طريق الانتفاضة

عمار ديوب

2008 / 7 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يشرف الباحث الماركسي سلامة كيلة على إصدار سلسلة كراسات ماركسية،وقد صدر منه حتى الآن سبعة.وسنقدم في هذا المقال عرضاً للكراس الثالث؟وهو بعنوان "طريق الانتفاضة،لماذا تثور الطبقات الشعبية".
يتناول هذا الكتاب الانتفاضات التي عمّت العالم العربي في ثمانينيات القرن الماضي،وعُرفت بثورات الخبز:من تونس إلى مصر إلى المغرب.ويحاول إظهار أسبابها.ولماذا لم تتطوّر إلى تغييرٍ للأنظمة باستثناء نظام النميري في السودان.حيث يشير أن هذه القضية طرحت مشكلة الوعي الذي يحكم الحركة السياسية ، التي حتى الآن لم تستطع أن تكون ممثلة لهذه الانتفاضات،فجاءت بمعزل عن هذه الحركات ، التي يشير سلامة، أنها في معظمها:إما إصلاحية،تعيد إنتاج النظام القائم مع تحقيق بعض المطالب.وإما طفولية،انقلابية ،تآمرية،عاجزة عن إقامة صلات مع الطبقات الشعبية .فتكتفي ببرامج محددة سلفاً،تستهدف إسقاط السلطة.
يعيد الكاتب أزمة هذه الحركات ولا سيما الماركسية منها إلى ضعف نظري ،يجعلها غير قادرة على فهم الواقع ومعطياته المعقدة والمتشعبة.وهو ما يبقيها في إطار التكتيك،ومتابعة الحدث السياسي، وردود الفعل عليه دون أن تمتلك رؤية إستراتيجية تتضمن التكتيك وتحول فعلها وفعل الجماهير إلى انتفاضة ثورية، تغيّر الواقع القائم.
يشير الباحث أيضاً، أن هذه الانتفاضات أتت في سياق تحوّل "الرأسماليات التابعة إلى مافيات رجال الأعمال"فقد تعمّمت حالة الإفقار في كل الوطن العربي وانحدرت طبقات تحت خط الفقر.
في الفصل الأول:يؤكد الكاتب على دور الطبقات الشعبية التي ظلت تعبر عن تأييدها للقضية الفلسطينية إلا أنها ومع تزايد النهب الامبريالي والتبعية ،بدأت طريق الانتفاضات التي تخص قضايا اجتماعية واقتصادية.ففي مصر انتفض الشعب عام 1977 وفي تونس 1978 وفي المغرب 1981 ثم في السودان 1983 وفي تونس مجدداً عام 1984.ونشير أن الباحث يتناول فقط الانتفاضات الكبيرة،وليس كل الاحتجاجات والاعتصامات والانتفاضات الصغيرة.
ثم يوضح أنّه كلما تزيد الامبرياليات من سيطرتها و"توسع في دور الكيان الصهيوني"فإنها "كلما زادت في نهب الوطن العربي إقتصادياً وذلك من خلال شكلين:
- استغلال الشركات الاحتكارية والبنوك الدولية لقوة العمل المحلية.
- صادرات السلع الهائلة التي يستوعبها الوطن.
ويتم كل ذلك "ضمن سياسة اقتصادية تفرضها الامبريالية،وتقوم على أساس تخريب القوى المنتجة في مجالات الزراعة والصناعة تحديداً" ليبقى السوق مستورداً لكل السلع تقريباً.مما يؤدي إلى عجزٍ في موازنات "الدول"ويدفعها إلى طلب المساعدات والاقتراض من جهة.وإلى زيادة الضرائب على الجماهير الفقيرة من جهة أخرى.
يرافق التخلص من العجز إتباع الحكومات سياسات ليبرالية كمحاولة لتقليص العجز في الموازنات العامة،سواء عن طريق زيادة الضرائب ،أو عن طريق رفع الدعم عن السلع الأساسية أو عن بعضها"كالخبز والأرز والسكر والشاي"لتنفجر أزمة شاملة.هو ما ظهر في تونس والمغرب ومصر.
الانتفاضة في تونس سُميت انتفاضة الخبز ،وهذه الدولة إحدى"المواقع التي تمتصها الشركات المتعددة الجنسيات،وتثري الفئات الكمبرادورية على حساب الجماهير الشعبية."وقد اتسمت الانتفاضة بالعفوية وهذه الانتفاضة وغيرها.تؤكد انسحاق الجماهير الكلي وإنها جماهير مهيأة للثورة،رغم غياب القوى المنظمة أو شبه المنظمة.
انتفاضة المغرب ،شملت كما انتفاضة تونس ،المدن الأساسية ومناطق واسعة من الريف، ونتجت عن زيادة أسعار السلع الأساسية، وانتهت بنفس الطريقة التي انتهت منها التونسية:بتراجع النظام عن خطواته.
وتزامن الانتفاضتين بنفس التاريخ، يشير إلى أن الامبريالية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية"غدت ليست قوة احتلال خارجي فقط ،بل وقوة استغلال داخلي" وبالتالي يؤكد سلامة "أن الأزمة واحدة،وأن النضالات مترابطة"ولكن هذه الانتفاضات أبرزت ضعف دور القوى السياسية ،ضعف علاقتها بالجماهير.ولذلك تبقى المهمة الملحة هي بلورة القوى السياسية القادرة على لعب دور ثوري.وقيادة الجماهير إلى تحقيق أهدافها.
وفي تحليل الكاتب لأسباب انتفاضة في مصر يؤكد أن مصر كانت تعيش أكثر من مشكلة معقدة،منها النظام السياسي وتوجهاته الخارجية،وحاجة الجماهير لنظام سياسي ديمقراطي ثم عبء العلاقة مع الكيان الصهيوني ومع الولايات المتحدة.وكذلك الأزمة الاقتصادية الناتجة عن خيار الفئات الحاكمة.والذي كرّس مصر لنهب الشركات الاحتكارية الكبرى.وفرض هيكل ضريبي متحيز ضد الفئات محدودة الدخل.
أما لماذا لم تنجح الانتفاضة ،وكان مصيرها الفشل.فإن المسألة المتعلقة بقدرة الحركات السياسية التي لم تستطع أن تكون قوى من نمط جديد،قوى مكافحة،وتطوّر الانتفاضة،إلى تغيير جذري للمجتمع.
أما الفصل الثاني: فيؤكد فيه الكاتب أن النهب الامبريالي يؤدي إلى حالة الإفقار المطلق.حيث أن السودان الذي أنجز انتفاضة،قضت على حكم النميري، برزت فيه أزمة اقتصادية عميقة خلال فترة حكمه، وكانت بسبب سياساته القائمة على أساس"الانفتاح الاقتصادي والاعتماد على مساعدات وقروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية".
وبالتالي يعاني العالم العربي من مشكلة بطء النمو الداخلي أو انعدام النمو.وذلك بسبب تحويل المجتمع من مجتمع ينتج السلع الضرورية لمعيشة الجماهير إلى مجتمع مستهلك.وهناك النهب الامبريالي الذي يؤدي إلى خروج جزء هام من الدخل المحلي إلى المراكز الامبريالية عبر"اختلال الميزان التجاري لمصلحة الواردات ،وفتح البلد لاستثمارات رؤوس الأموال الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات وأيضاً من خلال تهريب الفئات الطفيلية الحاكمة لثرواتها التي نهبتها".
المشكلة الأساسية في العالم العربي هي في السياسة،والتوجه غير المناسب في المجال الاقتصادي النابع من مصلحة الفئات الحاكمة والتي عملت بالسمسرة والرشوة.وعملت على تحطيم وسائل الإنتاج المحلية سواء الصناعات التي بنيت خلال قرن من الزمان .أو الريف كمنتج للمواد الزراعية الأساسية.
هذه الوضعية أدّت إلى الوصول إلى حالة إفقار مطلق، وهي الحالة التي تؤدي إلى الانتفاضة،وهي بسبب تعميق التبعية الامبريالية الأمريكية.وباعتبار الإفقار سمة عامة للجماهير العربية.فإن هذه الأخيرة، تشعر بوحدة الهموم،أي وحدة الأزمة.وبالتالي من الضروري ظهور قوى سياسية واضحة الأهداف ،قادرة على إحداث التغيير الجذري.
أما بخصوص الحركة السياسية فهي اتسمت في الثمانينيات:إما بالإصلاحية.وإما بالطفولية، والانقلابية،والتأمرية.وبالتالي لم تستطع أن تكون طرفاً في الصراع الاجتماعي الدائر بين الفقراء المنتفضين والسلطات التابعة.أي أن الحركة الجماهيرية تتجاوز الحركة السياسية،والأخيرة لا تزال متخلفة عن الأولى.
ويرى الكاتب أن هذه الحركة إذا أرادت أن يكون لها دور في التاريخ.فإن من أولى مهامها"تبني المطالب الاقتصادية وأن تسعى لكي تعيش الجماهير حياة كريمة،من خلال إزالة الاستغلال الطبقي.وأن تطرح مهمة تغيير السلطة السياسية.فالسلطة أداة طبقة أو فئة،تسعى من خلالها لفرض سياساتها كلها.
ويضيف سلامة ضرورة أن يربط النضال الاقتصادي بالنضال السياسي والنضال المحلي بالنضال القومي.وذلك بسبب ترابط هذه الأمور ترابطاً وثيقاً.
في الفصل الثالث: يتصدى الباحث إلى دلالات هذه الانتفاضات وأزمتها، فيشير أن هذه الانتفاضات "فاتحة مرحلة جديدة"حيث أن"سيادة الرأسمالية التابعة أوجدت تشابها واسعاً في الظروف الاقتصادية والاجتماعية العربية"،جعل أوضاع الجماهير العربية موحدة إلى حدٍّ بعيد. وأن الانتفاضة الشعبية أصبحت خياراً لكل الجماهير وطريق نحو رفض منطق الاستغلال الطبقي السائد، ودعوة من أجل التغيير الثوري.
هذه السيادة للرأسمالية أتت في ظل السيطرة الامبريالية الأمريكية التي حوّلت الوطن العربي جزءاً تابعاً في إطار النظام الامبريالي العالمي ،وخلقت للوطن العربي مشكلات اقتصادية متشابهة:
-العجز في الميزان التجاري.
-العجز في ميزانية الدولة.
-التطور المحدود للدخل المحلي مع التطور الكبير لعدد السكان.
-الزيادة المحدودة للأجور مع الزيادة الكبيرة لأسعار السلع والخدمات.
-السوق السوداء للعملة
-تراكم الديون الخارجية.
ثم يشرح الكاتب طبيعة الأزمة المعيشية التي يعاني منها المواطن العربي فيؤكد أن"محدودية دخل الفرد،والارتفاع الهائل في أسعار السلع والخدمات،يقلص مطالب الفرد إلى الحدّ الأدنى الضروري للعيش،فيصبح الخبز والسكر والأرز والشاي،هو كل ما يستطيع الفرد شراءه ،وتستهلك هذه المواد(إضافة إلى ضروريات أخرى ،مثل السكن،الماء،الكهرباء،المواصلات،الطبابة للأطفال خصوصاً)"كل الدخل. وحينما ترتفع أسعار هذه المواد يحدث اختلال يدفع الفرد إلى الشعور بأنه عاجز عن تجديد ذاته، فيسقط الخوف لديه وتتهاوى مفاهيم السلطة والطاعة والخضوع. وهذا ما يقوده ويقود المجموع "للتعبير عن احتجاجه /احتجاجها".
إلا أن ذلك لا يقود إلى تأسيس وعي جمعي شامل،بل إلى مسألة الدفاع عن الذات،فتبقى الجماهير محافظة على مبدأ العزوف عن السياسة.وهذا ما يضعها في انتظار مخلص، يسقط السلطة ويحقق المساواة.وهي تنتظر التغيير من قوّة أخرى؟هذه الإشكالية، هي إشكالية تحوّل العمل العفوي إلى عمل منظم،والنشاط الجزئي إلى نشاط شمولي،والتصور الاقتصادي إلى تصوّر سياسي.
هذه الإشكالية لا يستطيع حلّها وفق ما يرى الكاتب إلّا الحزب السياسي الماركسي.الذي سيكون بالضرورة حزب سري وأقلية منظمة ولكن له نفوذ جماهيري.
الحاجة إلى الحزب تفرضها الظروف الواقعية بسبب عدم قدرة الحركة الجماهيرية الانتقال إلى نظام جديد.بل فقط هز العروش وإسقاط الأنظمة .وبالتالي الحزب يساعد البشر على تحصيل الوعي المطابق لمصلحتها،وإبعاد الوعي الزائف.
ضرورة الحزب الثوري تفترض:
-أن يحسم الماركسيون قضية ارتباطهم بالعمال والفلاحين الفقراء وان يقطعوا المراهنة على فئات مستغِلة ومستغلِة حاكمة.
-دراسة أوضاع الحركة الجماهيرية كما هي في الواقع لا كما تصورها الكتب .
وأخيراً يؤكد الباحث أن الانتفاضة التي تتكرر في أكثر من بلد عربي هي ضرورة ،لان الظروف الواقعية تجعلها كذلك.حيث تتعمق التبعية وتتكرس سيطرة البرجوازيات التابعة.وهو ما يفرض الانتفاضة ،التي تعبر عن نفسها عفوياً.الأمر الذي يسمح لبعض الفئات الحاكمة أن تجري تحويلات شكلية تخدم فئة مستغِلة أخرى.وبالتالي الحزب الثوري هو القادر على نقل الجماهير من الوعي المزيف إلى الوعي المطابق ومن العفوية إلى التنظيم.وذلك بقدرته على تنظيم الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وتشكيل أوسع جبهة طبقية من اجل تحويل الانتفاضات إلى انفجار ينهي حالة الاستغلال ويبني المجتمع الجديد بما يحقق مصالح الجماهير.
ما حدث من انتفاضات في عام 2005 و2006 و2007 و2008 في كل من المغرب ومصر والأردن واليمن وغيرها يوضح أن الماركسيين لا يزالون بعيدين عن أن يكوّنوا ذلك الحزب الثوري.وبالتالي لا تزال الجماهير المنتفضة في كل الدول العربية تفتقد امتلاكها الوعي الحقيقي الذي ينقلها نحو مجتمع جديد يتسم بالعدل والمساواة والحرية والتحرر.
الكراس المعروض، صادر ضمن سلسلة كراسات ماركسية، ومن منشورات الوعي الجديد، يقع في 90 صفحة من القطع الصغير ،تاريخ النشر عام 2007.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم


.. وزير الدفاع الأمريكي: يمكن شن عمليات عسكرية بفاعلية بالتزامن




.. نقل جثامين الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه من تبريز لطهران ا


.. استشهاد 4 وإصابة أكثر من 20 في قصف إسرائيلي لمنزل عائلة الشو




.. هل تسير مجريات محاكمة ترامب نحو التبرئة أم الإدانة؟ | #أميرك