الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أسئلة إلى الداعين الى عقد -معاهدة جيدة- مع أميركا

صائب خليل

2008 / 7 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم يبخل علينا "أصدقاؤنا الجدد" خلال عشرتهم للخمس سنوات الماضية بأمثلة تبين لنا نظرتهم الحقيقية الينا وتبين ما يمكننا أن نتوقعه من علاقة. فإضافة إلى فضائح سجن أبو غريب وجريمة حديثة وجرائم الرمادي والفلوجة ومذابح "صيد الديك الرومي" لبلاك ووتر وجرائم الإغتصاب والقتل، بل ومطالبتهم الصفيقة بحق القتل بلا محاسبة، وإفلات مجرميهم من الحساب في محاكمهم في كل مرة.
هذه التجربة شديدة المرارة أفقدت الشعب العراقي الثقة بهؤلاء تماماً، لذلك فعندما طرح موضوع المعاهدة ، فقد وجدت أمامها إمتعاضاً شعبياً شديداً ومقاومة عنيفة واسعة. وأمام هذه الحالة لجأ الأمريكان الى بضعة تكتيكات معروفة اولها التخويف من الجيران وتصويرهم كأنهم الذئب الذي يستعد لإفتراس الغزالة العزلاء التي هي نحن. كذلك تنتظرنا في الزوايا المظلمة، القاعدة التي خرجت من تحت الأرض كقوة فاقت الجستابو تنظيماً، وتحول بقايا الصداميون النفعيين الجبناء الذين أنتقاهم صدام بشكل يمكنه قتل أي منهم دون أن ينبس الباقون بكلمة، تحولوا بقدرة قادر إلى إنتحاريين يضحون بأنفسهم فقط من أجل مقتل بضعة أشخاص غالباً ما لايكون لهم علاقة بأي شيء. وإن أفلتنا من هذا وذاك فهناك طائفيتنا الرهيبة التي ستدخلنا فور خروج القوات الأمريكية في حرب أهلية لن تبقي ولن تذر، فليس ألذ على فم السني من دم الشيعي ولا الشيعي من دم السني، وكأننا خلقنا وخلق الأمريكان في بلادنا معنا ليحمونا من شرورنا الموروثة في جيناتنا، ولم نجرب الحياة بدونهم من قبل. لكن هذا ليس غريباً على النظام الذي حاول أن يقنع شعبه بأن جزيرة غرينادا، ثاني أصغر بلد في العالم، تمثل خطراً عليه، اقوى قوة في العالم، ولذلك توجب احتلالها عسكرياً!

رفض الشعب العراقي أن يخاف من العيش دون قوات احتلال، واعتبرت الغالبية الساحقة منه تلك الدعاية كلاماً فارغاً أو مبالغاً به على أقل تقدير، وأن حجم الأخطار لاتستدعي التنازل عن السيادة لدولة خطرة ذات تأريخ أسود في المنطقة وفي العالم، لكي تحمينا منها.
لكن يجب الإعتراف بأن الفشل لم يكن تاماً، فلدينا فضائيات تذيع كل ربع ساعة تحذيرات مع موسيقى مرعبة وصور مخيفة عن دول الجوار التي يسكنها "الجوج وما جوج" الملثمين القتلة، وقد كان "القائد الضرورة" يحمينا منهم قبلاً، والآن وقد ذهب فلا بد لنا من "الإستعمار الضرورة" ليحل محله. فنحن شعوب نفترس بعضنا إن تركنا بلا "ضرورة" تضعنا في الأقفاص فلا يصل أحدنا إلى الآخر.
كانت دعاية الخوف قوية ومركزة ومراوغة وغير مباشرة في أغلب الأحيان، وكانت تعتمد على التهويل في أحداث حقيقية أكثر مما تعتمد على اختلاقات كاذبة تماماً فنجحت في زرع الرعب في البعض وإقلاق البعض الآخر فصار هذا البعض حائراً بين الخوف من أميركا والخوف مما يفترض أن تحمينا منه، وهنا أخترعت قصة "المعاهدة الجيدة" و"المفاوضات الشاقة" لحل المشكلة، وهي بحد ذاتها أبلغ دليل على درجة انعدام الثقة بالمحتل حتى من أقرب الناس اليه. وابتدعت كذلك مختلف الحيل وخلقت للمعاهدة عشرات الأسماء كل منها صمم ليخترق دستوراً أو قانوناً يمنعها، أو ليراوغ وعياً يرى فيها خطراً...حتى ان عزيز الحاج، أحد أشد المتحمسين للأمريكان كتب مؤخراً مقالاً بعنوان: حرنا: معاهدة، بروتوكل؟، جدول؟، -فضاء-؟، أم ماذا؟!

مما لاشك فيه أن لصيغة نص المعاهدة أثره، لكن هذا الأثر يعتمد على طبيعة المتعاهدين ونواياهما وتناسب القوة بينهما، ورغم فائدته فأنه لايمكن أن يحل تماماً محل الحد الأدنى من الثقة وحسن النية في تنفيذ المعاهدة, وهو ما لايتوفر في طرفي المعاهدة كما أشرنا، ويعود "الفضل" في ذلك إلى ثروة من الخبر والحوادث التي جرب كل من الطرفين الآخر بها، وقد ذكرت بعضها في مقدمة المقالة.

إضافة إلى كل هذه ألفت نظركم إلى "حادثة" ربما كانت أقل إجراماً لكنها بلا شك لاتقل دلالة على نوع العلاقة المنتظرة مع الأمريكان. لقد أقترح الرئيس بوش يوماً على "أصدقائه" العراقيين ان يحتفظ لهم بمبالغ بعشرات المليارات في البنك الفدرالي الأمريكي لتأمينها من السرقة...وقد أكد هذا ساترفيلد في مؤتمر صحفي حين قال: "لا علاقة بين الأموال العراقية في البنوك الأميركية وممارسة ضغوط على المفاوضين العراقيين خلال المحادثات التي تجري بشأن المعاهدة.... وإن وجود الأموال في البنوك الأميركية هو لحماية ممتلكات الحكومة العراقية بأمر من الرئيس الأميركي".

لكن السيد فؤاد الأمير ينبهنا في دراسته القيمة (1) إلى "...تصريح السيد سامي العسكري، العضو القيادي في حزب الدعوة الحاكم، إلى صحيفة الحياة في 10/6/2008، أي في نفس يوم تصريح ساترفيلد...."إن الحكومة العراقية تعد خطة لتخليص الأموال الموجودة في البنك الفيدرالي الأميركي من الملاحقة الأميركية... إن تلك الأموال يضمنها الرئيس بوش والكونغرس، وإذا رفعت هذه الحماية يمكن أن يفقد العراق مليارات الدولارات"، ورأى العسكري أيضاً "إن الإدارة الأميركية تستعمل هذه الأموال ورقة ضغط على العراق في المفاوضات على الإتفاقية".
ويضيف الأمير الإشارة إلى تصريح السيد سليم عبدالله الناطق الرسمي بإسم جبهة التوافق العراقية في 7/6/2008، "إن إشراف الولايات المتحدة على مصير الأموال العراقية الموجودة في البنك الإحتياطي الفيدرالي الأميركي سيكون أحد المحاور الحساسة والمهمة على طاولة المباحثات بين الجانبين العراقي والأميركي"، "وأكد عبدالله إن الحكومة العراقية لا تملك في الوقت الحاضر إرادة التصرف بأموال الإحتياطي النقدي العراقي..... وإن الأموال العراقية معرضة للضياع بعد خروج العراق من البند السابع للأمم المتحدة"، "وقدّر عبدالله إحتياطي العراق من الأموال المجمدة في الخارج بثمانين مليار دولار موزعة على البنوك العالمية". وأعادت جريدة "الحياة" ... في 8/6/2008 الحديث بالقول "... فيما ترددت أنباء عن تلويح أميركي بإستقطاع كبير من الأموال العراقية الموجودة في بنك الإحتياطي الفيدرالي (المركزي) الأميركي....وإنه احتفظ بهذه المبالغ في البنك المركزي الأميركي (البنك الفيدرالي)، بناءً على نصيحة من الجانب الأميركي، وإن الحكومة الأميركية والرئيس بوش بالذات "تعهد" بالحفاظ على هذه المبالغ." إضافة إلى ما نقله موقع "أنباء براثا" عن "الشيخ همام حمودي: الحكومة تعاقدت مع شركات عالمية لحماية أموال العراق بعد الخروج من البند السابع".
إن كانت الأمانة التي يعترف بها الأمريكان ويتعهد بها الرئيس نفسه، تحتاج استعادتها إلى تعاقدات مع شركات محاماة عالمية لإستعادتها، فكيف ستكون حال حقوقنا في نصوص المعاهدة التي قد لاتكون بهذا الوضوح وهذي الصراحة؟ أية نصوص يسعى إليها المفاوضون الجهابذة ستتمكن من حماية الحقوق العراقية من مثل هؤلاء "الأصدقاء"؟

كلنا يعرف "مأثورة" صدام حسين:" القانون ليس إلا جرة قلم" وكلنا امتعضنا منها وربما خجلنا أن ينسب الينا "رئيس" يبدي مثل هذا الإحتقار للقانون، وربما تمنى البعض أن لايسمع بها الأجانب وربما ذهب البعض الآخر يرفعها دليلاً ليري هؤلاء الأجانب أي عجب هم حكامنا. لكن دكتاتورنا البغيض لم يكن وحيداً في العالم للأسف في نظرته هذه للقانون، فقد كان القانون والدستور بشكل خاص أشد أعداء إدارة بوش وغيرها، ولم يخف الجميع رأيه بها ولا تردد في محاولة "تعديلها" أو تفسيرها بما يقدم له صلاحيات إضافية.

المدعي العام الأمريكي ألبرتو غونزالس، قال متضايقاً من الدستور عندما كان مازال مستشاراً في البيت الأبيض ان "الدستور وثيقة عفا عليها الزمن". ووصفها محتال آخر بأنها "وثيقة حية" ليوحي بعدم قدسية ما جاء في الوثيقة التي كانت تقرر للولايات المتحدة ما هو قانوني وما ليس كذلك لقرنين من الزمان، وأنه يجب أن يمكن تعديلها بسهولة.
في أواخر ك1 عام 2005 كان صديقنا الرئيس بوش يحاول في مكتبه الضغط على قيادة أعضاء الكونغرس الجمهوريين لتمرير تجديد لقانون يتيح له المزيد من الصلاحيات للتجسس والضغط على حريات المواطنين. وعندها قال له أحد الحضور:"يا سيادة الرئيس، هناك حجة سليمة بأن التعديلات المطلوبة تهدم الدستور". فصرخ بوش قائلاً: "توقف عن رمي "الدستور" بوجهي، فما هو إلا قطعة ورقة لعينة!" (2)
(“Stop throwing the Constitution in my face,It’s just a goddamned piece of paper!”)

هؤلاء إذن "أصدقاؤنا الجدد" وهذا هو مدى احترامهم لأقدس نصوصهم، فكيف ستتصورون أنهم سيعاملون نصوص معاهدتكم معهم؟أي بئر هذا الذي تدخلون العراق به أيها الموافقون المشترطون "مفاوضات جيدة شفافة"؟ إنكم لعجزكم وخوفكم عن قول "لا" تحملون النصوص فوق طاقتها وتأملون منها حماية حقوقكم مع عصابات كاوبوي التي تعرفونها جيداً، بدلاً من حكمة شجاعتكم المتعبة.
ليخبرني أحد منكم ما هو فاعل إن تكررت هذه الجرائم غداً تحت ظل المعاهدة التي يدعو اليها، ولنفرض أنها جاءت كما يريد ونصت على محاسبة الأمريكان، وأن الأمريكان أنكروا علاقتهم ورفضوا تسليم جنودهم؟ لنفرض أن محطة الشعيبة انفجرت ثانية وأن وزير النفط صرّح ثانية بانها نتيجة مرور سمتية أمريكية فوقها، وأنكر الجيش الأمريكي الأمر فمن ستصدقون؟ وما هي الوسائل التي ستكون لديكم للتحقيق في الأمر؟ وإن لم يعجبكم رد الأمريكان فهل ستتظاهرون مطالبين بالتحقيق؟
وهل ستتظاهرون لو أن مفرزة شرطة عراقية القت القبض على جنديين أمريكيين متنكرين بزي رجال الدين، ومتلبسين بمهمة تفجير إرهابي قرب حسينية في البصرة، وقامت القوات الأمريكية بإخراجهما من السجن بدباباتها قائلة ان "قوات خاصة" "تتصل بالقاعدة" هي وراء المؤامرة وأن جنودهم أبرياء؟
ماذا ستفعلون عندها يا دعاة "النصوص الجيدة" والمفاوضات الشاقة والشفافة؟ أخبرونا عن ضماناتكم لتنفيذ نصوصكم الجيدة وإلى من ستشتكون؟ لعلكم تعرفون أحداً، قولوا لنا لنكون معكم!؟
هل أتحدث هنا عن احتمالات خرافية أم أني استشهدت بأحداث واقعية؟ هل حدثت في الأزمان الغابرة أو خلال السنوات والأشهر القليلة الماضية؟ هل حدثت مع إدارة أخرى أو مع نفس الذين تقبلون التفاوض معهم الآن؟ هل لديكم أية ضمانات أن الأمر سيتغير بعد المعاهدة؟ هل كانت هناك نصوص في قرار الأمم المتحدة الذي يستند إليه المحتل، تتيح له القيام بمثل هذه الجرائم؟ هل كان هناك نقص في النصوص والقوانين الدولية التي تمنعه من القيام بها؟ هل كانت هذه النصوص الدولية "سيئة" وتطمحون من مفاوضكم "الشاق" أن ينجز أفضل منها؟ هل احتاج المجرمون إلى أية نصوص تدعمهم لإرتكاب جرائمهم؟ بل ألم يخترعوا التفسير المناسب للنصوص حتى في دستورهم ليتيح لهم استعمال التعذيب في سجونهم، فأية نصوص ستكتبون أفضل من تلك، وأية قوة ستكون لديكم لمحاسبتهم أقوى من دستورهم ونظامهم القضائي؟ لقد أشار كتاب ومحامون إلى نصوص في حقوق البلد المحتل تبين المخالفات الإجرامية للقوات المحتلة فهل كان لذلك نتيجة؟ هل حاسبت الحكومة المحتل بالإشارة إلى أية نصوص؟ وهل كان لديها أية فرصة للنجاح لو أنها فعلت؟ هل تجرؤ منظمة دولية على إدانة "شقاوة" العالم الوحيدة وإرجاع الحق لأصحابه منها؟ لقد تجرأت "المحكمة الدولية" على ذلك في نادرة يتيمة قبل ربع قرن، عندما لم تكن هذه الشقاوة بهذه السلطة في العالم، وحكمت على الولايات المتحدة بتعويض نيكاراغوا عن خسائرها نتيجة أعمال إرهابية قامت بها الأولى ضد الثانية (مع تجنب الحديث عن إدانة الأعمال الإرهابية نفسها)، فما مصير حق نيكاراغوا؟ أراهن أن أحداً منكم لم يسمع به من قبل لأنه لم يتم تجاهله فقط، بل ومسح من التأريخ كما يصف جومسكي!

لكن هذا كان قبل ربع قرن....فلننظر كيف تطورت الأمم المتحدة في دورها كمنظم حيادي بين أعضائها من المجتمع الدولي، وإلى أي مدى يمكننا الإعتماد على هذا التطور لنيل حقوقنا إن تجرأت أميركا على سلبها رغم نصوصنا الجميلة.

إضافة إلى استمرار تمتع أميركا بحق الفيتو الذي يحيد مجلس الأمن ويخرجه من أي قرار يتعلق بشكوى ضدها، وإضافة إلى الممارسات المعادة من تجسس وضغط ورشوة وتهديد لأعضاء المنظمة، فإنها وصلت في الفترة الأخيرة إلى تشكيل عصابات داخل المنظمة وفي أعلى المستويات الإدارية تهدف إلى أخفاء المعلومات عن أعضاء المنظمة وقيادتهم إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة!
هذا هو الناشط رائد جرار يخبرنا عن حادثة يجب أن تقشعر لها الأبدان المدركة:
"حقيقة الأمر أن أطرافاً مختلفة في الحكومة العراقية كانت تخوض صراعاً دستورياً وقانونياً، وكان هناك حوار رسمي ما بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بشأن تجديد تخويل الأمم المتحدة لقوات الاحتلال. سياسياً، رفضت السلطة التشريعية (مجلس النواب) فكرة التمديد غير المشروط للتخويل، بينما دفعت السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة) فكرة التجديد غير المشروط لإبقاء الاحتلال سنة أخرى. ….قام مجلس النواب العراقي بالعمل على خطوتين مبكرتين هذا العام لتحاشي الوقوع في أخطاء العام الماضي. الخطوة الأولى كانت توجيه رسالة في الثامن والعشرين من نيسان 2007 إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة لتوضيح الخروق الدستورية التي ارتكبت في عدم الرجوع إلى مجلس النواب قبل تجديد التخويل. وانتهت الرسالة بمطالبة من أعضاء مجلس النواب «بوضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال (المتعددة الجنسيات) من العراق الحبيب». وقّعت أغلبية النواب على الرسالة (144 نائباً من أصل 275)، وتم تسليم الرسالة إلى أشرف قاضي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق في ذلك الوقت. الخطوة الثانية كانت إمرار قرار خلال الجلسة 32 لمجلس النواب المنعقدة في الخامس من حزيران 2007 لتثبيت أن تجديد تخويل الأمم المتحدة يقع ضمن خانة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وبالتالي ضمن أحكام المادة 58-رابعاً والقاضية بالعودة إلى مجلس النواب وضمان موافقة ثلثي الأعضاء قبل مخاطبة الأمم المتحدة للمطالبة بتجديد مهمة قوات الاحتلال. .....
لقد ساعدت شخصياً في تنظيم اجتماع عبر الهاتف قبل أقل من ثلاثة أسابيع ما بين ممثلي أغلبية بعثات مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر وبرلمانيين عراقيين سنّة وشيعة وعلمانيين وغيرهم ممن يسيطرون على الأغلبية البرلمانية ولا تمثيل لهم في مجلس الوزراء أو ديوان الرئاسة. الهدف من الاجتماع ـــــ غير العلني ـــــ هو تفهم المسألة السياسية والدستورية المتعلقة بتجديد التخويل، وسماع صوت أعضاء البرلمان المغيب.

مفاجأة الاجتماع الأولى حصلت عندما اكتشف الطرفان أن السيد أشرف قاضي، وبرغم تأكيده للجانب العراقي أنه قد سلم بالفعل رسالتهم للأمين العام للأمم المتحدة ولأعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، لم يقم بإيصال الرسالة. لم يتمكن ممثلو بعثات مجلس الأمن الدولي من إخفاء صدمتهم، وسألني أحدهم مقاطعاً بأن أعيد ترجمة القضية ليتأكد أن ما سمعه صحيح. ضجّت القاعة بالهمسات والوجوه الذاهلة. قال أحد الحاضرين «هذا مخالف لكل بروتوكولات مجلس الأمن والأمم المتحدة»، وأضاف آخر «أنا متأكد أن حكومتي ستطالب السيد أشرف قاضي ببعض التوضيحات».

المفاجأة الثانية كانت عندما اعترض أعضاء مجلس النواب على التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، المقدم في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر عملا بالفقرة 6 من القرار 1770، والذي ذكر خطأ أن مجلس النواب قد اعتمد «في ٥ حزيران/يونيو قراراً غير ملزم بأن يطلب مجلس الوزراء موافقة البرلمان على أي تمديد مقبل للولاية المنظمة للقوة المتعددة الجنسيات في العراق وإدراج جدول زمني لرحيل القوات عن العراق»، حيث عرض أعضاء مجلس النواب العراقي إجراءات إصدار القرارات والقوانين في العراق وأكدوا على أعضاء مجلس الأمن أن القرار إلزامي وقانوني، وأن الفقرات الدستورية واضحة وجلية في هذا الخصوص.".... إنتهى الإقتباس (3)

هاهو نص "إلزامي وقانوني" واضح يختفي في وضح النهار ليحل محله، وفي مجلس الأمن الدولي "قرار غير ملزم"، وهاهو "المجتمع الدولي" كله يخدع من خلال "أشرف قاضي" (يا لمصادفة الأسم القدرية!) ويكتشف الخدعة بعد تمرير القرار، فيلملم أوراقه وينصرف دون أن يثير أي غبار....وأنتم يا دعاة "المفاوضات الشاقة" و "المعاهدة الجيدة" تريدون منا أن نطمئن من خلال نصوص مكتوبة بدقة!

أراهن أيضاً أن أيا منكم لم يكن سيقف هذا الموقف لو أن ما كان مرهوناً ليس العراق، بل داره أو سيارته مثلاً....عندها لطلب مئة ضمان قبل أن يوقع ولن يوقع إن لم يطمئن على قدرته على استعادة حقه...أما عندما يتعلق الأمر بالعراق...فيكتفي "بمفاوضات شاقة شفافة" و"نصوص جيدة" و"سقوف واطئة" ويذهب إلى فراشه مرتاح الضمير دون أن يسأل عن الضمان لتنفيذ نصه الجيد مع أعتى كيان على الأرض.

لمن لم يقبض منكم ثمن الإنسحاب الى الخط الدفاعي الثاني لمؤيدي المعاهدة المتمثل بـ "التأييد المشروط" لها، وأظن بصدق أن الغالبية الساحقة إنما تعبر عن رأيها بأمانة، لهؤلاء أقول، من أجل ماذا تخاطرون بوطنكم وأيضاً بسمعتكم وضميركم بوضعها مع مثل هؤلاء القتلة في قرار لايمكن العودة عنه؟ "أتتصورون أنه ربما سيترددون ويقولون: يجب أن لانحرج من وقف معنا، يجب أن نلتزم بدرجة ما"؟ هل تتصورون أن هناك أي خط أحمر سيتردد ممثلو الشركات الأمريكية في عبوره من أجل مصالحهم؟ هل لديكم ضمانات بأن هذه المصالح لن تتطلب عبور خطوط دموية كما حدث في معظم بقاع الأرض معهم؟ أخيراً....أليس من ألأسلم تأجيل أية معاهدة لبضع سنين لعل العراق يصبح أكثر رشداً ويقدر أن يقرر ما في صالحه؟ أو تأجيلها على الأقل لبضعة أشهر لحين ينجلي بعض الأمر في الإنتخابات الأمريكية وزوال أسوأ إدارة في تأريخ أميركا من السلطة، لعل من يأتي أفضل قليلاً....أيستحق هذا الإستعجال كل هذه المخاطرة بكل شيء؟ إتخذوا موقفكم وقولوا رأيكم بشجاعة، وتذكروا أنه في حالة عدم وجود ضمانات تنفيذ، فإن النصوص وجودتها لاتعني الكثير، ولا تعود القضية قضية نصوص وتفاصيل، بل ببساطة: قبول "المعاهدة" أو رفضها!


هوامش:
(1) فؤاد قاسم الأمير: "ملاحظات في الاتفاقية المقترحة بين العراق والولايات المتحدة"
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/is/1usa2.htm
(2) http://www.prisonplanet.com/articles/december2005/091205pieceofpaper.htm
(3) http://www.al-akhbar.com/ar/node/56833










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش