الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبدع .. وقيم الجمال

ضمد كاظم وسمي

2008 / 7 / 31
الادب والفن



ان اية معالجة لعملية الابداع خاصة في العصور الحديثة .. لابد لها من ان تأخذ بعين الاعتبار الادوار النسبية التي لعبها الشعور واللاشعور .. حيث ان المرحلتين الرومانتية والتعبيرية تنوهان بالعقل الباطن ، فيما تشدد المرحلتان الكلاسيكية والواقعية على الذكاء والعقل الواعي .. غير ان هذا التفاصل يبدو مشحوناً بالمبالغة في جانب التنظير .. بينما لاتخلو التجربة الخلاقة من التواصل .. لان الفن يبقى نشاطاً انسانياً يستند اصلا الى (( الخبرة الجمالية )) .. حيث ان الفنان يعبر عن مواقفه سواء أكان ذلك بالقلم ، ام بالريشة ، ام بالازميل … الخ .. تلك المواقف الناجمة عن ارهاصات وانفعالات واوجاع وآمال وتوجسات ومسرات واتراح .. باعتبار ان مايميزه عن الاخرين هو حساسيته المرهفة .. لذلك جرت العادة على ربط الفنان بالعاطفة والوجدان حتى عد القلب مصدر الفن .. والفنان مجرد يد تخط مايملي عليها القلب ، وهذا ماذهبت اليه الرومانتيكية والسريالية . بيد ان هناك من يستدرك على ان الفنان قد يكف عن ان يكون مبدعاً عندما تتملكه سورات الغضب مستغرقاً في انفعالاته من دون ان يكون قادرا على التعبير عن خبراته المعاشة بلغة (( الصور الجمالية )) .. لذلك كله فقد قال الكاتب الفرنسي بلزاك : (( الفن يصدر من الدماغ ، لا من القلب ، وحيث يملك الموضوع على الفنان كل نفسه ، فانه عندئذ لايكون منه بمثابة السيد ، بل بمثابة العبد)) .. في حين ذهب آخرون الى ان الفن يصدر عن كل من الدماغ والقلب بنسب متفاوتة شريطة ان (( لاينبغي لقلب الفنان ان يلعب برأسه )) .. لان المبدع لايجب ان تطربه انفعالاته ..او تستخفه ارهاصاته .. اذا لم يكن قد حقق الانفصال عنها .. حيث انه بعدما يعيش ساعات المعاناة والالام .. يطويها جميعاً في اعماقه .. (( وكأنما هو السماء الهادئة التي تطوي في باطنها شتى الاعاصير الهادرة )) .. حتى تتحول ذاته الى مرآة تتوالد فيها صور الابداع .. لان اصل الابداع هو التحرر من الضرورة ..ضرورة الالام والانفعالات والبيئة الى فضاء الحرية والخيال .. واذا كانت الخبرات المعاشة مترعة بالحزن والاسى .. فان مرحلة الابداع تشير الى نقاهة المبدع وشفاءه .. أي ان الفنان هو من يحول (( الحساسية العاطفية )) والتي هي ملك للناس جميعاً الى (( حساسية فنية )) خاصة بالمبدعين عندما يملك القدرة على تجسيد الانفعالات وتنظيـم العواطف .. أي القدرة على الصياغة او البراعة في (( الصنعة )) –الابداع –
كانت موهبــة المبـدع العبقري منذ الاغريق تقترن بالجنون .. يوصم الشاعر بانه (( مجذوب)) .. وكأنه ينتزع اشعاره من لاشعوره متجاوزاً حالة الوعي .. اما في التراث العربي .. فان لكل شاعر قريناً من الجن يملي عليه الشعر .. فأمر مسلم قديماً .. لذلك عد الفن ضرباً من (( السحر المقدس )) .. ومادور الفنان فيه الا دور الناطق باسم الالهة .. لذلك يعد افلاطون اول من تكلم عن الالهام باعتباره نوعا من (( الجذب الالهي )) .. والذي يملي على الفنان اروع ابداعاته .. وهكذا الحال في عصر الرومانتيكية عندما صوروا لنا (( الفنان )) بصورة (( الرجل الملهم )) والذي يكتب ما تمليه عليه القوى الغيبية .. حتى ان نيتشة يقدم لنا الالهام بصورة (( البرق المفاجئ الذي ينير الطريق امام الفنان ، فيسمح له بان يرى ، دون ان يكون قد عنى نفسه بالبحث )) .. اما التراث الكلاسيكي فانه يربط الالهام بالهات الفن – بنات الذاكرة – فيما يربطه التفكير اللاهوتي بالروح القدس .. اما حالات الالهام .. فانها تختلف في حالته العادية عما لدى النبي او الكاهن او الشاعر . لايمكن نكران ما قد يكون في حياة المبدعين من لحظات الاشراق او الكشف .. لكن ليس من الصحة في شيء عد المبدع مخلوقا غريبا .. يصدر في ابداعاته عن (( ملكة سحرية )) تنعدم في غيره من الناس .. لذلك قال عالم الجمال الفرنسي سوريو : (( ان الفن ليس بالضرورة معجزة يقوم بها قوم غير عاديين هم اولئك الفنانون الذين نعرفهم بمزاجهم النفسي ، لا بطبيعة عملهم )) .. لان المهم في الابداع هو العمل الابداعي .. بما يحتويه من قيمة فنية لا طبيعة المبدع نفسه بما يملك من مزاج خاص .. حيث ان الفنان الاصيل هو الانسان المجاهد الذي يعتمد على العمل اكثر منه ينتظر المعجزة .. وهو ماذهب اليه مالرو : (( ان الفن ليس احلاماً ، بل تنظيماً لاحلام )) .. أي بتعبير بعض علماء الجمال (( الموهبة نفسها لاتحصل الا بفعل الدراسة )) .
يمكن القول ان للكاتب – المبدع – اكثر من نموذج – التمييز هنا تاريخيا – فالكاتب المرتجل او المشدوه ، هو ذلك الشاعر البدائي الكاهن .. الرومانسي ، فالتعبيري ، فالسريالي .. اما الاديب الحاذق المتمرس الماهر .. الملتزم كشعراء عصر النهضة والكلاسيكية الجديدة .. فهم صناع .. علينا ان نتذكر بان هذا التقسيم غير مغلق لان الكاتب يمكن ان يجمع بين النموذجين .. (( أي انه يجمع رؤيا الحياة التي تشدهه الى عناية واعية متقنة بتقديم تلك الرؤيا )) .
ثمة بشر ينغص عيشهم هذا الواقع المكفهر والمبتذل .. فيقاضوه باقتراح بدائل تقوم على اساس النضارة الاولى او البكارة الأصلية للوجود الإنساني .. هؤلاء هم المبدعون الذين يسمهم فرويد بالنرجسيـة او العصابيـة .. حيـث نظر فرويد الى (( المبدع )) نظرته الى عصابي يصون نفسه بواسطة العمل الإبداعي .. (( فالأديب اذن حالم يقظة يحظى بقبول المجتمع ، وبدلاً من ان يغير شخصيته يؤبد خيالاته وينشرها )) .. بينما يصفهم آخرون بالانطوائية وبالتالي محدودية حراكهم الاجتماعي .. وهزالة تأثيرهم فيه .. لاستمرائهم التلذذ بهلوسات الانعزال او الانكفاء على الذات والخيال .. وبالضد من ذلك فان المبدع يتسامى بغرائزه من خلال الصور الجمالية التي ينتجها متجاوزاً عالم الواقع البغيض .. وهو في ذلك قد يلج عوالم وهمية يستعيض بها عن حقائق العالم المرعبة باحثاً عن ارتياد الاصول في ظلمات الشعور ام في مطامير اللاشعور .. وهكذا كان الفن في كل العصور صراعاً ضد الاشياء لاجتلاء اسرارها .. والتسامي بها .. لاستحلابها قيم الجمال .. وبذلك كان الفنانون مكتشفين لتلك القيم النبيلة في صولاتهم الكشفية والاشراقية من خلال الجهد والعرق .. هذه القيم تعمل عملها في ترقيق مشاعر المتلقين وترهف حواسهم وتعمق من مداركهم وبالتالي تزيد من خصب الوجود الانساني لان المبدع هو (( الذي يخرجنا من قواقعنا الذاتية ، لكي ينقلنا الى تلك العوالم الفنية الجديدة التي تؤلف بين قلوبنا ، وتوحد بين افكارنا )) .. عندما يفتح عالمه امام قرائه .. فيفتحون قلوبهم لما يجدوه فيه من تعبير وجداني .. وبذلك فان المبدع هو ذلك الانسان الذي لايحيا لنفسه بل للاخرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي