الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دكتاتورية البروليتاريا ..- الضائعة -

عادل اليابس

2008 / 7 / 31
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كارل ماركس ، مفكر اجتماعي فذ وعبقري ، يقول عنه أستاذه في الفلسفة ، فورباخ " ماركس أوقف ديالكتيك الفلسفة الألمانية على رجليه بعد أن كان مقلوبا" على رأسه " ، أدم سميث ، عراب الاقتصاد الرأسمالي ، قال " ماركس بنظرية فائض القيمة ، أحدث ثورة في المفاهيم الاقتصادية " . ماركس رجع للتاريخ ،وقرا الكوارث والمآسي والحروب التي أقترفها وتعرض لها الإنسان ، واسقط فلسفته المادية عليها ، وخرج باستنتاج ان كل ماحدث في التاريخ ، كان محوره الاقتصاد وبالتحديد ( الملكية الخاصة ) ، ووضع نظريته في الاشتراكية العلمية على وفق تلك الأسس، والتي رفض تسميتها بالماركسية عندما قال " أنا لست ماركسيا" .
ماركس رفض أن يكون زعيما" لكومنة باريس ، فهو فيلسوف وليس قائدا" سياسيا" ، عاش ومات فقيرا" ومعوزا" للمساعدات ، ميزته علميته ، فقد بقي لأواخر حياته يبحث ويدرس ، ولو دخلت المكتبة البريطانية حينها ستجد كومة من الكتب والمخطوطات ، تلوح في وسطها صلعه كبيرة ، يتصاعد حولها دخان ، هما صلعته وغليونه .
توصل ماركس لاستنتاج مفاده ، ان المجتمعات البشرية بدأت مشاعا" ، وبظهور الملكية الخاصة ، ظهر مجتمع الرق مصاحبا" ظهور الدولة . تغيرت البنى التحتية بتغير وسائل الإنتاج ، انهار مجتمع العبودية ،بولادة دولة الإقطاع ، سقطت الأخيرة بمعاول الثورة الصناعية ، وبقيادة البرجوازية ، حاملة راية الحرية لكل شيء ، قابضة على وسائل الإنتاج ورأس المال ، مستعبدة لطبقة تعيش على الاستغلال و الكفاف آخذة في الاتساع ، تلكم هي البروليتاريا . وصاح صيحته المشهورة ، ياعمال العالم أتحدوا ، مبينا" ان التغير التاريخي القادم ، هو ثورة العمال ضد البرجوازية ، ولكن اشترط ان تكون تلك الثورة في مجتمع صناعي متقدم ، يتيح للعمال تنظيم أنفسهم في منظمات ونقابات ، وبما توفره البرجوازية من نظام يقوم على الانتخاب الحر سيتمكن ، الشغيلة( شغيلة اليد أو الفكر ) الذين قد يشكلون 99% من المجتمع من الوصول إلى السلطة ، ويقيموا مجتمع العدل والكفاية . بالمناسبة ماركس صاحب القول المعروف " النظرية رمادية اللون ولكن الحياة خضراء "، صاغ نظريته وفق مشاهداته لعصره ، وما أبتدعه من أفكار ونظريات قد يكون عرضة للتغيير بتغير الأزمان .
لينين المغامر الذكي والباحث عن السلطة ، وجد في ثورة أكتوبر عام 1917في روسيا طريقا" مفتوحا" لإقامة سلطة البروليتاريا ،ورغم الدعم الشعبي لهذا المنحى ، إلا أن منظري الاشتراكية ، العلمية الروسية ، الكبار ، بليخانوف وتروتسكي ، رفضا هذا الزعم ، وبقيا مخلصين لمبادئهما ، باعتبار ان البنى التحتية في روسيا لم تنضج بعد ، لتقام دولة البروليتاريا .
لينين أكد على الحزب في قيادة الثورة ، وبالتالي فالحزب تقوده نخبة واعية ، وهذه يقودها زعيم ، وبالتالي فدكتاتورية البروليتاريا التي بشر بها تحولت لدكتاتورية زعماء ، وافرزت ستالين بحقبته الدموية .
وبنفس الأفكار وبفعل السلاح وليس بالديمقراطية كما قال ماركس ، وصل ماوتسي تونغ للسلطة ، وكاسترو ، وكمييل سونغ ، وجاءت الحرب العالمية الثانية ، فأقيم تحت وطء الدبابات النظام الشيوعي في أوربا الغربية ، والذي استمر خمسين عاما" ولكنه انهار بين ليلة وضحاها .
في بلداننا تلقف المثقفون ، أفكار الاشتراكية العلمية ، ليس من منبعها الماركسي ، ولكن بمسخها اللينيني ، انتشرت تلك الأفكار ، ممزوجة بحركة التحرر الوطني ، ولكن بدون قاعدتها الأساس ، الشغيلة والطبقة العاملة ، ولأن مجتمعاتنا فقيرة التصنيع ولم تدخله بعد ، أوجدت فتوى بأن الفلاحين ممكن ان يقيموا دولة البروليتاريا ، وأصبح جل الشيوعيين عندنا من ذوي الياقات البيض من المثقفين ، وليس من بائعي قوة عملهم ( عمال وشغيلة) ، فافتقدت تنظيماتهم أساسها الطبقي ، وباتت الاشتراكية العلمية أفكار النخب ، فلا تجد أديبا" أو شاعرا"أ وكاتبا" لقصة أو صحفيا" ،ألا وقد تغنى باشتراكيته المزعومة "يسار العصر الممتد مع الزلفين وبنطال الجارلس ".
وكما يقال " التطبيق مقياس الحقيقة " ، فأن أي من تلك التنظيمات الشيوعية لم تتمكن من الوصول للسلطة ، في كافة البلدان العربية و الإسلامية ، وتعكزوا في مرات عديدة على مايسمونه البرجوازية الصغيرة ، فأنزلت بهم مذابح ومجازر ما بها من سلطان ، كما حدث لعبد الخالق محجوب ، وشهدي عطية ، وسلام عادل ، وغيرهم تلك السمة في إبادة الشيوعيين ،جرت في اندونيسيا ، والسودان ، والعراق ، ومصر، وتشيلي .
بعد 1958 وقع طوفان شيوعي في الشارع العراقي ، ففاض عداء وإقصاء لمن ليس في صفهم ، فانطلق شعار " ماكو مؤامرة اتصير والحبال موجودة " ، ولكنها أي" الحبال " جزت أعناقهم في 1963 .
لم تكسبهم تلك اللدغة المميتة مناعة كافية ، فعادوا بعد 1968 ليصافحوا قاتلهم ويمنحوه الشرعية الوطنية والدولية تحت عنوان " الجبهة الوطنية والقومية التقدمية " ، وليتنكروا لحلفائهم الاستراتيجيين ، الأكراد ، ولعبها الدكتاتور بكفاءة نادرة ، اخترق وكشف تنظيماتهم السرية ، وبدء حملة اعتقالات وإبادة ، طالت خيرة كوادرهم عدا نفر قليل من قادتهم ممن كان يستقبلهم بابتسامة عريضة على موائده ، كونهم ورقته الرابحة في علاقته مع الروس .
بعد عام 2003 عاد فرسان الاشتراكية ، ولكن هذه المرة بمصافحة عدوهم المبدئي واللدود " الامبريالية " ،
وليحاصصهم بريمر في مجلس الحكم ،بصفة طائفية ، فنزعوا علمانيتهم برحابة صدر ، ولأن التعري من المبادئ بات لديهم تقية ، فمسحت دكتاتورية البروليتاريا ، وأنكرت الطبقية ، وأقروا عدم اعترافهم بالشمولية بالعمل السياسي ، وبالتالي ، فقدوا بوصلة مبادئهم وشراعها ، فحلت بهم المتاهة .
صوتوا للفدرالية ، وانسحبوا من رئاسة لجنة تنفيذ المادة 140، وانسحبوا من التصويت على قانون انتخاب مجالس المحافظات ، رغم الإجماع الوطني بالتصويت عليه ، تنصلوا عن القائمة العراقية ، التي عطفت عليهم للصفحات الوطنية من تاريخهم ، بدعم من رائد المشروع الوطني الدكتور أياد علاوي ، الذي منحهم مقعدين في البرلمان وأشركهم في الوزارة ، وبانسحاب القائمة من الحكومة ، تخلوا عنها " للتقية" ورفضوا مجاراتها في الانسحاب فبقي وزيرهم مفردا" في الوزارة .
ترى هل أن رفاقهم ، الذين ضحوا بحياتهم ومصير عوائلهم ، والذين جابهوا الطغاة وهم يصرخون " تحيا دكتاتورية البروليتاريا " ، سينعمون بالأبدية في قبورهم ، وهم يراقبون المبادئ ، التي استشهدوا في سبيلها تتضاءل وتمحى يوما" بعد آخر ، وبات سجلهم النضالي ، مخطوطة تاريخية ، تصلح للعرض في المتحف البغدادي .
في احتفالية بالذكرى الخمسين لـ 14من تموز 1958، ازدانت قاعة الاحتفال وحشدت بصور لعبد الكريم قاسم ، نصبوا أنفسهم ورثة لتراثه وهو لم يكن منهم ، هيمنوا على الاحتفالية وهم يلوحون برايات حمراء لانقش فيها ولا كتابة "سادة "، سألهم أحد الظرفاء " أين أضعتم المطرقة والمنجل ... ورأس لينين " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال