الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد جدران الفصل العنصري الدولي

بدر الدين شنن

2008 / 8 / 1
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


الرحيل عن الوطن " الهجرة " بحثاً عن اللقمة والأمان ، ارتبط تاريخياً بأزمات المعيشة الحادة ، بالفقر الأسود ، وبالحروب بين الامبراطوريات والسلاطين والطوائف والمذاهب ، التي تفرض على الناس البسطاء أن يكونوا وقودها وضحاياها . وقد شهدت بلدان المشرق العربي أولى تلك الموجات من الهجرة في القرن التاسع عشر ، هرباً من الفقر والجوع ومن التجنيد الاجباري في جيوش الامبراطورية العثمانية ، التي لم تنته حروبها إلاّ بنهايتها في الحرب العالمية الأولى . وقد اتجهت غالبية قوافل المهاجرين في تلك المرحلة إلى الأمريكتين وا ستقرت فيها .

بعد الحرب العالمية الأولى واحتلال بلدان المشرق العربي من قبل الإنكليز والفرنسيين ، لم تتوقف حركة الهجرة ، بل صارت تتخذ طابعاً زرافياً أو للم الشمل . لكنها ما لبثت بعد الحرب العالمية الثانية أن دب فيها النشاط ثانية ، وبدأت تسترد طابعها الواسع . إنما هذه المرة نحو أوربا ، التي أنهكتها الحرب وفتكت بخمسين ملين من أبنائها وضعف هذا العدد أو أكثر من المعاقين والمشوهين . حيث بات من الضرورة بمكان تعويض هذا النقص الكبير في بنية المجتمعات الأوربية وقواها العاملة ، لاسيما التي تضررت أكثر من غيرها في تلك الحرب الامبريالية البشعة . واللافت في هذا السياق أن الهجرة إلى أوربا ، كانت هذه المرة بناء على طلب وتشجيع البلدان الأوربية ذاتها ، بل وأبرم بعضها عقوداً مع تركيا والمغرب وغيرها لتوريد مئات الآلاف إلى بلدانها مثل ألمانيا وهولندا ، وأن الهجرة أصبحت حاجة اقتصادية اجتماعية دائمة بالنسبة لأوربا ، وذلك نتيجة اعتماد نظام مجتمعي عائلي يقوم على تحديد النسل ، الذي بولغ فيه لدرجة أن جميع المجتمعات الأوربية صارت نسبة الولادات فيها لاتعادل نسبة الوفيات بالقدر الذي يحافظ على على قوة العمل في المجتمع ، ومعظمها صارت الشيخوخة تشكل فيها نسبة عالية مكلفة ( رواتب تقاعد ونفقات شيخوخة ) .

وقد جاء في تقرير للأمم المتحدة أصدرته عام 2005 . أن أوربا ، مع ا ستمرار الهجرة إليها بمعدل 600 ألف مهاجر سنوياً ، فإن عدد السكان فيها معرض للإنخفاض خلال الخمسين سنة القادمة بنحو 100 مليون نسمة . وأن ثلث الشعوب الأوربية ستصبح شعوباً مسنة في نهاية هذه المدة . الأمر الذي دفع الاتحاد الأوربي إلى جذب مبرمج مستديم للهجرة بما يحقق للقوى الاقتصادية في هذه المجتمعات حاجتها للعمالة المطلوبة لمتابعة حركة آليات الانتاج ، وفي الوقت ذاته تستخدم العمالة الوافدة عامل ضغط للإبقاء على معدلات أجور منخفضة تزيد مما تستحوذ عليه من فائض القيمة . في أوربا يعمل الآن 64 مليون مهاجر .

بالمقابل ، فإن بلدان شرق وجنوب المتوسط ، مصادر الهجرة الرئيسية ، تشهد نمواً كثيفاً جداً في الفترة ذاتها في عدد السكان . وتدل الدراسات على أن عدد السكان ، على سبيل المثال ، سيصل في الجزائر عام 2020 إلى 50 مليون نسمة ، وفي مصر إلى 100 مليون نسمة . وفي عام 2025 سيصل عدد السكان في سوريا إلى 30 مليون نسمة والمغرب عام 2030 إلى 38 مليون نسمة والأردن إلى 10 ملايين نسمة . وتشهد هذه البلدان ( شرق وجنوب المتوسط ) ا ستعصاء في حل أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المركبة . فهذه البلدان التي تعاني من موروث الزمن الاستعماري ، الذي نهبت فيه بلدان أوربا الرئيسية ثرواتها ، وأخضعتها لمنظومة اتفاقيات وعلاقات اقتصادية غير عادلة ، ووضعتها رهن التخلف المتعمد بتقسيم دولي تعسفي للعمل ، وباحتكار التكنولوجيا المتطورة والرساميل الاستثمارية ، تواجه صعوبات كبيرة في حل ا ستحقاقات الكثافة السكانية التي تضاعف الإنفاق الاجتماعي والخدماتي وتضاعف البطالة وتعمق وتوسع أقواس البؤس الاجتماعي . كما تواجه مسائل توزيع الناتج الإجمالي المحلي ، والتحولات الاجتماعية ، وبناء الدولة ، والصراع على السلطة ، وذلك وسط حالة ضبابية ’تصعب تحديد الخيارات والبدائل ، الأمر الذي يخلق مناخات الاستبداد وإعادة انتاجه وافتراق المجتمعات عن السلطة ، ويلغي السياسة ، ويصحر الفكر والإبداع ..

و’تسّد دروب الخلاص الجمعي ، من خلال النضالات السياسية الاجتماعية وإيجاد البدائل ، و’تطرح إلى حد الهوس الحلول الفردية المرسومة على دروب الهجرة بالنسبة لملايين البؤساء والشباب الطامح لحياة أفضل ، وذلك للتحرر من مآسي وكوابيس ومذلات العيش تحت حكم أنظمة ا ستبدادية متخلفة في الوطن الأم . وقد دفع ثمن هذا السراب عشرات آلاف الضحايا غرقاً في مياه مسارات الهجرة غير الشرعية وأكثر منهم دفع الثمن سجناً وطرداً ذليلاً . وهناك الآن ثمانية ملايين مهاجر غير شرعي في أوربا هم قيد البحث للترحيل .. أي الطرد .. هم يشكلون حاصل تطورات وحسابات ودراسات تقع مسؤوليتها بالكامل على غيرهم وعلى سياسة الهجرة الأوربية الرسمية بالدرجة الأولى ، التي أتاحت عمداً ، لمصلحة البورجوازية الأوربية الدنيا ، وجود المهاجرين غير الشرعيين .

والجدير ذكره هنا ، أنه قد ’سجلت في السنوات الثلاثين الأخيرة من القرن العشرين أعلى نسب الهجرة من شرق وجنوب المتوسط إلى أوربا ، غلب على قسم منها طابع اللجوء السياسي ، لكنها كلها ، سواء بالنسبة للسياسي اللاجيء أوللمهاجر الاقتصادي ، ذات مضمون اقتصادي بامتياز . ويمكن وضع كل اللاجئين والمهاجرين تحت عنوان الهجرة القهرية . كما ’سجل فائضاً عن الحاجة المطلوبة من المهاجرين . بيد أن إعادة بعض المهاجرين أو اللاجئين إلى أوطانهم ، كانت محدودة جداً . وقد ساعد هذا الفائض في انتقال الدول الأوربية إلى الانتقائية المريحة في القبول للهجرة أو اللجوء ، حيث تم التركيز على الأطباء والمهندسين وذوي الخبرات الفنية والمهنية العالية والسياسيين المهددة حياتهم بالخطر حقاً إذا ما أعيدوا إلى بلدانهم . وساد أسلوب الروية والتساهل في التعاطي مع المهاجرين غير الشرعيين ، وكما ورد آنفاً ، لدعم الحرفيين الصغار والمزارعين الذين يستخدمون هؤلاء المهاجرين بنصف أجر . إجمالاً .. هناك عشرة ملايين عربي مهاجر أو لاجيء حالياً في أوربا .

في بدايات القرن الواحد والعشرين طرأ عاملان جديدان سيطرا على أسلوب التعامل الأوربي مع المهاجر أو اللاجيء . الأول كان الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مدينة نيويورك في 11 أيلول 2001 ، ومن ثم تلته هجمات إرهابية أخرى في فرنسا وبريطانيا وا سبانيا ، ما أدى إلى الحالة الدولية المضطربة الدامية ، وقدم الذريعة لما سميت بالحرب على الإرهاب ، وبّدل في النظرة الأوربية إلى شعوب شرق وجنوب المتوسط . والثاني كان توسع الاتحاد الأوربي نحو الشرق ، حيث ضم إلى عضويته شعوباً أوربية تتوق نسبة عالية من قواها العمالية إلى الهجرة غرباً . مما شكل مصدراً آخر للهجرة تتوفر فيه مستويات مقبولة ومطلوبة من الكفاءات العلمية والخبرة النوعية والفنية ، كما تتوفر فيه الشروط الأكثر أمناً واطمئناناً للأوربيين عامة ، يضاف إلى ذلك أن تنقل الأيدي العاملة مابين بلدان الاتحاد الأوربي لاتحتاج إلى شروط الهجرة المطبقة على المهاجرين إلى الاتحاد من خارجه .

إزاء الحالة الجديدة في القرن الجديد ، بدأ البحث لإيجاد صيغة أخرى تعيد النظر في الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوربي . وفي هذا الصدد وافق البرلمان الأوربي مؤخراً على قانون أعده وزراء داخلية الاتحاد ، يقضي بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين ( قسم كبير منهم من البلدان العربية ) إلى بلدانهم ، في عام 2007 جرى توقيف 200 ألف وترحيل 90 ألف منهم . كما بدأ في إيطاليا في تموز الماضي تطبيق ما يشبه حالة الطواريء لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين . و’رصدت في بلدان أوربية عدة الأموال ويجري إعداد الآليات الأمنية والعسكرية للحيلولة دون تدفق الهجرة غير الشرعية عبر البحار والحدود البرية . بمعنى ، أن ما يجري إعداده ليس محاصرة البطالة في البلدان المصدرة للهجرة وحسب ، وإنما إقامة جدران فصل عنصري دولي تغلق كل الآفاق أمام حلول ولو جزئية للأزمات الاقتصادية الاجتماعية ، التي كانت البلدان الأوربية ذاتها من تسبب فيها ، إن في الزمن الاستعماري المباشر حيث نهبت ثروات وكنوز هذه البلدان ، أو في الزمن الاستعماري غير المباشر حيث تفرض على هذه البلدان تقسيم دولي مجحف للعمل وتعوق نهوضها التكنولوجي ، وتحاصرها مع الأنظمة الحاكمة الموالية أو الشريكة لها ، لتبقى هذه الشعوب مفوتة تراوح كأطراف في توفير المواد الأولية لصناعاتها المتطورة وكأسواق لتصريف منتجاها ..

اللافت في هذا السياق ، ليس نفاق الوجه الآخر للدول الأوربية وحسب ، وإنما تعسف ونفاق النظام الرسمي العربي أيضاً ، وخاصة الدول العربية البترولية . ففي الوقت الذي تكابد فيه البلدان العربية غير البترولية من الأزمات الاقتصادية الخانقة ، ومن انخفاض مستوى معيشة أكثرية شعوب هذه البلدان تحت خط الفقر والبؤس ، وتفتقر مشاريع التنمية فيها إلى التمويل الصديق ، يقوم هذا النظام الرسمي العربي بالانبطاح أمام إملاءات ومصالح البلدان الأوربية ، ويقوم القسم البترولي منه بتوظيف عوائده البترولية ، التي بلغت في الأعوام الأخيرة آلاف المليارات من الدولارات في المشاريع الأوربية والأمريكية ، وفي وقت تشغل فيه دول الخليج 15 مليون عامل أجنبي في بلدانها هناك عشرات الملايين من العمال العرب يشتغلون أو يبحثون عن شغل خارج البلدان العربية ..

لقد قدمت مسألة الهجرة .. والهجرة غير الشرعية دلالة جديدة ، على أن النظام الاقتصادي العولمي الجديد ، مهما بلغ من التمركز والدقة والنفوذ ، فإنه لن ينجو من الأزمات التي تفرزها بنيته وآلياته . فأزمة ضعف البنية المجتمعية العضوية ، التي تتجه بالاتحاد الأوربي نحو الشيخوخة تشمل أوربا كلها من روسيا إلى هولندا ، وأزمة فائض السكان تزداد وتتضاعف في الضفاف الأخرى من المتوسط . والحل ليس بتعويض الناقص هنا بالزائد هناك ، أي إعادة توزيع الناس مابين القارات ، وإنما الحل بإعادة النظر في النظام الاقتصادي العولمي برمته ، وإعادة توزيع فائض القيمة بين القوى المنتجة وإعادة الثروات للشعوب صاحبة الحق . كما قدمت الدلالة الواضحة ، على أن الحلول الفردية للظروف المعيشية من خلال الهجرة ، التي ترتبط الضرورة مع الضرر في آن ، ليست هي الحلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ، وإنما هي :

1 - أن تعوض الدول الأوربية للدول التي أخضعتها في الزمن الاستعماري لسلطاتها ومصالحها عما ا ستحوذت عليه منها ، ليوظف ذلك في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية تمكنها من حل أزماتها واللحاق بقطار العصر .
2 - أن تقوم البلدان العربية البترولية بدورها القومي والإنساني في إنهاض اقتصاديات البلدان العربية الأخرى .
3 - أن تقوم القوى الحية في المجتمع وخاصة قوى اليسار والطبقات الشعبية بالنضال الجماعي .. الجماهيري .. للتخلص من الأنظمة الاستبدادية والمفوتة ، وإيجاد بدائل وطنية ديمقراطية تتضمن حلولاً اجتماعية مبرمجة تشمل الحاضر والمستقبل .. وربط هذا النضال بسلسلة من التنسيق والتضامن مابين مختلف البلدان المفقّرة والقوى التقدمية في أوربا ، لمواجهة النظام الاقتصادي العولمي .. الأكثر تعسفاً .. والأكثر انتاجاً للفقر والبطالة والتخلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب