الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وأعدائهم

سعدون محسن ضمد

2008 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تعيس حظ إنَّك تخُلق بوعي مغاير لوعي الناس، وقليل حيلة إذا اتَّخذت من هذه المغايرة أداة لإصلاحهم.
أنك تفهم ما لا يفهمه الآخرون يعني بأنك مختلف عنهم والمختلف مخيف والمخيف يجب أن يُبْعد أو يقتل سريعاً، فالناس أعداء ما جهلوا.
تعيس حظ من ينصح الجماهير المخدوعة، ووافر حظ من ينجح بخداعها. ذلك أن الجماهير ـ الغوغاء منها طبعاً ـ تعتقد دائماً بأن المصلح عدو، والمخادع صديق. وهكذا تهرع لمقاتلة وقتل الخيّر لحساب الشرّير.
هل تكررت هذه الفاجعة كثيراً؟ نعم للأسف الشديد. الجماهير هي التي لبَّت نداء دهاقنة اليهود من أجل صلب المسيح (ع) واحتفلت بانتصارها عليه. والجماهير هي التي طاردت محمد (ص) في حارات مكة، وشجت رأسه في حارات الطائف، وتجندت لقتاله في يثرب. الحسين مثال آخر و غاندي.. ووو الخ.
بمعادلة القائد والجماهير هناك ثلاثة أصناف من القادة: المخادع والجاهل والمصلح. الأول يحظى بتأييدهم لأنه يخدعهم. الثاني يحظى بحبهم لأنه من صنفهم. أما الثالث فيحظى بكرههم لأن لا يستطيع أن يكون من سنخهم فيحبونه ولا يقبل بأن يخدعهم فيؤيدونه. بالتأكيد هناك استثناءات من هذه القاعدة، لكن لا تكاد تذكر لقلتها. في حفلات قتل العراقيين اشترك الجميع، قوات الاحتلال وأجهزة الحكومة والغوغاء من الجماهير. الجماهير تفوقت على الطرفين الآخرين في أمرين. الأول: أنها قتلت أكثر منهما مجتمعين، ذلك انها استخدمت أسلحة الإبادة (مفخخات وصواريخ وقذائف). والثاني: أنها قتلت من أصدقائها أكثر بكثير مما قتلت من أعدائها. فالطبيب لا يمكن أن يكون عدواً للجماهير، لكنها قتلته، وكذلك حامل إجازة الدكتوراه، والمهندس والصحافي والكاتب والقاضي والممثل.... الخ.
حاول أن تطَّلع على الإحصائيات المتعلقة باعداد ومهن من قُتل على أيدي (الغوغاء) من الجماهير. وأتحداك عندها أن لا تحار بين أن تضحك ساخراً أو أن تبكي حانقاً.
حاول مرة أخرى أن تسأل نفسك: من الذي تلاحقه الجماهير في العراق الآن؟ من تحاصر؟ من تُشَرِّد؟ من تعد العدَّة لقتله؟ وأتحداك عندها أن لا تلعن النعمة التي جعلتك مختلفاً، وتلعن أيضاً، الجماهير التي ستوقن بأن لا يمكن إصلاح حالها في يوم من الأيام.
الحكومة آمنة في منطقتها الخضراء، والأميركان آمنون خلف دروعهم. أمّا الكتّاب والصحافيون والفنّانون وبقية النخبة من العراقيين فلا منطقة تؤيهم ولا سلاح يحميهم ولا أهل يفهمون أنهم النخبة والنخبة يجب أن تكون غير مفهومة من قبل مجتمعها ولا منسجمة معه تماماً، لأن القدر أعدَّها لإصلاحه والإصلاح يأتي للمجتمع من طبقاته العليا. العليا بإدراكها وهمومها وأخلاقها. كل المصلحين جاؤوا بما لم يفهمه (الغوغاء) من الناس، وكل المصلحين حوصروا من قبلهم وهربوا منهم بل وقتلوا على أيديهم. ومع ذلك لم ولن يفهم هؤلاء الغوغاء هذه التفصيلة البسيطة التي تكررت بشكل ممل. فأية محنة يجب أن يعانيها الإنسان المختلف عن العامة؟ وأي كأس عليه أن يتجرع؟ فأقسى الطعنات تلك التي تأتيك من أهلك الأقربين. وأكثر حالات التشرد مبعثاً على الحزن والأسى تلك التي يطاردك خلالها أبناء جلدتك، أولئك الذين تكرس حياتك لنصحهم والدفاع عنهم والأخذ بأيديهم. مثل هذه المأساة تبلغ ذروتها عندما تجد بأنك مضطر لأن توطن نفسك على أمر مخيف، هو أن أهلك لن يتركوك أو يقتلوك، لأنك تخيفهم بوعيك المغاير. وأنك لن تتركهم أو يقتلونك، لأن ليس من الإنسانية أو المروءة أنك تشترك بخديعتهم وتتركهم بالتالي لقمة سائغة لأعدائك وأعدائهم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان