الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقع المرارة.. في ثقافة ركوب العبارة

إكرام يوسف

2008 / 8 / 2
كتابات ساخرة


لا أعتقد أنني ـ وحدي من بين المصريين ـ من لم يتوقع إدانة صاحب شركة العبارات التي تكررت كوارثها دون مساءلة. فلأسباب ـ لاتخفى على أحد ـ لم يعد كثيرون يعلقون آمالا على أن يحصل المظلومون في هذا البلد على حقوقهم، أو أن يساءل المهملون والفاسدون. غير أنني أجدني مضطرة للاعتراف أن ما ادهشني فعلا هو حالة الصدمة التي انتابتني مع كثيرين بعد إعلان الحكم في القضية!. فبصرف النظر عن موقف القضاء وصحة الحكم ـ أو عدمه ـ ومهارة المحامين في إخراج الشعرة من العجين، ظل بداخل كل منا بصيص أمل في أن نشهد ـ هذه المرة ـ طرفا آخر يستحق العقاب، غير الضحية كما في معظم القضايا الأخيرة.
ولا أعتقد أنني ـ وحدي ـ من لم يذق طعم النوم يوم وقوع الكارثة، ويوم صدور حكم البراءة على المتهمين. وظل سؤال يتردد في الذهن، كيف يغمض لصاحب العبارة وابنه ومحاميه ـ وآخرين ـ جفن؟

وقفز إلى ذهني تفسير أعتقد أنه الوحيد لما يبدو عليه مسئولوا من راحة بال ـ ولا أقول بلادة ـ في مواجهة أمثال هذه الكوارث: ففي أحداث 6 ابريل، قتل طفل برصاص الأمن، فإذا بنائب محترم ـ يفترض أنه يدافع عن مصالح الشعب ـ يقول في مداخلة تليفونية لبرنامج "الحقيقة" أن هذا الطفل مخطئ لوقوفه في شرفة منزله! وعندما سأله المذيع عن موقفه إذا كان ابنه مكان هذا الطفل، قال بثقة يحسد عليها "يروح في داهية طالما ما يعرفش ثقافة الوقوف في البلكونات"!.
وبصرف النظر عن فجاجة التعبير أو قسوته، إلا أن هذا المبدأ القانوني الذي صكه "النائب المحترم" يكشف السر وراء عدم ظهور مذنب يمكن عقابه في مختلف الحوادث التي رح ضحيتها الآلاف مؤخرا.. فالضحايا هم الجناة الحقيقيون لأنهم لايمتلكون بضع ثقافات بسيطة، لم يكن يكلفهم امتلاكها الكثير، ولو كانوا احترموا أنفسهم وامتلكوا هذه الثقافات لجنبوا أنفسهم وجنبونا معهم وجع القلوب.
فعندما جرفت سيول الصعيد بيوت الفقراء وحصدت أرواحهم غرقا، قال محافظ همام: "يستاهلوا لأنهم بنوا بيوتهم في مخرات السيول"!.. وفي حادث قطار الصعيد، اتضح أن الضحايا هم الجناة الحقيقيون لأن أحدهم كان يقوم بعمل الشاي داخل القطار! ولم يكلف نفسه امتلاك ثقافة ركوب القطارات. وفي حريق مسرح بني سويف لم يكن الجاني سوى بعض الضحايا الذين ماتوا حرقا وصدرت ضدهم أحكاما لكونهم لم يمتلكوا ثقافة حضور العروض في المسارح الإقليمية! وهو ما ينطبق بالطبع على أكثر من ألف ضحية من ضحايا العبارة السلام 98 وقبلها العبارة السلام 96 ، الذين تهاونوا في امتلاك ثقافة ركوب العبارات، فكان مصيرهم الغرق في أعماق البحر، وتركوا في قلوب ذويهم ـ وفي قلوبنا جميعا دون مزايدة على أصحاب الوجع القريبين ـ جرحا سيظل ينزف طالما لم نمتلك حتى الآن ثقافة الإصرار على الحصول على الحقوق. وإجبار الجناة على دفع ثمن جرائمهم.
يبدو أنه آن الأوان لنستيقظ على حقيقة أليمة، تتمثل في أننا جميعا ركاب عبارة اسمها "مصر المحروسة"، باتت تلاطم أمواج الفساد والاستبداد والجوع والعطش والمرض. ويبدو أننا أصبحنا نفتقر إلى ثقافة التعامل مع الفساد المقترن بالاستبداد، كما نفتقر إلى ثقافة التعامل مع نظام صحي، هو في الحقيقة "زي الفل"! إلا أننا نحن الذين لا نمتلك ثقافة التخلص من الأمراض تلقائيا دون أن نثقل كاهل وزارة الصحة بأمراضنا. ولا نجيد ثقافة التعامل مع نظام تعليمي "رائع"، لا يتطلب سوى أن يمتلك الفرد ثقافة الحصول على بضعة ملايين قليلة من الجنيهات تمكنه من إلحاق أبنائه بالمدارس الراقية والجامعات الآجنبية، دون أن "نرمي بلانا" وغباء أبنائنا على كاهل وزارة التربية والتعليم. كما أننا "نتنطع" على نظام مروري ممتاز، عندما نزحم وسائل المواصلات العامة، مع أن الأمر لايحتاج من كل أسرة ـ وليس بالضروري كل فرد ـ أن يمتلك أموالا معقولة لشراء ولو حتى طائرة هليوكوبتر مستعملة للتنقل في الجو دون أن نزحم للحكومة شوارعها وكباريها. الأدهى من ذلك أننا لانمتلك ثقافة "الدايت"، فتجدنا نصدع دماغ حكومتنا بالحديث ليل نهار عن طوابير رغيف الخبر وأسعار الزيت والسمن والسكر مع أنها جميعا مواد ضارة تصيبنا بالبدانة، فنرهق وزار الصحة بأمراضنا...وهكذا
الخلاصة.. أن مسئولينا لا يمكن أن يخطئوا أبدا، فهم يمتلكون ثقافة كيف يحكموننا.. لكننا ـ وحدنا ـ شعب لا يعرف ثقافة أن تكون محكوما.. فإذا غرقت عبارة الوطن فعلينا ألا نلوم سوى أنفسنا. لأننا في الحقيقة لانعرف ثقافة التغيير.. أعني تغيير الشعب طبعا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟


.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و




.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا


.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف




.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ