الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيدرالية في عراق اليوم ومقولة : رب - نافعة - ضا رة !!

عبد الزهرة العيفاري

2008 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


المقولة الشائعة في المجتمع وكما يتداولها الناس هي مقولة : "رب ضارة نافعة " وهي تؤكد الآية الكريمة : رب تكرهون شيئا وهو خير لكم . ثــم تأتي الاحداث في الحياة فتؤكد ــ كما نعتقد ــ ان الحكمة في هذه الاية تبقى نافذة المفعول ايضا ً في حا لة قلب العبارة وجعلها " رب نافعة ضارة " لان المنفعة قد تكون مؤقتة او طارئة او انها تتعـا رض مع اجندة اخرى لها تأثير لا مــرد له ، فتنقلب المنفعة الى ضرر شنيع ، وان هذا الضرر في اغلب الحالات يكون مأساويا ً . فكم هي الاعمال التي اعطت منافع سريعة ، ولكن المنا فع تلك تحولت بعد حين الى اضرار كارثية وان الافراح فيها انقلبت الى اتـراح والمناقب الى مصائب ، لا لشئ الا لكون تلك المنافع جاءت بطفرة غير مدروسة وفي غير اواتها . وهذه في الواقع عبارة عن سنة من سنن الحياة . وهي تحدث في البيت والعمل وفي الوظيفة والتجارة ... ومن المؤكد ان السياســة لا تـنجو من هذه القاعدة الحياتية ، بل وانها مرشحة اكثر من غيرها للمتاهة في لعية النفع والضرر . ذلك لان السياسة علم . وانها تعتبر من اصعب العلوم على الاطلاق . لما لها من علاقة مباشرة بحركة المجتمعات وبمصالح شعوب وباستراتيجيات دول ، بمعنى ا نها نفسها مجبرة ان تتعامل مع المتغيرات الدولية والارتباطات الوطنية في وقت واحد وهي ارتباطات ومتغيرات متلاحقة ولا تعرف السكون . فهي اذا ً تتطلب اكثر من اي شئ آخر : مراعاة الحـكـمـة السياسية التي تتجلى اولا ً واخيرا ً ببعد النظـــر وحسا ب النتائج المستقبلية لأية خطوة اوقرار والتأكدمن جعل تلك النتائج نافعة حقيقة وانها ــ بصورة اكيدة ـــ ليست ضارة على المدى القريب اوالبعيد !.
الفيدرالية ...... في العراق المعاصر ، بهذا الوضع السياسي الذي امتد من زمن طغيان صدام الى الوقت الحاضر ، وربما سيمتد لفترة اخرى قادمــة ، لا يمكن ان يكتب لها نصيب في الحياة . وهي ان جلبت الرضا والاعتقاد بانها " نافعة " للبعض ، وانها فعلا ً امتدت لوقت و لفترة سياسية طـارئـة فالامر كله يتنافى مع المنطق ويتعارض مع الحصافة السياسية . وليس الا ( زغردة ) في ( زفــة ) وتنتهي . الامــر وما فيه ان الظرف الذي ( انجب ) الهـدوء في كردستان في التسعينات هو الغطاء الجوي الامريكي لحماية شمال العراق من نظام صدام اولا ً ولان افواج من الانصار المناضلين العرب ساندوا اخوتهم الكــرد في معاركهم ضد النظام البعثي الفاشي .
ونقول ان تأسيس الفيدرالية في شمال العراق امر سياسي طارئ ويتنافى مع المنطق السياسي السليم ذلك ان العراق كبلاد لم تكن جاهزةً حينذاك لأية فيدرالية . فالدماء كانت تجري انهارا في البلاد والمقابر الجماعية تتزايد اعدادها والحرب قائمة مع ايران وبعـدها اقترف النطام جريمة غزو الكويت ، ثم الانتفاضة الشعبانية وقيام النظام بالمذابح في كافة المحافظات تقريبا لمختلف الاسباب والاغراض ... الخ ... الخ . وفوق كل هذا تبرع احد "" زعمــاء "" الاحزاب اليسارية فا قترح على الاكراد انشاء ( فيدرالية ) ضمن العراق وهو بالتأكيد ما كان يدرك ماذا يقول ولم يعرف انه ادخل العراق المثخن بالجراح في دوامة بل ادخله في فــتــنــة قــومــيــة قد تدمر ما بقي من العراق واكيدا ً ستدمر شمال العراق و " فيدراليته " من الاساس اذا لم نتلافى الامـــر الا ن .
وان ذلك السيد السياسي والزعيم ( !! ) صاحب الاقتراح لابد وانه يتفرج اليوم من ( شبا ك في البرلمان )على الانفصا ليين الاكراد في كركوك الذين قرروا البدء من هـذه المدينة المتآخية لتخريب الوطن العراقي . وليسمح لي القراء الكرام ان اذكر لهم انني كتبت مقالا مطولا ، نشرته في جريدة الوفاق اللندنية في اعدادها 233 و 234 عام 1996كتعليق على تصريحاته في " طريق الشعب " وعلى تبجحه انه كان السبا ق في " ايقاض " الحركة الكرديةعلى امكانية تأسيس الفيدرالية في تلك الظروف وليس الحكم الذاتي . ومما لا حظت عليه في مقالي ( وسوف انشره كاملا ً قريبا ) ان الفيدرالية او ما يشابهها في اي بلد كانت هي من الامور الوطنية الاساسية و ليست مسألة حزبية ليبت بها شخص حتى ولو كان رئيس حزب . الفيدرالية مسألة تخص الشعب العراقي ( من زاخو الى الفاو ) يؤخذ بها رأي اهلنا في الانبار والموصل والبصرة والـد يوانية والسليمانية وكافة المحافظات الاخرى بعشائرها وطلابها وبنسائها ورجالها .
ومما لا يقبل الشك ان الفيدرالية كنظام للدولة يعتبر نظاما تقدميا ً. فهو اكثر من غيره قابلية ً للتنظيم والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي .والـدولة الفيدرالية لها مميزات باهرة اذا ما بنيت على اسس ديمقراطية وشفافة ووفقا لشروط الدولة الحديثة . وبذات الوقت ستكون خلاف ذلك اذا ما بنيت من منطلقات عنصرية او طائفية او انتظـارا ً لتقسيم البلاد وشرذمتها ونهب ثرواتها كهدف نهائي لفئات او احزاب او لجهات سياسية متآمرة على البلاد عموما وربما من خـلال كل هذا او بعضه تقف دول او كيانات اقليمية لها مصلحة في تمزيق العراق والتخلص من جيشه ومن وحدة هذا الشعب الشجاع . . ومن هنا يتضح ان موضوع الفيدرالية امر سياسي في غاية التعقيد وتكتـنفه اخطار ومخاطرات فتاكة اذا ما ترك لها العنان حسب الاهواء والـرغبات واذا ما جردت من الضوابط التقدمية في السياسة والقانون والادارة اي من الضوابط التي تعتبر في مثل هذه الحالات صـمـام الامـان .
ثــم السؤال الكبير هنا : هل ان السادة الذين تولوا مهمة وضع الدستور واقروا الفيدرالية فيه كانوا على بينة من هذه الامـور ؟؟؟ هل يستطيعون ان يقنعوا احدا ً ان العراق كان في ذلك الوقت او هو جاهز في الوقت الحاضر الى القيام بتأسيس النظام الفيدرالي في العراق ؟؟؟ مع ان تثبيت مبدأ النظام الفيدرالي على المدى البعيد امر فيه جوانب حسنة كثيرة دون ريـب . اي اذا ما تم له تهيأة الساحة العراقية فيما يتعــلق بمجموعة غير قليلة من العوامل التي تقوم مقام الاساس المادي لنجاحه وضمانا ً لــفعا ليته . على ان هذه العوامل تتوزع بين المتطلبات الداخلية العامة والعوامل ذات الصفة العا لمية .
ومما يؤسف له ان " الاهداف الرئيسية " لدى الاحزاب التي اعلنت تأييدها للفيدرالية كانت تتركز بالاساس على امور غريبة.. وبنفس الوقت مدعاة الى الحذر والتحفض واليقظة !!! . وبهذا الخصوص نعتقد ان المشكلة كانت تكمن في عدم الاحاطة بجوهر النظام الفيدرالي عنــد تلك الاحزاب . فكما جاء ( على لسان خطبائها وتصريحات قادتها ) انهم فهموا الاهداف " الديمقراطية " للفيدرالية وكأنها محصورة بــصــورة "رئـيـسـيـة" بالـوصول الى : اضعاف سلطة المركــز امام سلطة المـحافظات والاقاليم ( الفيدرالية ) ، ثم التصرف الحـــر بالحصص الما لية المخصصة لهذه " الفيدراليات " من قبل السلطات المحلية ، وذلك "" لتطويــر "" وجــه الحياة حسب منظورتلك السلطات للاحتيا جات الشعبية !!!! . والواقع ان هذه التصريحات المبكرة ربما كان لها الفضل بايقاض المسؤولين الاساسيين في الدولة وتحفيز الحذر لديهم او لدى بعضهم من مغبة هذه الاهداف الخطيرة وبالتالي رأوا التريث في اتخـاذ خطوات حاسمة بشـأن التأسيس !!! . علما ان مــثــل هذا التريث ( ربما حدث عفويا ً او وفق قناعات معينة ) له مكانته النظرية والعملية في علم الاجتماع الذي هو جزء من السـياسة والادارة العامة . اذ يحــد ث ان القيادة الحكيمة في الدولة ( مثــلا ً ) ربما تتريث في اتخاذ خطوات حاسمة تجاه امور جديدة عليها . اي انها تمتـنع عن ( القفز في الظلام ) . ولذا يــعتبرها الناس قيادة حكيمة في المجتمع ، وهم محـقـون في ذلك . ولا يجوز نكران حقيقة ان احزابا وشخصيات سيا سية من خارج السلطة قد عارضت الاسراع في تأسيس الفيدراليات ( وهـي على صواب ايضا ً) ســيـمــا ان التحول السريع الى هذا النظام قد ابان بصورة سريعة ان الفيدرالية الوحيدة عندنا اخذت تميل الى الانعزال و الانفراد بالنشاط العام في كافة الشؤون الرسمية والاهلية ، مما يدل على ان النضوج السـياسي والاداري في البلاد عموما ً وفي الاقليم خاصة لم يتهيأ بعد للفيدرالية . وهنا ينبغي اضافة العامل الامني الذي لا يطاق مما يدل على ان المخاوف من الفيدرالية كان لها ما يبررها . وقد اشـا ر الكثيرون الى ان التصرفات اليومية ، بل والسلوك العام للاقليم اخذ يقترب من خطوط الخطر على البلاد الى درجة التفتت والتشرذم والتمادي في الانعزال والاستقلال عن السلطة العراقية على كل المستويات . والشئ الملفت للنظر ، ان قيادة الاقليم لم يبدو عليها انها مبا لية اذا ما كانت نتائج الانعزال هذا يصب في غير صالح الاقليم . بل وان الخطورة في الواقع اذا ً متأتية ً من كون قيادة الفيدرالية نفسها باتت تعتبر ذلك النهج سياسة رسمية لها . !!!
نجاحات حكومة الما لكي وازمــة شمال العراق !!!
لا ينكر ان الاشهر الثلاث الاخيرة شهدت نشاطات ناجحة غير عادية للسيد الما لكي بل وللدبلوماسية العراقية عموما . اذ نجح الرجل بشجاعته واتزانه وعـقـله ان يكسـب العالم الاوربي والعربي والامريكي وان العراق بفضل نشاط حكومته ينتظر قريبا التحول الى ورشة عمل واسعة حيث صناعة البتروكيميائيات والسيارات وصناعات اخرى ، هذا غير بناء المدن والطرق وكافة عناصر البنى التحتية . وكما يعتقد بعض المطلعين بسياسة اقليم كردستان ان الزعامة الكردية لاترى من مصلحتها تقوية المركز ولا الا قتصاد العراقي . انهم يسعون الى توسيع علاقاتهم التجارية والصناعية مع الخارج لا كعراق بل كاقليم له تطلعاته وخططه بما في ذلك الاتفصال عن المركز في يوم مـــا . ثم يضيف مراقبون معينون ان بعض القياديين في الاقليم يعتبرون مصلحتهم في انشغال العراق بالصراع مع الارهاب لمدة اطول وذ لك لاضعاف الحكومة المركزية ليسهل املاء ارادتهم عليها والايغال في ابتزازهـا وسحب المليارات منهـا باسم حصة الفيدرالية !!!! فهل هذا صحيح ؟؟؟ !!!! لا قــدر الله ان يكون ذلك حقيقة . واود هنا فقط تذكير اخواننا الكرد بان الضحايا زمن الدكتاتورية لم يكونوا من الكرد فقط بل ان التقتيل وازهاق الارواح شمل العراقيين جميعا ــ اكرادا ً وعربا ً وتركمانا . ًوقد شمل الحريق البعثي المساجد والكنائس واديرة الصابئة ..... اضافة الى ذلك ان ارض كردستان العراق مليئة بجثث الشباب العرب الذين ذهبوا لتصرة الحركة الكردية ضد نظام الطاغية . فهل يصح ان يكـون التمـرد على العراق اليوم هو الجواب بالحسنى ؟؟؟!!! من كان يتصور ان انحسا ر الارهاب اللعين وفشل القيادات البعثية والتكفيرية سيتبعه تمـــرد كردي . يقوده رئيس الاقليم و معه الطالباني الذي استبشر العراقيون العرب ان يكون كرديا ً رئيسا ً للجمهوري العراقية !!!!
مما يؤسف له ان زعامة الاقليم ورئيس الجمهورية لم يفكروا بضخامة الخطأ الذي اقترفوه . انهم لــم يفكروا بفقد مساندة العرب للكرد . ان كردستان العراق نالت المكاسب بفضل العلاقة الحميمة بين العرب والكرد العراقيين على مدى تاريخهم . فكان العراقيون في الجنوب امام الموت على يد البعث الغاشم ولكنم كانوا يفرون الى كردستان للالنحاق بحركة شعبنا الكردي . اليس كذلك ايها الاخوة ؟؟؟!!!.
الدستور ...!
لقد اصبح واضحا من المنا قشات والجدال بين الاطراف خلا ل هذه الازمة وكذاك من تهديدات الجانب الفيدرالي ان هناك ضرورة ملحة باصلاح مواد الدستور الذي يسبب باسنمرار مشاكل قومية وطائفية وسياسية واشكالات بين منظمات المجتمع المدني والحكومة . ولا نشك ان الشعب العراقي يأمل من قادة الاقليم ان يجدوا الاسباب الوجيهة لكي يخففوا من غلوائهم . وان يتذكروا ان هناك موازين دولية غيـــر ملا ئمة للعب بالنار .
وفيما يتعلق بالفيدرالية فيجب اعتبارها من الاهداف المستقبلية حيثما يحقق العراق عملية البناء واعادة الحياة الاقتصادية التي تجعل العراق مركزا ً تجاريا وصناعيا وزراعيا وسياحيا ً ....بين دول العالم عند ذاك سيمكن بناء المستلزمات الادارية و الوظيفية لإقامة الفيدرالية .
اما الان فمـن مصلحة العراق ومصلحة كردستان بالذات حــل الـفـيـد رالــيــة والعودة الى نظام المحافظات والادارة المـحـلية مع ممارسة الشعب الكردي حقوقه في الثقافة والتعليم ووغيرها مع العمل الجاد في سبيل انهاء عزلة الكردعن اخوتهم العرب ، تلك العزلة التي جرى افتعا لها في الزمن الردئ ، زمــن البطش الصدامي والاجرام الارهابي ــ التكفيري . الامــر صعب ولكن اذا كان الانسان عظيما فلا تقف الصعاب عا ئقا امامه . وبدون ذلك ربما تتحرك الاحداث كما تشتهي وتريد . وهي لا تسأل احدا ً ً حينذاك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو