الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يستثمرون الفرية الإسرائيلية

برهوم جرايسي

2008 / 8 / 2
القضية الفلسطينية


عادت في الأيام الأخيرة لتظهر إحدى حالات البؤس الفلسطينية الداخلية الخطيرة، مع نشر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قبل أيام، فرية استخباراتية إسرائيلية جديدة، تزعم أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن) "هدد إسرائيل" بحل السلطة الفلسطينية في حال أطلقت سراح نواب ووزراء حركة حماس من المعتقلات الإسرائيلية.
ولا يحتاج المرء لكثير من التفكير ليعرف مدى زيف مزاعم كهذه، خاصة إذا وضع أمامه عدة معطيات واضحة، أولها أن هذه الفرية، كغيرها من الفريات الإسرائيلية، تظهر من مرحلة دقيقة جدا، تتكثف فيها المساعي للعودة إلى طاولة الحوار الفلسطيني الداخلي، ولوقف حالة الاحتراب والاستنزاف الذاتي، الذي يرهق الشعب الفلسطيني برمته، ويشله في مسيرة التحرير، بإغراقه في نزاعات دموية داخلية.
والأمر الثاني، هو سخافة الرواية التي وردت في صحيفة "هآرتس"، فلو افترضنا، وفقط من باب الافتراض، أنه كان لدى الرئيس أبو مازن، أو قادة في محيطه توجه غريب كهذا، فهل يُعقل أن يتم نقله إلى موظف صغير في الجانب الإسرائيلي، لينسج تقريرا "عن انطباعاته" في هذا المجال، وهل من الممكن أن يفكر أي قائد فلسطيني أن يحل السلطة برمتها، فقط من أجل إطلاق سراح قادة من فصيل خصم؟.
إن الأسئلة كثيرة، ولكن لا بد من النظر إلى الأهداف الإسرائيلية من خلال النشر، فالهدف الأول والمباشر، وذكرناه هنا، هو الاستمرار في ترويج أكاذيب من شأنها أن تزيد من البلبلة والاحتراب الداخلي الفلسطيني، ففي الماضي ذكرنا هنا، أنه مع وصول أبو مازن إلى رئاسة السلطة الفلسطينية، وضعت المؤسسة الإسرائيلية هدفا لها بالقضاء سياسيا على أبو مازن في الشارع الفلسطيني من خلال نهج "عناق الدببة"، وإظهاره كـ "صديق حميم لإسرائيل وسياستها يقدم لها تنازلات".
وهذا مع معرفة مسبقة بأن هذا يضعفه أمام شعبه، ولتعلن إسرائيل لاحقا أنه "ضعيف وغير قادر على تطبيق أي اتفاق يتم التوصل له"، وهي الاسطوانة الإسرائيلية التي يتم بثها من حين لآخر على لسان أبرز قادة إسرائيل، وآخرهم في الأيام الأخيرة كان الرئيس شمعون بيرس، الذي كذب حين نفى تصريحا كهذا له.
ويندرج هذا في إطار مزاعم إسرائيل الدائمة، منذ العام 2000، بـ "عدم وجود شريك فلسطيني"، فقد تم تشويه صورة الرئيس الراحل ياسر عرفات في الأسرة الدولية، وإظهاره كمن "يقود إرهابا"، وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي بأنه يسيطر لنفسه على ثروة "لا تقل من 7 مليارات دولار"، وغيرها من البدع، وكان الهدف من ذلك تقليل وزن عرفات على الصعيدين العالمي والمحلي.
وشهدنا في الماضي أن جهات فلسطينية وعربية استثمرت البدع الإسرائيلية وراحت تروج أرقامها من خلال وسائل الإعلام، في أحلك ظروف الحصار الذي واجهه عرفات شخصية في مقره في رام الله في السنوات الأخيرة لحياته، وحين رحل راحت نفس الجهات تزفه لنا شهيدا.
واليوم تواصل نفس الجهات ترويج بدعة إسرائيل بأن أبو مازن "قدم لها تنازلات"، ولم تسأل تلك الجهات نفسها، ما طبيعة هذه التنازلات التي ظهرت منذ أكثر من عام، ولم نسمع عن تفاصيلها حتى الآن؟"، أو أن تسأل ما هي قدرة أبو مازن، أو أي رئيس فلسطيني من قبله أو بعده على تقديم تنازلات يرفضها شعب بأكمله؟ وما قيمة تنازلات يقدمها شخص ويرفضها شعب؟.
ولكن تلك الجهات لا تتردد في ترويج هذه البدع طالما أنها تخدم مصالحها الضيقة، وفقط مصالحها الضيقة، حتى وإن ضربت المصلحة العامة للشعب الفلسطيني المتمثلة بوحدته الضرورية.
وبهذا فإن بضرب عرفات ومن بعده أبو مازن، مع تحييد تلقائي لحركة حماس، تظهر إسرائيل، أمام الأسرة الدولية كمن "لا شريك فلسطينيا قوي أمامها"، للتوصل معه إلى حل دائم، وهي لا تنتظر ظهور شريك كهذا، ولا تريده، وفي المقابل فإنها تواصل فرض حقائق خطيرة وقاتلة على الأرض، من خلال تكثيف الاستيطان وتسريع بناء جدار الفصل العنصري.
لا يمكن وصف الفرية الإسرائيلية ضد محمود عباس، سوى أنها دعوة صريحة لتصفيته جسديا قبل تصفيته سياسيا، لأن المنطق يقول إن دعوة كهذه، "بحل السلطة بسبب..."، هي دعوة خيانية من الدرجة الأولى، من الصعب أن يستوعبها العقل.
وعلى الرغم من خطورة الفرية، فإن حالة البؤس الفلسطيني تظهر من خلال ترويج بعض الأوساط لهذه الفرية، وعمليا تطبق الهدف الإسرائيلي المرجو منها، فنرى وسائل إعلام تبرز خبر "هآرتس" لساعات طويلة، مع إشارة خجولة للنفي الفلسطيني، وهذا بحد ذاته اللعب في الملعب الإسرائيلي، طالما أن فرية كهذه تدغدغ المصالح الحزبية والشخصية الضيقة لتلك الجهة أو غيرها، ولكن حين تكون حراب الفرية الإسرائيلية موجهة لنفس الجهات، فحينها يحلو لها التحدث عن الشائعات الاستخباراتية الإسرائيلية.
لست مدافعا عن الرئيس عباس، ولن أتطوع لمهمة كهذه، فهو كأي شخصية قيادية أخرى ترتكب أخطاء، ولي من التحفظات على بعض توجهاته ونهجه ما يمكن استعراضها في معالجة أخرى، مثل اللقاء غير المبرر في الآونة الأخيرة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، وغيرها.
ولكن لا يمكن السماح لتحفظات واعتراضات كهذه أنه تسقطنا في مكائد ومصائد إسرائيل، التي تضعها لخدمة سياستها وأهدافها الاستراتيجية، وعلينا ان نعي حقيقة أن كل الساحة الفلسطينية معرضة لضربات إسرائيل، فإن كانت إسرائيل اليوم تبرز في توجيه ضربات مؤسسات حركة حماس، فهذا يأتي بعد سنوات من القضاء الفعلي على مؤسسات السلطة الفلسطينية الأمنية والمدنية على حد سواء، ويجب أن نذكر كيف بدأ العدوان على الشعب الفلسطيني في أواخر العام 2000، وكيف أنه لم تسلم أية مؤسسة فلسطينية تابعة للسلطة من الفلسطينية من ضربات الاحتلال.
إن واجب الساعة يتطلب حكمة ونزاهة وطنية، وتغليب المصلحة العامة، في مواجهة الحرب النفسية المنظمة التي يشنها الاحتلال على سائر أبناء الشعب الفلسطيني، وعدم استثمارها لمصالح ضيقة، تتسبب بالدمار أكثر من الدمار الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني على المستوى الداخلي وفي مواجهة الاحتلال ومشاريعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو