الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصرخ يا نور

رمضان متولي

2008 / 8 / 2
سيرة ذاتية


يوم الأربعاء الماضي ولد طفلي الأول "نور". لا أستطيع أن أصف حزمة المشاعر المعقدة التي انتابتني وقتها. الفرحة والخوف والحب والهم، كل هذه المشاعر تزاحمت علي فجأة، وأصبحت كالأبله لا أعرف ما ينبغي أن أفعل. وكل ما فكرت فيه وقتها هو الاطمئنان على أمه وعلى صحتها، وفي اليوم التالي تذكرت عمنا الرائع صلاح جاهين.

لو فيه سلام في الأرض وطمان و أمن

لو كان مفيش و لا فقر و لا خوف وجبن

لو يملك الانسان مصير كل شـــئ

انا كنت اجيب للدنيا ميت ألف ابـــن

عجبي !!


ولد "نور" في نفس الأسبوع الذي حكمت فيه إحدى المحاكم الابتدائية ببراءة ممدوح اسماعيل ونجله من قتل ما يزيد على ألف مواطن مصري من الغلابة غرقا في مياه البحر الأحمر، وجاء هذا الحكم الصدمة بعد صدمة أخرى تمثلت في براءة هاني سرور الذي ورد للمستشفيات المصرية أكياسا لنقل الدم وأجهزة غسيل كلوي غير مطابقة للمواصفات مهددا حياة آلاف المرضى الفقراء الذين يذهبون إلى مستشفيات وزارة الصحة. كل ذلك إلى جانب تغطية الحكومة على فشلها في تحقيق نظام اقتصادي عادل يضمن توفير فرص العمل والعيش الكريم لأبناء مصر بمحاولة إلقاء المشكلة على المواطن نفسه واتهام المصريين بأنهم كثيرو الإنجاب. لقد ولد طفلي نور في دولة تكرهه ويحكمها أناس لا يريدونه، وينتشر فيها الفساد الذي يحمي أصحاب السلطة والمال من المساءلة والعقاب.

ومع ذلك فأنا أريدك يا بني. وفرحتي بخروجك إلى الدنيا لا يعادلها إلا خوفي عليك من غوائل الدهر وتصاريف القدر. لا يعادلها إلا كراهيتي لمن لا يريدون لك حياة كريمة وأياما سعيدة وقلبا مفعما بالحب والبهجة. ولا يعادل فرحتي بك إلا خوفي عليك من أن أفشل في حمايتك ورعايتك في عالم بلا قلب تسيطر عليه الوحوش التي تضحي بدم الإنسان وحياته وكرامته من أجل حفنة من الذهب وشهوة السلطان.

أعرف أنك يوما ستكبر، وأتمنى ألا تقول يومها "هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد"، فسمة التاريخ يا نور أنه لا يثبت على حال، وأن "دوام الحال من المحال"، وربما عندما تكبر وتستطيع أن تدرك الدنيا أن تكون أحوال البلاد تغيرت وأن يصبح للإنسان قيمة في بلادنا، ولا تحتاج وقتها ركوب عبارات الموت إلى دول الخليج، ولا اللجوء إلى سفن الصيد للهرب إلى دول الشمال الغنية بحثا عن لقمة العيش والحياة الكريمة، ربما وقتها يكون زبانية التعذيب ومن يحمونهم على رأس السلطة في زماننا قد حوكموا وتحولوا إلى نفايات، وانتهى عصر الفساد وانتهت هذه الحقبة السوداء من تاريخنا إلى مستودعات القمامة التي يكتظ بها تاريخ الإنسانية.

عالجسر فت الصبح تحت الضباب

بين اللي لسه بينغرس و اللي طاب

ما اهتز قلبي لنبت طالع جديـــد

قد اللي ماشي .. وتحت باطه كتاب

عجبي !!

لو خاب ما تمنيت لك يا نور، فلا تحزن يا بني، وتذكر أن التاريخ يصنعه الإنسان وأن أجيالا طويلة من البشر ضحت بحياتها لكي تضمن لك القدر الذي تحظى به الآن من الاعتبار حتى وإن كان ضئيلا، وأن القدر ألقى عليك أنت أيضا مهمة النضال من أجل حياة أكرم لك ولأمثالك ممن ولدوا في طبقة المحكومين، واعذرني يا نور لأنني لم أضمن لك أن تكون "ابن عز" ولم أستطع حتى الآن حمايتك من أن تكون ضحية من ضحايا الفساد أو الاستبداد، وإن لم أستطع أن أصرخ أنا، فلتصرخ أنت ولتتكلم أنت.

عيني رأت مولود علي كتف أمـه

يصرخ تهنن فيه يصرخ تضــمه

يصرخ تقول يا بني ما تنطق كـلام

ده اللي ما يتكلمش يا كتر همــــه

عجبي !!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد